مغامرة صغيرة لينة الدسوقي

مغامرة صغيرة

ليست كعادتها في يوم الجمعة.. استيقظت مبكرة، نشطة، تدفعها رغبة ولدت لتوها، رغبة ملأت كيانها بالفرح مثل زيارة مفاجئة لضيف حبيب وعلى رائحة القهوة الرائعة، أيقظت زوجها بهدوء قائلة : ما رأيك أن نسافر إلى البحر؟. فتح عينيه بتكاسل : هل تحلمين؟.

كم كانت دهشته كبيرة، حين رآها مغمورة بالشوق للبحر، تتحدث عنه كما الحبيب الغائب، وتتوسل أن يأخذها إليه.

بادرها : لكننا لسنا مستعدين، والمسافة بعيدة وغدا باكرا يجب أن أكون في عملي. تابعت : وأعرف أنك لن تستطيع أن تأخذ إجازة هذه الفترة، وأن موقعك حساس ولا أحد يستطيع أن يأخذ مكانك، لهذا أرغب في أن نسافر إلى البحر ولوليوم واحد.

حين ركبا القطار، وبدأ يتهادى على سكته الحديدية، استوعب الموقف، نظر إليها، رأى في عينيها بريقا يشبه بريق فرح طفل بالأرجوحة،ابتسم، وتذكر أنه لم ير البحر منذ خمس سنوات. سريعة هذه الأيام تأكل عمرنا بنهم، اشترى لها الفستق الذي تحب، شربا الكولا. تحدثا كثيرا عن ذكريات ومشاعر مضى عليها زمان. كانت تقفز بهجة كلما مر القطار فوق جسر عال وتمد رأسها لتنظر إلى الوادي الأخضر، وتنكمش على نفسها كلما مر القطار داخل نفق مظلم.

وصلا بعد ثلاث ساعات، تعلقت عيناها بالمدى، لتميز بين اللونين، لون السماء الزاهي ولون البحر الغامق. ما أروعها من لحظة، رفرفت كل حمائم شوقها أسرابا حلقت فوق البحر.

وقفا على صخرة عالية، يغمرها هواء منعش، همس لها : هل أنت سعيدة؟

- أجل.. لكنني أريد أن ألمس البحر.

برغم الصخور العالية، نزلت بخفة ورشاقة، جرحت قدمها أكثر من مرة، وحين وصلت إليه غمرت مياهه ساقيها، مدت يديها إلى الموجة تعانقها، ما أحلاه من عناق. شاهدت الصيادين، وأضواء السفن البعيدة، وأسماكا صغيرة دغدغت قدميها وسمعت صوت الموج، مرهفا وعذبا.

احتضن يدها الصغيرة، سارا على البحر كعاشقين يرسمان على الرمل ذكرى رحلتهما القصيرة. سألها : ألم تشعري بالجوع؟

حين عادا ليلا، كانا متعبين، منهكين، سعيدين كأنهما خرجا من صدفة بحرية، جنينين صغيرين.

 

لينة الدسوقي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات