شعاع من التاريخ

شعاع من التاريخ

الكويت .. والتنقيب عن الجذور

عندما تطل عين الشمس من وراء أبراج الكويت تسقط أشعتها على أكثر من موقع في أرض هذا البلد الصغير حجما المثير موقعا . الأرض هي الأصل وفى أديمها انغرست الجذور التي نمت لتنبثق منها أشجار الحياة تحكي تاريخ الإنسان .

على تلك الأرض جرت أحداث وحروب وسالت أنهار الدماء مع الثارات القبلية ، وعلى أديمها التقت حضارات كانت تتصارع وتتناقض من هنا وهناك قبل آلاف من السنين ، وكلها أدلة تاريخية تؤكد قيام حضارة قديمة على أرض الكويت عاصرت حضارات الشرق القديم .

هنا " الصبية " يمتد اسمها إلى عمق التاريخ حيث تبرز الآثار والأطلال دلائل تشهد بماض عريق . وفى صفحة من تاريخ " التحفة النبهانية " نقرأ الخليفة النبهانى : " الصبية مدينة قديمة آهلة بالسكان منذ أمد بعيد عامرة بالأبنية والأسواق ورواج التجارة . وكان سكانها من الصابئة الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم :سورة البقرة آية 62 إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " المائدة 69 " .

ويقول التاريخ إن الصابئة لم يكونوا سكانها الأصليين . فقد كان السكان عربا نزح إليهم الصابئة حين ضربهم فراعنة مصر في عهد النبى يحيى عيله السلام فخرجوا باتجاه فارس عن طريق القدس ، لكن المزدكيين أحرقوا الصابئة وأجلوهم فلجأوا إلى هذه الأرض البعيدة عن سيطرة الفرس وفرعنة مصر .. والتى سميت بعدهم بالصبية . هذه الأرض هي بعض أرض الكويت الحديثة ، والمكان هو ذلك الموضع الذي سمى باسمهم حتى بعد أن أرغموا على الرحيل تحت ضربات العرب أصحاب الأرض ، فهبطوا إلى أرض بابل بين واسط والعمارة في العراق ، وبقيت الصبية في نفس المكان وظل اسمها دليلا عليهم في عمق التاريخ ..

يقول ياقوت الحموي " الصبية أو الصليب جبل عند كاظمة كان فيها بداية يوم من أيام العرب بين بكر بن وائل وبين عمرو بن هند وبنى تميم .. وجرت أحداث ذلك اليوم عند جبل وارة " .

هذا الجبل في قلب الكويت إلى الشمال من برقان .. شهد أقسى أيام العرب . وكان شاهدا على طغيان ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء .. لقد أقسم المنذر في رجاله : " وحق أمى ماء السماء إن لم تمتثل بكر بن وائل لطاعتي وتطرد من ملكه ا سلمة ابن الحارث عدو أبى ، لأسيرن إليهم ، فإن ظفرت بهم فلأذبحنهم على قمة جبل وارة حتى يبلغ الدم الحضيض " .

ولم يكن بداً أمام بنى بكر أمام جحافل المنذر إلا أن يفروا بعيد عن الجبل حتى يلتئم شملهم . وارتفع صوت يقول للمنذر بعد القتال :

- في القتلى عدوك سلمة بن الحارث .. فما تفعل بمن بقي من بكر؟!

ولكن الرد الذي أطلقه المنذر كان يقول :

- ما شفيت الثأر .. ولا يشفى الغليل غير أن أبر بقسمى .. فاذبحوهم جميعا على قمة جبل وارة !

وتم الذبح . وقال قائلهم للمنذر :

- أبيت اللعن يا مولاى ، على قمة الجبل ذبح القوم وجمد الدم ، ولو ذبحت كل بكرى على وجه الأرض لم تبلغ دماؤهم أدنى السفح ..!

وصمم المنذر : لا أعود قبل أن يبلغ الدم الحضيض .. قال صاحبه :

- عندى الرأى يا مولاى .. نصب الماء فوق الدم فيسيل إلى أسفل السفح .

هتف المنذر :

- فافعلوا يبر قسمى .. أما النساء فاحرقوهن في النار ..!

وكان ذلك أول أيام وارة في تاريخ العرب قبل الإسلام منذ ألف وسبعمائة عام .. لكن النار لم تنطفئ فقد شهدت أرض الكويت عند جبل وراة يوما آخر من أيام العرب لعمرو بن المنذر على بنى تميم ، فحين ولى عمرو على الحيرة بعد أبيه أقسم ليطلب ثأره حيث قتل أخوه الأصغر بسفح وارة واتهم في ذلك زرارة شيخ بنى تميم .. وواجه ابن المنذر شيخ بنى تميم وهو يقول :

- أصدقنى يا زرارة .. هل قتلت أخى مالك ؟

كان رد رارة أن الذي فعلها هو زوج انبته سويد من بنى دارم وهرب إلى مكة فصرخ ابن المنذر :

- والله لأقتلن غلمانه السبعة من ابنتك وألحقن به وأحرق من أهله بنى درام بنى تميم مائة رجل أخذا بثأر أخى .

وقام رجاله بتنفيذ الأمر- وجاءه كبيرهم يقول إنه لم يجد هناك من بنى دارم سوى ثمانية وتسعين شوت النار أجسادهم على سفح وارة . فكان رده :

- أقسمت على مائة .. ولن أبرح الجبل قبل أن يبر قسمي .

أوتوا له بامرأتين كانتا على الطريق لاستكمال المائة . كانت الأولى تبكى عند أشجار السفح ومعها خادمتها تأيتها بالماء . وحين سألها ابن المنذر من تكون قالت :

- إنى ابنة حمزة بن جابر ، زاد معدا كابرا عن كابر .. إنى لأخت حمزة بن حمزة .. إن البلاد لقمت بجمرة

وسألها المنذر وقد استشاط غضبا عمن يكون زوجها وأين مكانه فقالت :

- لا يسأل هذا السؤال غير أخرق . لو كنت أعرف مكانه حال بينك وبينى ، وهل عن زوجى هودة يسأل ؟!

قال المنذر : أما والله لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفت النار عنك !

فقالت : والذى أسأله أن يضع وسادك ويخفض عماك .. ما تقتل إلا نساء . ووالله ما أدركت ثأرا ولا محوت عارا . وليس من فعلت به هذا بغافل عنك .

صرخ ابن المنذر : امرأة الدارمى ألبستنى عاره . أشعلت فرحتى منها ناره ، فاحرقوها تحت سفح وراه ...!

لله درك يا كاظمة

موقع آخر يسقط عليه شعاع الشمس في أرض الكويت كاظمة .. أرض حافلة بالتاريخ .. إليها كان نزوح قوم إياد يدفعهم البحث عن الرزق والأمل في الاستقرار .. ووجدوا فيها الأمن والأمان . وعلى أرض كاظمة استكملت إياد قوتها ، وهالت الفرس كثرتهم ، فانقضوا عليهم ينفونهم عن الأرض . ولم تخل الأرض بل ازدادات عمرانا ببكر بن وائل بما لهم ن سلطان وقوة . كانت كاظمة مهوى أفئدة كثير من المحبين والعشاق وملتقى كثير من الشعراء بينهم البحترى والفرزدق .

ومع الحب والمحبين تفوح ربوع كاظمة بعبير قصة حب فاطمة بنت النعمان . فهنا أنزل الملك ابنته في قصر بقلب الصحراء خشية عليها من طمع الطامعين .. والموت . ولن يسمح لغير خادمتها بدخول القصر . وقد أوصى الحراس بأن يجروا ثوبا حول أسواره حتى يكشفوا أى غريب يمر على الثوب عدا خادمتها بنت عجلان . ولكن الفتاة المحبة كانت تتحرق شوقا لرؤية حبيبها المرقش . فاحتالت على خادمتها لتذهب إليه وتحمله على ظهرها وتحزمه على بطنها بثوبها فلا تظهر لقدميه آثار .

ولكن الحبيب أوقعه نزقه يوما إذا حكى لصديقه ابن حيان الذي تمنى أن يمتع نظره بفتاة صاحبه ، وأن يحل محله حين تأتى الخادمة في الظلام لتأخذه إلى سيدتها . وحين حدث ذلك استطاعت فاطمة أن تكتشف من برودة قبلته في الظلام أنه ليس المرقش فصرخت وهى تنادى الحراس ليقتلوه ويلقوا به تحت قدى صاحبه :

- قبحك الله يا كذوب .. وقبح سرا كان بيني ونبي غادر .. ألا قبحا لخادع ومخدوع .. وغادر ومغدور .. وحيث سجنا لفاطمة يا قصر كاظمة .

 

سليمان مظهر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




كانت المرأة تبكي عند أشجار السفح ومعها خادمتها حاملة الماء