وليد معمارى وسعاد جروس

وليد معمارى وسعاد جروس

  • لا أدعي أن كل مكتبته جيد
  • تعاملي مع المرأة ظل في حدود القداسة.
  • حاولت دائما محاربة الازدواجية التي يحملها الرجل الشرقي.
  • لقصصي مميزاتها المتفردة أسلوبا وشكلا.

وليد معماري واحد من أعلام الصحافة في سوريا، عرفه الناس من خلال زاويته اللاذعة على الصفحة الأخيرة من جريدة "تشرين" تحت عنوان "قوس قزح"، ومن خلالها يشير بحرارة وصراحة إلى مكامن الخطأ دون مواربة مستهزئا بالذين يظنون أن أخطاءهم ليست مكشوفة لأحد واستمرت هذه الزاوية حتى غدت متنفسا لهموم البسطاء. كما يعرفه مستمعوإذاعة دمشق من خلال إعداده لبرنامج صباحي "عزيزي المستمع.. عطني أذنك"، والذي يقدمه "ناجي جبر" باللهجة المحلية وبأسلوب شعبي قريب من جميع المستمعين، وينقد فيه بعض المظاهر غير اللائقة أيضا. هذا عدا إبداعه الأدبي في مجال القصة القصيرة حيث صدر له أكثر من سبع مجموعات قصصية: "أحزان صغيرة" عام 1971، "اشتياق لأجل مدينة مسافرة" 1976، ودوائر الدم 1986، "زهرة الصخور البرية" 1988، "حكاية الرجل الذي رفسه البغل" 1991، "تحت خط المطر" 1993، وآخر أعماله "وردة الكسور" المجموعة القصصية التي لم تزل قيد الطبع، بالإضافة إلى أربع مجموعات قصصية أخرى للأطفال. ولقد قامت المؤسسة العامة للسينما في 1993 بإنتاج فيلم "شيء ما يحترق" عن سيناريوله بالاشتراك مع غسان شميط، تطرق فيه إلى حنين ومآسي النازحين عن أرض الجولان، مشيرا إلى معاناتهم وأنه لاهناء للإنسان بعيدا عن الثرى الذي ولد وترعرع عليه، وقدم له التلفزيون أيضا بعض التمثيليات من تأليفه، وله مسرحية وحيدة بعنوان "شاي النعناع". وليد معماري من أبناء منطقة "دير عطية" التابعة لريف دمشق، ولد فيها سنة 1941، ولا يزال واحدا من كبار محرري جريدة تشرين. معروف بأنه خجول لا يجيد التعبير الشفهي عن نفسه، غير أن بطولاته على الورق ليس لها حدود وتزخر بها الوسائل الإعلامية بأنواعها. تحاوره الصحفية "سعاد جروس" التي عرفت بكتاباتها التي تحاول فيها استنهاض المرأة العربية، والشد على يدها لتؤدي دورها في مجتمعها إلى جانب الرجل ملقية بالتقاليد البالية التي تكبلها وتثبط عزيمتها.

  • كيف بدأت رحلة الكتابة بل كيف جئت إلى الكتابة؟

- أجد صعوبة في الجواب.. وربما لو سألتني لماذا تمتلك شعرا أجعد، لأجبتك أن ذلك بفعل قوانين الوراثة المعروفة.. وبعض الناس يولدون وهم يمتلكون صوتا جميلا.. والأمر، في الكتابة، أوسواها من المواهب أشبه بحاسة إضافية.. بعدها تأتي البيئة والظروف المحيطة، والصدق أحيانا، ويأتي العمل على هذه الحاسة، بتنميتها بما يخصبها.. هكذا بدأت الخربشة على الورق منذ الدخول في عالم القراءة والكتابة.. بعدها صرت قارئا نهما.. كان عالم الحرف المطبوع يشدني إليه، ويحيلني إلى عالم من السحر يمارسه سحرة في الكتاب المجهولين.. ولعلي أردت متوهما، أن أصبح ساحرا يغير الكون بهذه الطريقة. تعرفين أن (الاحجبة) السحرية تتضمن دائما كلمات مكتوبة.. وربما أحرفا طلسمية، ودونها لا يمكن أن تكون (أحجبه)

صقل الموهبة

  • ورحلتك.. أو قصتك مع القصة القصيرة، والقصة هي الفن الذي برعت فيه أكثر من سواه؟

- بداية حاولت كتابة الشعر.. أردت أن أكون المتنبي.. أو نزار قباني على الأقل.. ثم اكتشفت مبكرا قصور موهبتي الشعرية.. ربما أكون قد جلست ذات ليلة لكتابة قصيدة، وإذا بي أكتب قصة.. نشرت بعض الأشعار لم تلفت نظر أحد.. أما قصتي الأولى التي نشرت فقد أثارت بعض الاهتمام، ويبدو أني خطوت خطوتي الأولى.. وكان علي أن أتابع الرحلة على الطريق ذاته.. ومن هناك رحت أبحث عن (زوادة للطريق).. وهذا ما يمكن تسميته بصقل الموهبة، لنقل إني بدأت بالنشر في الدوريات العامة منذ عام 1961 حين كان عمري عشرين سنة.. وأصدرت مجموعتي الأولى "أحزان صغيرة" عام 1971.

  • لا بد أن هناك بداية أخرى لك مع قصص الأطفال؟

- أظن أن من دوافع الكتابة إغراءات النشر ومجالاته.. لا أحد يكتب مسرحية لينشرها في كتاب، بل لتمثل على خشبة أولا، ولا أحد يكتب قصة للأطفال كي يقرأها الكبار فقط.

هكذا، حين عملت في صحيفة "تشرين" الدمشقية كان ثمة حقل يومي مخصص لقصة الأطفال، وأيامها كان يشرف على هذا الحقل القاص "زكريا تامر"، كنت أعطيه القصة فينشرها فورا، وفي أحيان كثيرة كان يأتي ليسألني إن كان لدي قصة جديدة فأدعي أن لدي قصة تحتاج إلى تبييض عن المسودة، وهكذا وجدت نفسي كاتبا لعشرات القصص الطفلية التي جمعتها فيما بعد في مجموعات.

  • هل مازلت تكتب للأطفال؟

- منذ سنوات لم أكتب، فإما أن موهبتي في هذا المجال نضبت.. أو أن مجالات النشر ضعفت إلى درجة كبيرة، الكتابة للأطفال ليست سهلة، ولعلها أصعب أنواع الكتابة، وأكثرها جدية، برغم استسهال البعض لها، أدعي أنني كتبت قصصا ممتازة للأطفال، عشرات القصص، ثم توقفت.

  • لمـاذا؟

- العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، هذا سبب، والسبب الآخر أن الأطفال صار يعجبهم أفلام (الكارتون) أكثر من القصص، أخشى أننا سنواجه أجيالا لا تقرأ.

  • كثير من قصصك ترويها على لسان طفل، وتتقمص فيها عالم الطفولة برؤيته البريئة والفاضحة لعالم الكبار الملوث، هل هذه القصص جاءت نتيجة إحباطاتك في عالم القصة الطفلية؟

- إطلاقا.. فقصصي المروية من وجهة نظر طفل، أوعلى لسانه سابقة على كل كتاباتي للأطفال، ولا حقة أيضا، وعلى كل حال، هما عالمان منفصلان و"متداخلان"، إن بطلي الطفل يتحدث من لاوعيه الطفولي، ويحطم في روايته للأحداث الكثير من الحواجز المنطقية للحدث، في حين أن القصة المكتوبة للطفل مكتوبة بوعي شديد، ومنطقية شديدة، وصرامة لغوية، وحرفية شديدة، برغم ما قد يكون فيها من تخييل، وأنسنة للحيوان والأشياء، وهذا لا بد منه في قصة الطفل لا لنجاح القصة وحسب، بل لخطورة موقع القارئ الذي تتوجه له.

  • برغم هذه البساطة التي اتبعتها في قصصك المروية على لسان طفل، فإن لديك قصصا للكبار تستخدم فيها تقنيات معقدة. بل إنني أجد لديك أساليب متناقضة ما بين البساطة الشديدة، والتعقيد.؟

- لا أوافقك على هذا الاستنتاج، فلدى أبطالي الأطفال عالم معقد، ونسيج في الرؤية أكثر تعقيدا، فهو عالم لا يحكمه المنطق بل الخيال والتداعيات المنفلتة، ولا تغرنك بساطة الأسلوب، وعلى سبيل المثال فإن "المنسي" في قصة "الشمس في مغارة" يصطاد سمكة من غدير ماء في منطقة شبه صحراوية لا تعرف السمك، وحين يتوغل في المغارة بعد غروب الشمس فإنه يكتشف شمسا مشرقة تطلع من جوف العتمة، وطبيعي أن "المنسي" الطفل كان صادقا ولا يكذب! ثم إني لا ألجأ إلى افتعال تقنية معقدة، لأن الموضوع هو الذي يفرض تقنيته الخاصة، وغالبا فإن قصتي مفهومة من قبل فئة واسعة من القراء، وإذا كانت لدي بعض القصص الغامضة، فهي غامضة لغموض هدفها، وهي تندرج في قائمة القصص الرديئة، ولا أدعي أن كل ما كتبته جيد.

  • أحد نقادك المبكرين اتهمك بأنك لا تمتلك أسلوبك الخاص.

- الأصح أني لم أتقولب ضمن أسلوب واحد متكرر، وقلت قبل قليل إن الموضوع يفرض الشكل إذ لا يمكن صنع قالب (جاتوه) في طنجرة بخارية، كذلك لا يمكن طهي اللحم في قالب "الجاتوه"!

ومع ذلك يمكن استنباط خصائص عامة لأسلوبي في قصصي. وهناك تجربتان طريفتان لكاتبين ساخرين، صاغا قصة واحدة مختارة من قبلهما على أساليب متعددة لكتاب قصة معروفين، كنت واحدا منهما. وهذا دليل أن لقصصي ميزاتها المتفردة أسلوبا وشكلا. حاولت الابتعاد دائما عن القولبة، وبرز هذا جليا في كتاباتي لزاويتين متناقضتين، وفي صفحة واحدة هي الصفحة الأخيرة من صحيفة "تشرين" الدمشقية، زاوية ساخرة، تقترب كثيرا من لغة الشارع، ودون تحرج من استخدام العامية، والأمثال الشعبية، وزاوية "آفاق" التي لجأت فيها إلى كتابة ما يسمى بالنص الأدبي الرفيع.

  • هل تقصد بالنص الأدبي الرفيع، النص الغامض؟. بمعنى آخر: المكتوب للخاصة؟

- أولا الغموض لا يعني الإبهام، وثانيا فإن النص لا يعني الغموض أبدا، بل يعني استخداما جديدا للغة، واستنباط دلالات جديدة لألفاظ قديمة، وتجنب التعابير الجاهزة المستهلكة، على سبيل المثال، يقول محمود درويش: "خلعت معاطفها الجبال، ودثرتني"، الكلمات هنا قديمة مستهلكة، لكنها استخدمت استخداما مبتكرا، ومتفردا.

القتال بالقلم

  • لنعد إلى دوافع الكتابة، إذا افترضنا أن لدى كل كاتب دافعا ما للكتابة؟

- ذلك صعب، ومعقد، ولعله يدخل في اختصاصات علماء النفس وعند كل كاتب على حدة، ومن الظلم القول إن "دستويفسكي" كان يكتب بدافع إيفاء ديونه المتراكمة، ولعبه للقمار، برغم أن هذا الدافع كان موجودا لديه، أو أن "أوسكار وايلد" كتب تحت ضغط دوافعه الشاذة، أو المتنبي كتب بسبب أصوله الغامضة، والمعري بسبب علة كفاف بصره وعلاقته بأمه، لا يوجد قانون يحكم دوافع الكتابة، وهذا لا يعني عدم وجودها لدي، ربما كانت الكتابة نوعا من إسماع الصوت، فبرغم أن نطق الحروف لدي سليم، ونبرة صوتي طبيعية، وإن كانت منخفضة قليلا، فإنني لاحظت أن الالتفات إلي حين أتحدث ضمن مجموعة قليل، ومع ذلك هم يصغون لكتاباتي جيدا، أو لنقل إن الطبيعة لم تمنحني "عضلات" أقاتل بها، ففضلت القتال بقلم الحبر، لنقل ما ملخصه إن الكتابة نوع من انتزاع مكان ووظيفة في الحياة، بمعنى آخر، إنها نوع من انتزاع البطولة، لكن البطولة حمقاء عندما تمارس لذاتها، وحسب قول "رولان بارت": "أن تكتب، يعني أن تمارس سلطة ما".

  • لنعد إلى تقنيات القصة؟ "هل ترى أن الاستطراد والتداعيات تخدم فن القصة القصيرة؟

- لنتفق أن كل فن يفترض الاختزال، والقصة، حسب نصيحة "تشيخوف" لـ"غوركي"، هي فن الاختزال، وفي كل قصة قصيرة لا بد من وجود نقطة بؤرية "بالمعنى الفيزيائي" حتى وإن تكن منظورة ومحسوسة، إنها أشبه بالنواة، يجب أن تدور في فلكها النيترونات والإلكترونات، ومن هنا فإن هذا الفن لا يحتمل الاستطراد، إلا إذا كان هذا الاستطراد ضروريا، ومقصودا، وموظفا لخدمة القصة ذاتها ومتلائما مع موضوعها، فقصة مروية على لسان ثرثار، مدع للثقافة، مثلا، تحتمل الكثير من الاستطراد، والأمثلة كثيرة والفن عامة لا يحتمل القوانين الصارمة.

الجاحظ كان معلما في فن الاستطراد، لكن استطراداته كانت منسجمة مع عصره، ومع منطق ما يكتبه، معلمنا الراحل حسيب كيالي كان معلما في فن الاستطراد في القصة القصيرة، لكن استطراداته لا تأتي عبثا، إذ لدى التدقيق فيها تغدوجزءا من نسيج متكامل، ومن أجل بلوغ هدف كان نصب عين الكاتب، وعند حسيب كيالي كان الهدف رسم صورة فانتازية للواقع من أجل تعريته، وأحيانا يمكن توظيف الاستطراد للمتعة، ولكسر الرتابة والشرود الذهني عند القارئ.

  • لديك في بعض مجموعاتك القصصية ما يسمى بالقصة القصيرة جدا، والتي لا تتجاوز الواحدة منها بضعة أسطر، ما مدى مشروعية هذا الجنس الأدبي؟

- لنعترف أن هذا الجنس الأدبي لم يحظ باعتراف يليق به، وهذا عائد لاختلاط هذا النوع من القص مع جنس آخر هو الشعر، وتعرفين في الشعر العربي كثيرا ما يشكل البيت المفرد وحدة متكاملة.

والقصة القصيرة جدا يفترض أنها ومضة، وأخشى القول أنها "قفشة" تدهش القارئ، وعند الشاعر الفرنسي جاك بريفير قصائد هي أشبه بالقصص القصيرة جدا، ولنتذكر قصيدته القصيرة والشهيرة "الحمار.. والملك.. وأنا"! إنها قصيدة، لكنها قصة، وهي تشبه الحكاية الشعبية المتداولة عن تصدي "جحا" لتعليم حمار الملك القراءة، أي أنها نكتة، والنكتة في التوليف الفضفاض لها هي قصة قصيرة "جدا"!! خلاصة..إن أحدا من كاتبي القصة القصيرة "جدا" لم يعترف به، لا عندنا، ولا في العالم، إنه كاتب قصة.

الالتزام في الأدب

  • كيف تفهم الالتزام في الأدب، وأنت واحد من الملتزمين أيديولوجيا؟

- أفهم الالتزام إنه انحياز للفن، وللحياة، معا، أي امتلاك الرؤية الصحيحة للعالم، وفق منهج واضح وصحيح، ومن ثم إبداع فن يلتزم بهذه الرؤية، دون أن يتحول الفنان إلى "مبشر" فظ لأيديولوجيته، و"هيمنجواي"، الذي كان كاتب قصة قصيرة، ممتازا، ولم يكن روائيا عظيما - حسب شهادة جابرييل ماركيز- قدم نصيحة،مفادها أن القصة القصيرة مثل جبل الجليد، يجب أن يدعمها الجزء غير المرئي، الذي يتلخص في كل الأفكار والدراسات والمواد التي تم جمعها، ولكنها لم تستخدم بصورة مباشرة في القصة، و"هيمنجواي" يعلمنا كيف نقدر الطريقة التي تتمكن بها القطة من الخروج من المأزق برغم تضييق الحصار حولها.

  • لكنك كنت مباشرا في خطابك الالتزامي، وخاصة في تجاربك الأولى؟

- غير صحيح، لقد كنت غير مباشر في قصصي الأولى، ولك أن ترجعي إلى مجموعتي الأولى "أحزان صغيرة"، والثانية "اشتياق لأجل مدينة مسافرة". مع عدم إنكاري لوجود قصص لا تحتمل المباشرة بقدر ما تحمل طابع "الآني" الذي فرضه علينا الظرف السياسي، لقد كانت هزيمة 1967 ضربة محطمة لنا. وكان علينا أن نقاتل، حتى أنفسنا، للخلاص من عبئها. وبالتالي تخليص قرائنا من الوقوع في وحدة اليأس، هذه مهمة نبيلة مارسناها، ولعلنا نجحنا فيها، حين يدير الفن ظهره للجمهور فإن الجمهور يدير له ظهر المجن!

  • ومع ذلك فأنت تركت فيما بعد، هذه المهمة "النبيلة"؟

- ذلك لأني اكتشفت أن أسلوب الخطابة، وتبني الحماسة، يؤدي إلى ردود فعل آنية، لكنه لا يؤسس لوعي حقيقي، والشاب الذي أستثيره بخطابي الحماسي سرعان ما يصبح كهلا فاتر الحماسة.

ثم أكتشف أنه كان علي بناء الوعي، لأن الوعي أبقى، وأما حماسة الشباب فزائلة. هذه المثلية "إن صح التعبير" لا أتحمل وزرها وحدي، إنما يتحملها معي الجميع، ومع ذلك أقول إنها كانت ضرورية.

  • تعاملت في قصصك مع المرأة كإنسان، وغالبا كانت المرأة لديك مستلبة، ومسحوقة كأم، وكزوجة سجين؟

- تعاملي مع المرأة ظل في حدود القداسة، لأني رأيتها كما تقولين مستلبة ومسحوقة، وفي شتى حالاتها، كزوجة، كأم، وعانس، ومطلقة، كعاملة، أو ربة أسرة، كوزيرة، أو خادمة تعاني الاضطهاد، وفي كل الحالات حاولت أن أكون أنثويا في كتاباتي عن الأنثى، بمعنى أن أصطنع الحالة ذاتها، والحالة المضادة لها، أي أن أكون حكما.

حاولت دائما محاربة الازدواجية التي يحملها الرجل الشرقي، وانعكس هذا في كتاباتي، ولهذا لم أجعل أحدا من أبطالي الرجال ذليلا بسبب الحب، ذلك لأني انطلقت من أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة إنسانية جدلية.

الصحافة والأدب

  • من خلال عملك بالصحافة هل ترى أن العمل الصحفي يغني العمل الأدبي أوالعكس؟

- ليست ثمة قاعدة، وبالنسبة لي أتاح لي العمل في الصحافة ممارسة الكتابة بشكل يومي، وعدم الاستكانة إلى مقولة الوحي القادم في وادي عبقر، الكتابة اليومية أشبه بالرياضة اليومية التي تبعد شبح الترهل، ثم إن الصحافة أعطتني فرصة لاحتكاك أوسع ويومي ومع مختلف شرائح البشرية، ومكنتني من تنويع أسلوبي وتطويعه حسب الموضوع. ولأن الأدب لا يطعم خبزا، كان لا بد لي من مهنة، وأظن أن العمل الصحفي وفر لي فرصة لا تتعارض مع حرفتي الأدبية.

  • هل يعني هذا أنك صرت تكتب قصصك بسهولة أكبر؟

- لا.. فأنا مازلت أنحت في صخر، فالقصة تحتاج إلى عمل مضن وطويل، والكتابة الصحفية فن يولد في الصباح مع ولادة الصحيفة ليموت في المساء، في حين أظن أن الكتابة الأدبية أطول عمرا، ثم إن خوفي من الورقة البيضاء مازال قائما، ولم تبدده الصحافة.

  • كتبت تطالب بحق الكاتب في تعويض مجز عن المقابلات التي يجريها في الصحف والإذاعة والتلفزيون، في حين أن البعض يرى أن على الكاتب أن يدفع لهذه الجهات كبدل "إعلان".. ما رأيك؟

- الأمر واضح، وقد أصبح تقليدا في العالم المتحضر، والأمر ليس إعلانا عن بضاعة لترويجها، بل عن فكر يفترض أنه يشيع قيما تربوية وثقافية، يفترض أن الإعلام يقدمه كقدوة، ولا أدري لماذا يدفع التلفزيون أجر مقابلة مع راقصة ولا يدفع لكاتب؟.. ولا أظن أن أفكار الراقصة سترفع كثيرا من المستوى الفكري للجمهور!

  • هل ثمة علاقة بين كتابة القصة القصيرة والزاوية الصحفية؟

- العلاقة هي القدرة على التخيل، وتقديم الأفكار بحكائية ومتعة أكبر، وبأسلوب أقرب إلى القلب.

قوس قزح

  • إلى ماذا تعزو نجاح زاوية "قوس قزح" شعبيا؟

- بصراحة، الناس تحب نقد السلبيات، وتعرية الخطأ، فإذا قدم هذا النقد وهذه التعرية بروح ساخرة فقد اجتمع عنصران مهمان للنجاح، فإذا أضيف إليهما عنصر الجرأة اكتملت أثافي القدر كما يقال.

  • ألم تفكر يوما بترك عملك الصحفي، أو الانتقال إلى مؤسسة إعلامية أخرى؟

- لا أبدا، لم أفكر بترك عملي كصحفي، خاصة أن الصحافة تغلغلت في إلى حد الإدمان، وعادة، الموظف يفرح، كالتلميذ، بأيام العطل، في حين أحس أن أيام العطل في الصحيفة فارغة وممطوطة وغير ذات معنى، أما انتقالي إلى مؤسسة إعلامية أخرى، ولعلك تقصدين التلفزيون، فلا أجد أي مبرر لها، إذ لماذا علي الانتقال من مكان أنا ناجح به، إلى مكان قد أفشل فيه. ومن يدري إن كانت لدي مواهب تلفزيونية أم لا؟

  • هل فكرت بالتقاعد يوما ما؟

- الفكرة مرعبة، لكن الأكثر رعبا منها هو أن استيقظ ذات يوم وأجد أنني فقدت ملكة الكتابة، مثلما يفقد المرء النطق، كلما انتهيت من كتابة قصة أرتعب من فكرة أن تكون هذه هي القصة الأخيرة، أي إني أخشى التقاعد الإجباري، والاستكانة إلى عالم الكسل، الكتابة بالنسبة لي أكسجين للحياة، وسلاحي الوحيد، وهويتي الملتصقة بي.

القصة القصيرة عالمي

  • كتبت للسينما وللتلفزيون ولمسرح الأطفال إلى جانب القصة القصيرة، فأين أنت من كل هذه الكتابات؟

- عالمي هو القصة القصيرة، لكني لا أكتب قصة قصيرة كل يوم، وأحيانا تمضي شهور عدة دون أن أبدع قصة، فالعملية خارجة عن إرادتي، والنية وحدها لا تكفي لكتابة قصة، ولهذا أتجه - دفعا للكسل والترهل الذي حكيت عنه - إلى العمل في فن إبداعي كتابي غير القصة، ثم لا تنسي أمور التكليف بالكتابة، كما حدث حين كتبت للسينما. ثم هناك قضية هي قضية الوصول إلى أوسع عدد من الناس، في السينما مثلا قد يصل عدد الذين يشاهدون الفيلم إلى خمسين ضعفا من عدد الذين يقرءون المجموعة القصصية، وأضعاف هذا العدد في التلفزيون، وهذا مهم، وإن كنت أظن أن السينما والتلفزيون هما من الفنون المكتوبة على السواء، وعمرهما قصير، ولكن هنا يجب عدم نسيان المردود المادي! في حين أن القصة القصيرة بالنسبة لي هي هاجس ينبثق عن فيض ذاتي، قد يكون قاتلا إن لم ينبثق ويتفجر! وهي في هذا تشبه كتابة الشعر، فالشعر بضاعة خاسرة، ومع ذلك، لا يكف الشعراء عن الكتابة.

  • سؤال أخير.. ماذا تتمنى الآن؟

- الآن أنا بصدد قصة بدأت بكتابتها قبل فترة، وبها سأكمل مجموعة قصصية جديدة لي، وأتمنى أن تصدر مجموعتي قبل أن يكف الناس عن القراءة.

  • وكلمتك الأخيرة؟

- كلمتي الأخيرة: الكتابة في خطر!

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




وليد معماري





سعاد جروس