طرائف عربية

طرائف عربية

نفوس
الطريق إلى جهنم

كان القاسم بن عبيد الله بن سليمان وزير المعتضد يخاف من ابن الرومي الشاعر الكبير خوفا لا مثيل له، يخشى لسانه وفلتات كلامه، وقصائده التي تحفظ للتاريخ سير الناس وأخبارهم. أوصى عليه يوما ابن فراس فعزمه فى بيت ودس له السم فى فطيرة.

أكل ابن الرومى الفطيرة، وبعد وقت أحس بالسم يسرى فى بدنه وتأكد من المؤامرة التي نسجت لاغتياله.

قام ابن الرومي ليذهب لبيته فقال له الوزير: إلى أين ؟

فقال: إلى الموضع الذي بعثتنى إليه، فقال له ساخراً وشامتاً: سلم لي على والدي.

فقال ابن الرومي: ما طريقي إلى النار.

يقال إن ابن الرومي مكث بداره أياما ثم مات.

إذا ذهب البعض يذهب الكل

كانت رابعة العدوية ممن أحببن الله، ووهبن روحهن فناء فى نور الله.

كانت تسير يوما، وقد انتزعت من قبلها عشق الوجود الإنساني، وفارقت المسرات الفانية، وغدت منأهل الطريق.

كانت حالتها مزرية والفقر والعوز يضربان فى هيئتها وملابسها.

قابلها سفيان الثورى وكان من أهل الله فقال: يا أم عمرو أرى حالاً رثة فلو أتيت جارك فلانا لغير بعض ما أرى. فأجابته: يا سفيان وما ترى من سوء حالي؟ ألست على الإسلام؟ فهو العز الذى لا ذل معه، والغنى الذى لا فقر معه، والأنس الذى لا وحشة معه، والله لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها؟

فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام، ثم قالت لسفيان: إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وانت تعلم فاعمل.

أشعر الناس

كان جرير من أشهر شعراء العرب وقد حباه الله بالموهبة، وسرعة البديهة، والقدرة الهائلة على المدح والذم حتى قيل إنه لا أحد يمكنه هزيمة جرير.

مر به رجل وسأله: من أشعر الناس يا جرير؟

فنهض جرير وأخذ بيد الرجل قائلاً: تعالى لأعرفك الجواب.

فأخذ بيد الرجل حتى وصل حيث كهل ينحني تحت عنزة وجعل يرضع ضرعها في شغف وبلا صوت. فنادى جرير الرجل فرفع رأسه وكان دميما وقبيحا ورث الثياب يسيل لبن العنزة على لحيته المصبوغة بالحناء والتي تزيده قبحا على قبح.

قال جرير للرجل: أتعرف من هذا؟

فأجابه: لا.

قال: هذا أبي. وهل تدري لماذا يمص ضرع العنزة ؟

قال الرجل: لا.

قال جرير: لبخله وخسته فإنه يخشى أن يسمع صوت الحليب فربما طلب الناس بعضا منه.

صمت جرير لحظات، تنهد بعدها وملأ صدره بهواء الصحارى وقال للرجل مفاخراً: أشعر الناس قاطبة من فاخر بمثل هذا الأب- البائس، البخيل، النكرة- ثمانين شاعراً وقارعهم فغلبهم جميعا.

إيوان الصحراء

قيل لأعرابي: كيف تبترد بالبادية إذا انتصف النهار واشتد الهجير، وضربت الشمس الأرض بنارها فسخن الرمل، وصهدت صخور الجبال.

فقال الأعرابي: لا يطيب لي العيش إلا هناك. أجري ميلا فيتفصد عرقي، ثم أنصب عصاي وألقي عليها كسائي، وتقبل علي الريح من كل جانب صافية فأشعر كأنني في إيوان كسرى.

امتنان حر للفراغ والفضاء وفسحة في المكان والزمان تفتقدها نحن اليوم.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات