طرائف عربية

طرائف عربية

وفـاء وكـرم وأجاويـد
وفاء للراحلين

كانت الجياد تضرب بحوافرها التراب فتثير نفرته، وتملأ الجوبغبرة غير منتهية. سليمان ابن عبدالملك ومعه يزيد بن المهلب في أرض الشام أيام الربيع. للجند صهوات الجياد، وللجياد ظهر الأرض واتساع ممالك المسلمين. امرأة جالسة على قبر زوجها الراحل الذي أعطاها عمره، وأعطته قلبها ووفاءها على مر السنين حتى انقضى الأجل وحانت الساعة. قال سليمان : فلما رفعت عن وجهها البرقع رأيت الشمس قد أضاءت فكشفت عن الغمام، وأتت من بعيد بالبهجة والرضا وعشق الوجود. جمالها يسطع، ونورها يضيء. فوقفنا متحيرين ننظر إليها، فقال لها يزيد بن المهلب : يا أمة الله هل لك في أمير المؤمنين زوجا يسترك في الحياة، ويهبك السلطة والسلطان، والبهجة والعرفان عوضا عمن مات وأصبح رميما. قال سليمان فنظرت إلينا بعين نجلاء منكسرة وقد همت منها الدموع، وشعرنا بفداحة حزنها، وجلال وفائها عندما أنشدت :

فإن تسألني عن هواي فإنه

يجول بهذا القبر يا فتيان.

وإني لأستحييه والتراب بيننا

كما كنت أستحييه وهو يراني.

كلـب ضـال

خرج عبدالله بن جعفر إلى ضيعة له فنزل على أرض من نخيل لقوم، فيها غلام أسود يقوم عليها، ويرعاها بأجر لا يتجاوز خبز يومه، وعندما أتى بأرغفته الثلاثة وجلس ليأكل دخل كلب فدنا منه، فرمى إليه برغيف فأكله، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبدالله ينظر إلى الغلام متعجبا، فقال له : يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال : ما رأيت! قال : فلم آثرت الكلب؟ قال : لأن أرضنا تخلومن الكلاب، وأظنه قد جاء من مسافة بعيدة جائعا، فكرهت رده!. قال عبدالله : فما كنت صانعا اليوم؟ قال الغلام : أطوي يومي ولا أطعم شيئا! فقال عبدالله بن جعفر : والله إن هذا لأسخي مني، فاشترى النخل والعبد، وأعتقه ووهب ذلك له.

الجمال المذبوح

"أتقتلونه؟" صرخت بها زوجة هدبة بن الخشرم ملتاعة فردد فضاء ساحة القتل صرختها فكأنها النذير. وكان مروان بن الحكم قد جاء بزوجها ليقتله. وكانت الساحة قد فاضت بالبشر والجند وخيم عليها طعم الموت والدم. عادت تكرر :

"تقتل رجلا وحيدا يا مروان؟". أجابها : "أسفك دمه، وآخذك زوجة من بعده" قالت زوجة هدبة :

"إن لزوجي هدبة وديعة عندي فأمهله حتى آتيك بها". فقال لها :

"اسرعي فإن الناس قد كثروا"

اخترقت الزوجة الجموع، وقد امتلأ قلبها بالفجيعة وهي تعيش مأساة وجودها، ولحظة فراق زوجها الحبيب، ومضت إلى السوق وأتت إلى قصاب فقالت له : أعطني شفرتك. فأخذتها وقربت من حائط ورفعت طرحتها عن وجهها، ثم شوهت وجهها، وجدعت أنفها من أصله ثم أقبلت حتى دخلت على الناس ورفعت الطرحة عن الدم والوجه المشوه ووجهت الكلام لزوجها : أتراني يا هدبة متزوجة بعد ما ترى. فقال هدبة :

"الآن طابت نفسي بالموت فجزاك الله من حليلة وفية خيرا".

كان "مروان بن الحكم " يرى حتى اختلط عليه حاله، وغرق لأذنيه في الدم.

يد عند عبيد الله بن العباس

أتى رجل عبيد الله ابن العباس وهو بفناء داره فقال : يا ابن العباس، أنا لي عندك يد وقد احتجت إليها، فصعد فيه بصره وصوبه، فلم يعرفه. ثم قال له : ما يدك عندنا؟ قال : رأيتك واقفا بزمزم وغلامك يمتح لك من مائها، والشمس قد صهرتك فظللتك بطرف كسائي حتى شربت!

قال : نعم إني لأذكر ذلك، وإنه يتردد في خاطري وفكري! ثم قال لغلامه : ما عندك؟ قال : مائتا دينار وعشرة آلاف درهم. قال : ادفعها إليه، وما أراها تفي بحق يده عندنا. قال له الرجل : والله لولم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيه ما كافأه، فكيف وقد ولد سيد الأولين والآخرين محمدا ثم شفع بك وبأبيك! وأنشده :

وأنت ربيع لليتامى وعصمة

إذا المحل من جوالسماء تطلعا.

أبوك أبوالفضل الذي كان رحمة

وغيثا ونورا للخلائق أجمعا.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات