المسـك: سيـد العطـور جليل العطية

المسـك: سيـد العطـور

الرائحة في الفعل "روح" وهو النسيم طيبا كان أم نتنا، يقابلها بالفرنسية Adorant Adeur وبالإنجليزية Odour, ador واتفق اصطلاحا على الشيء الطيب الرائحة، فسمي (عطرا). ويرى بعض اللغويين أن الكلمة Odeur مشتقة من Attar، عطر، العربية.

والإنسان يتحسس بالروائح، ويميز بين ريح وآخر، ويعشق هذا النمط من العطر أو ذاك، وفقا لذوقه، أو بتعبير علماء النفس تبعا لحاسة الشم عنده.

وتصنف العطور على أربعة أصناف هي:

1 - العطور الحيوانية، وهي التي يحصل عليها من الحيوانات.

2 - العطور النباتية ويحصل عليها من النباتات بشكل مباشر أو من الزيوت النباتية.

3 - العطور الاصطناعية وهي التي يحضرها الكيميائي في المختبر أو المصنع بطرق صناعية كيميائية.

4 - العطور المركبة، وهي التي تحضر من مزج أو خلط مواد عطرية عدة، تلد عطورا جديدة. وتعد العطور الحيوانية الأشهر وهي: المسك والزباد والعنبر.

ورد ذكر المسك في أشعار الجاهليين. قال (امرؤ القيس).

وتضحي فتيت المسك فوق فراشها

نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

وجاء في (لسان العرب): المسك ضرب من الطيب، مذكر، وقد أنثه بعضهم على أنه جمع، واحدته مسكة.

قال (ابن الأعرابي)، وأصله مسك، محركة.

قال (جران العود النميري):

لقد عالجتني بالسباب وثوبها

جديد، ومن أردانها المسك تنفح

أصل المسك

والمسك اسم غير عربي. قال (الثعالبي) في كتاب (فقه اللغة) إنه فارسي. وتشير معظم دوائر المعارف الأوربية المعاصرة إلى أن الاسم ينحدر من أصل سنسكريتي Muska، ثم انتقل إلى اللغات الشرقية الأخرى ومنها الإغريقية واللاتينية.

ويرى (طه باقر) أن هذه الكلمة أصيلة في اللغات العربية القديمة (السامية) ووردت بكلمة أكدية (بابلية آشورية) تضاهي العربية أو تطابقها هي مسكانوMusukanu ورجج (جابر الشكري) في دراسة قيمة له، أنها مركبة من علامات مسمارية عدة، بضمنها اسم القطر الذي جاء ذكره في المدونات المسمارية بصيغة مكان Magan الذي بات من المؤكد أنه "عمان الحالية".

والمسك من أفضل أنواع العطور وأكثرها قيمة ويظفر به من (غزال المسك) الذي وصفه العديد من المؤرخين العرب والمسلمين. قال المسعودي ؛ ظباء المسك: في التبت والصين، ويفضل مسك ظباء التبت، لأنها ترعى سنبل الطيب وأنواع الافاوية، وظباء الصين ترعى الحشيش، وأهل الصين يخرجونه من النوافج ويغشونه بالدم وغيره من أنواع الغش. وأجود أنواع المسك وأطيبه ما خرج من الظباء. بعد بلوغه النهاية في النضج داخل وعائه وأدرك في سرته واستحكم في حيرانه.

قلت: النوافج، جمع نافج وهو وعاء يجعل فيه المسك.

يتكون المسك في كيس غشائي يقع قرب سرة الظبي، وعند نضج الغدة المسكية، يشعر الحيوان بالضيق منها، فيحكها في إحدى الصخور أو سيقان الأشجار. فتنفجر الغدة ويسيل منها قيحها كخروج الخراج من الدمل، فيشعر الحيوان باللذة والراحة، وهكذا يستمر الظبي بعمل المسك حتى شيخوخته.

وتشير الإحصاءات إلى أن مقدار المسك الذي يفرزه الظبي في كل مرة يتوقف على عوامل عدة. منها عمر الحيوان، وقوته الجسمية، وغذاؤه، وكذلك الطقس وغيرها ويقول الخبراء إن الكمية التي يفرزها كل مرة تقدر بـ 6 - 20 جراما من المسك.

يعيش ظبي المسك في المرتفعات الشاهقة في سيبيريا والتبت والهيمالايا وكوريا والصين وله شعر خشن بني اللون وله نابان ويبلغ ارتفاع كتفه نحو خمسين سنتيمترا. وثمة حيوانات أخرى تعيش في جبال شرق آسيا تنتج المسك أو بالأدق ما يقاربه منها.

1 - ثور المسك.. انفرد (القزويني) بذكر دابة المسك، لعله قصده.

2 - قط الزباد: حيوان من الفصيلة السنورية، يشبه القط العادي، لكنه طويل الجسم، ضخم البدن، مع قصر في ساقيه، يفضل المناطق الحارة كالصين والهند وإفريقيا والحبشة. ذكره (ابن البيطار) و(الانطاكي)

3 - فارة المسك تعيش قرب مجاري المياه ويتخذ من جلدها الفراء الثمين. تكثر في أمريكا وتصاد لفرائها ولحمها ومسكها.

يقول (المسعودي) : هذه الفأرة توجد في بلاد التبت، وفي سرتها مسك كما في الغزلان وإذا صادها الصياد يشد سرتها حتى يجتمع فيها الدم. وذلك خير من مسك الغزلان.

قال الجاحظ : سألت بعض العطارين من أصحاب المعتزلة عن فأرة المسك، فقال: ليس بالفأرة وهو بالخشف أشبه.

4 - فأرة الإبل: تشتهر برائحة طيبة وذلك إذا رعت العشب وزهره، ثم شربت وصدرت عن الماء نديت جلودها، فاحت منها رائحة طيبة، فيقال لتلك الإبل (فأرة الإبل) قال (الراعي النميري) يصف إبلا:

لها فأرة ذفراء كل عشية

كما فتق الكافور بالمسك فاتقه

قال (الأصمعي):

قلت لأبي مهدية الأعرابي؛ كيف تقول لا طيب إلا المسك؟ فقال:

فأين أنت من العنبر؟

قال فقلت: لا طيب إلا المسك والعنبر.

قال: فأين البان؟

فقلت؛ لا طيب إلا المسك والعنبر والبان.

قال: فأين أنت عن أدهان بحجر؟

قال فقلت : لا طيب إلا المسك والعنبر والبان وعن أدهان بحجر." وحجر بفتحفتح الحاء من من أحياء اليمامة"

المسك والطب

ذكر المسك في المفردات الطبية وأدخله الأطباء المسلمون في تحضير وصفات كثيرة، وغالى عدد من الأطباء في ذكر الأمراض التي يشفيها، غير أنهم جميعا وصفوه بأنه؛ سيد العطور.

وأدناه نماذج مما قيل فيه في الكتب الطبية المعروفة؛:

- المنصوري في الطب لأبي بكر الرازي:

المسك: حار يابس مصدع للمحرورين سريعا، وينفع من العلل الباردة في الرأس جيد للغشي وسقوط القوة.

- القانون في الطب لابن سينا :

المسك: لطيف، مقوللعين، وينشف رطوبتها، ويجلوالبياض الرقيق، ويقوي القلب ويفرح وينفع من الخفقان والتوحش، وهو ترياق السموم وخصوصا (البيش).

- المعتمد في الأدوية المفردة للغساني :

المسك مطيب للعرق مقوللقلب مسخن للأعضاء، مقولها مشجع لأصحاب المرة السوداء وهو ضد الصداع الناشئ من البرد، ويقوي الدماغ، وينفع المعدة والمشايخ المرطوبين.

الزباد: إذا ضمخت به الدماميل جففها وهو دواء ناجح لضعف القلب.

- تذكرة داود الإنطاكي :

المسك: يفتح السدد ويحل الأخلاط الباردة ويقوي الحواس كلها ويزيل الظلمة والبياض وضعف البصر والدمعة، ويزيل أوجاع الأذن قطورا في دهن اللوز وهو يقوي الغريزة، وينعش ويعين على الحمل.

الزباد: إذا شرب مع الشراب أذهب الغشي والخفقان، وأوجاع فم المعدة. ومع الزعفران يزيل الوسواس والجنون والتوحش والماليخوليا. ويقوي الذهن والحواس ويسهل الولادة وينفع الدماميل، ويزيل القروح ويدمل الجروح، وإذا وضع مع دهن اللوز وقطر في الأذن فتح الصمم وقوي السمع وحفظ صحة الأذن.

تذكرة (ابن أرمانيوس) :

المسك: منظم للدورة الدموية وللوظائف العصبية، مضاد للتشنج في الهيستيريا والصرع والربو والتشنج. وقد أصبح استعماله مقصورا على دخوله في الأطياب والروائح.

- الجامع لمفردات الأدوية لابن البيطار:

المسك: يقوي الأعضاء لطيب رائحته، وينتفع به إذا استعطى به مع شيء من زعفران. ويستعمل في الأدوية المقوية للعين، ويجلو البياض عنها، وينشف الرطوبة بها، وهوينفع المشايخ، ويزيل صفرة الوجه، وهوجيد للخفقان وضد ضعف القلب.

المسك والكيمياء

المسك الطبيعي متعدد الأنواع، يختلف باختلاف الحيوان المنتج له، غير أن جميع أنواعه تتشابه بالتركيب الكيميائي إلى حد ما، وتعد الصين في مقدمة البلدان المصدرة للمسك حيث يبلغ نحو 75 في المائة من المسك المعروف في العالم.

ودللت التحليلات الكيميائية على أن المسك يشتمل بشكل عام على ما يلي:

- 60 في المائة من المواد الذائبة في الماء.

- 15 في المائة راتنج يذوب في الكحول.

- 15 في المائة ماء.

وهذه النتائج ليست ثابتة، تتغير وفقا لحالة الحيوان الصحية أو لحالة الطقس وما أشبه. وثمة أنواع من المسك المغشوش باتت معروفة، حيث يندى المسك بالماء ويترك فترة قليلة من الزمن. فتفوح منه رائحة كريهة.

ويدخل المسك في صناعة العطور الصناعية النفيسة، ويطلق عليه مصطلح (المثبت) لأنه يثبت الزيوت الطيارة التي يتكون منها العطر ويقلل من قابلية تطايرها. ويبقى العطر مدة أطول محافظا على رائحته (أي الزيت الطيار).

 

جليل العطية

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات