كان للرياضة تفسير مميز في العقل الصهيوني وبصفتها عنصرًا ثقافيًا
وشكلًا من أشكال الوعي الاجتماعي فقد استخدمت كوسيلة من أجل إعادة بناء الحس القومي
وخلق «رياضة يهودية»، تقوم بتحويل المشاعر والمفاهيم الدينية التاريخية إلى قومية
صهيونية (مثل المكابي والهابوعيل والبيتار وبار كوخبا). فقد كانت الرياضة بنظرهم
وسيلة من أجل بعث حياة جديدة بدنيًا بالإضافة إلى أنها وسيلة من أجل بناء الوطن
القومي واستعادة اللغة والأدب والتاريخ، ويعتقدون أيضًا أن هدف إقامة دولة الاحتلال
الإسرائيلي لايتحقق إلا إذا سبقه إعداد بدني وروحي ومعنوي للأجيال التي كان عليها
تحقيق هذا الهدف. كما وأيقنوا أنه لا وطن واحدا دون ثقافة واحدة والتي اعتبرت
الرياضة جزءا مقومًا لهذه الثقافة التي كانت خاضعة لأيديولوجية صهيونية عنصرية.
فبعد أن بدأ الصهاينة بتأسيس أندية المكابي الرياضية في المستعمرات في
فلسطين في بداية القرن الماضي، وأندية الهابوعيل والبيتار في منتصف العقد الثالث
رأوا في الرياضة وسيلة من أجل تحقيق أهدافهم في تهويد فلسطين وإقامة دولتهم، وكان
وعد بلفور المشئوم حافزًا فعالاً في تحقيق ذلك. وبدأت أيضا الرغبة في منتصف
العشرينيات لدى القيادة الرياضية اليهودية في استخدام اللقاءات الرياضية من أجل
إثبات الهوية القومية وتعريف يهود الشتات إلى الوطن الموعود، فعزمت على التباري مع
مثيلاتها من الفرق اليهودية في أوربا وسورية ولبنان ومصر، وعلى جذب الفرق الرياضية
الإنجليزية إلى جانبها من أجل التأثير في قياداتها العسكرية.
فقد أدركت هذه القيادة أن هذه اللقاءات الرياضية بين فرقهم الرياضية
والفرق الإنجليزية سوف تعزز من مقدرة لاعبيهم وتُستغل كوسيلة تدريبية. في عام 1928،
وبنيّة طيبة، شارك العرب في تشكيل ما سمِّي في ذلك الوقت بـ (جمعية فلسطين لكرة
القدم) مع اليهود والإنجليز والتي انضمت إلى الاتحاد الدولي في عام 1929، لكن
اليهود فيما بعد رأوا أنه كون هذه الجمعية عضوًا في الاتحاد الدولي وبسبب تنكرهم
لحقوق شعبنا، وحتى الرياضية منها، قاموا بالسيطرة عليها وتفردوا بها مع الإنجليز.
هذا ما أثار نقمة الفرق العربية التي تزامنت مع الغضب الشعبي الذي نجم بفعل أحداث
ثورة البراق عام 1929 وتزايد الهجرة اليهودية. هذا ما أدى أيضًا إلى مزيد من سوء
العلاقات الرياضية بين العرب واليهود وإلى تعزيز التعاون الرياضي بين اليهود
والإنجليز.
والدليل على السعي المتواصل من أجل الهيمنة على الحركة الرياضية أنه
تم في عام 1930 تشكيل فريق كرة قدم من ستة لاعبين يهود وتسعة من الإنجليز سمي
بمنتخب (أرض إسرائيل) قام بزيارة إلى مصر، كان فريقه يرتدي زيا رياضيا وضع عليه حرف
P أي Palestine فلسطين بشكل واضح وحرفان صغيران LD أي Land of Israel في الأسفل ,
والسبب في ظهور هذين الحرفين بشكل مصغر هو الخوف من إغضاب المصريين. وقد مني هذا
الفريق بالهزيمة مع فريق القاهرة خمسة إلى صفر، وفريق الإسكندرية هزيمة اثنين إلى
صفر، ومع فريق عسكري من القاهرة كانت الهزيمة خمسة إلى اثنين. انتقدت صحيفة دافار
ودوار هيوم في 15 أبريل 1930 هذه الرحلة والهزيمة: «إننا نقدر عاليا هذه اللقاءات
بين بلدنا والدول المجاورة. إن الرياضة تستطيع بالطبع أن تساهم في تطوير مثل هذه
العلاقات. مرة أخرى ذهب فريق من (أرض إسرائيل) إلى مصر للتباري هناك ولم يكن زيه
أبيض وأزرق (وفقا للعلم الصهيوني) بل أسود وأبيض وشعارهم ليس بالعبرية وانما حرف P
(بالإنجليزية) وحرفان LD صغيران. هذا ما ان يعكس قبول الفريق بتسوية مذلة مع
المصريين هناك - فقط مع المصريين وليس مع العسكريين الإنجليز الذين رافقوا الفريق
والذين وجودهم في البلاد (فلسطين) يعتبر مؤقتًا ولا يمثلون بلدنا».
التقارب الرياضي مع مصر
لقد سعى الصهانية لتطوير علاقاتهم الرياضية مع مصر، حيث كانت هناك
أسباب عدة دعتهم لاستقطاب الفرق المصرية والتلاقي معها أهمها أولاً: وجود أندية
«المكابي» في مصر والتي كانت تسعى الصهيونية إلى توطيد عرى التعاون بين فروعها
أينما وجدت.
ثانيا: وجود هذا التعاون الرياضي الوثيق بين اليهود والجيش البريطاني
في فلسطين من جهة والجيش البريطاني في مصر من جهة أخرى.
ثالثا: أن الرياضة في مصر كانت قد خطت خطوات سريعة لتصبح مؤهلة لأن
تمد الفرق الرياضية في المنطقة يد التعاون والتلاقي معها (وهذا ليس من الجانب
الرياضي فقط وإنما من الجانب الثقافي بشكل عام). لذا فإن هذا التلاقي مع الفرق
المصرية كان سيعزز من أهمية الفرق اليهودية ويوعز للمصريين بأن الذي يمثل فلسطين هم
اليهود وليس العرب.
في فبراير عام 1931 حضر إلى فلسطين فريق منتخب الجامعة المصرية الذي
كان يضم أشهر اللاعبين في الكرة المصرية بدعوة من (الاتحاد) اليهودي ولم يتقدم
لمباراة هذا الفريق من الفرق العربية في فلسطين سوى فريق نادي الشبيبة الارثوذكسية
في يافا، وقد حثت صحيفة «فلسطين» الغراء الجمهور اليافي على حضور تلك المباراة التي
ستكون حجرًا متينًا في أساس سمعة فلسطين الرياضية ومستقبلها الرياضي وفي الوقت نفسه
انتقدت هذه الصحيفة الفرق العربية لتقاعسها عن التباري مع الفرق المصرية التي حضرت
إلى فلسطين ولم تتبار إلا مع الفرق اليهودية.
تعبيرا عن السخط بسبب الممارسات اليهودية تقرر في بداية عام 1931
البحث في تأسيس منتخب عربي فلسطيني لكرة القدم يسعى من أجل تمثيل فلسطين على
الصعيدين المحلي والدولي. فمن خلال اجتماع حضره مندوبون عن النادي الإسلامي في يافا
والنادي الرياضي العربي في القدس ونادي الشبيبة الأرثوذكسي في يافا تم تشكيل أول
منتخب عربي فلسطيني توجه إلى بيروت للتباري هناك، وكان لاعبوه يمثلون خمسة أندية
فلسطينية. في أبريل 1931 تم تأسيس الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني والذي كان
يعتبر أول اتحاد رياضي عربي منظم في فلسطين له قوانينه وغاياته وماليتة. كان هذا
الاتحاد يضم الأندية التالية: النادي الرياضي العربي في القدس، كلية روضة المعارف،
النادي الرياضي الإسلامي يافا، النادي الأورثوذكسي يافا، النادي الرياضي الإسلامي
حيفا، النجمة البيضاء حيفا، ونادي السالزيان حيفا. واستمرارًا في التعبير عن روح
الحقد والسخط والإصرار على عدم التعاون مع الطرف الصهيوني بسبب ممارسته الخبيثة في
السيطرة على الحركة الرياضية، فقد تمت الإشارة في القانون الداخلي إلى عدم التعاون
مع الأندية الرياضية الصهيونية وعدم تعييين حكام يهود لإدارة المباريات بين الفرق
العربية. في أكتوبر من ذلك العام شاركت كل من هذه الأندية في مباريات الاتحاد
الرياضي على بطولة درع مؤتمر الشباب وهي: النادي الرياضي العربي القدس، النادي
الرياضي الإسلامي يافا، النادي الساليسي، نادي الشبيبة الأورثوذكسية يافا، النادي
الرياضي الإسلامي حيفا، نادي الروضة القدس، نادي النجمة البيضاء حيفا.
مهرجان يافا
في عامي 1934 و1935 أقام الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني مهرجانا
رياضيًا كبيرًا في مدينة يافا بالتعاون مع مؤتمر الشباب واللجنة العربية العليا
واشتركت فيه الفرق الكشفية والرياضية العربية مع الفرسان العربية التي جاءت خصيصا
للاشتراك فيه. وقد بلغ عدد المشتركين في هذا المهرجان حوالي خمسة آلاف شخص. أدى هذا
إلى تخوف الصهاينة من هذا المهرجان حيث وصفوا محاولة تنظيمه بأنها (تنظيم لحركة
شباب قوية من مختلف المدن والقرى الفلسطينية). كانت هذه المهرجانات تعبيرا عن
النزعة الوطنية والعداء للانتداب والصهيونية في تلك الفترة، وإبراز روح الأخوة بين
أبناء الشعب الواحد, حيث أدركت الحركة الوطنية مدى تأثير هذه المهرجانات ودورها في
رص صفوف الشبيبة وإبراز الهوية الوطنية الفلسطينية، ولأول مرة أيضا استخدمت القوى
الوطنية الفلسطينية الرياضة لتكون عنصرًا فعالاً في نظامها الأيديولوجي
والثقافي.
بدأ اليهود والإنجليز في عام 1932 بإجراء تصفيات ما سمي National
League بمشاركة تسعة أندية معظمها من الفرق اليهودية وفريقي البوليس والطيران
الإنجليزيين حيث فاز في هذه البطولة فريق البوليس الفلسطيني ولكن هذه البطولة توقفت
بسبب العراكات في الملاعب بين الفرق اليهودية والفرق الإنجليزية مما أدى إلى امتناع
الفريقين الإنجليزيين عن المشاركة. يكتب أحد أعضاء الهابوعيل في ذلك الوقت: «على من
يجب أن يلقى اللوم ومن هو المسئول عن توقف العلاقات الرياضية بيننا وبين
الإنجليز... اعتقد ان هذا خطؤنا لم نعرف كيف نسمو فوق الاعتبارات الصغيرة ونتحكم
بأعصابنا في الملاعب... لقد كان لسلطات الانتداب رغبة في هذه اللقاءات كما أننا
أيضا استفدنا منها كثيرا».
كان الصهاينة يسعون دائما إلى إيجاد أفضل الوسائل من إجل إدخال المزيد
من المهاجرين إلى فلسطين، فكما يشير عيسى السفري إلى أن الصهاينة استنبطوا منذ عام
1924 حيلا جديدة لإدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى البلد، فلجأوا إلى التهريب
والخديعة، وتظاهروا بالإذعان للقيود التى ينص عليها قانون الهجرة وتحويل العديد من
طالبي الدخول إلى فلسطين، ثم إخفائهم في المستعمرات. وكانت إحدى هذه الوسائل
«المكابياد» وهو مهرجان رياضي على نسق الألعاب الأولمبية، دعت له القيادات
الصهيونية عام 1929. كانت تشارك فيه الشبيبة الصهيونية من مختلف أنحاء العالم حيث
يبقى جزء كبير منهم بلا عودة. قام الصهاينة بتنظيم هذا المهرجان في عامي 1932
و1935. وحذرت الصحف الفلسطينية من هذا المهرجان ومن أهدافه.
كما شرحت صحيفة الإسماعيلية المصرية في أبريل 1935 للقراء مغزى هذا
المهرجان وحقيقته (نظريا هو رياضي وعمليا هو عسكري.. فإن المكابيين يخدمون كقاعدة
للجيش اليهودي في المستقبل حيث يحتوي على أقوى الشباب اليهودي). وتساءلت الصحيفة
أيضا (إذا كان الشباب العربي أيضا مستعدًا لتأدية واجباته إذا دعاه الوطن). تتبجح
المصادر الاسرائيلية اليوم بأنه وبرغم التحذير من قبل الصحافة العربية ضد هذا
المهرجان فإن سورية ومصر قررتا المشاركة بالمهرجان الاول عام 1932 (بالإضافة إلى
اثنتي عشرة دولة) بوفد بلغ تعداده تسعة وستين رياضيا. أما في المهرجان الثاني 1935
فقد امتنع كلا البلدين عن المشاركة بسبب تفهمهما لطبيعته وأهدافه.
استغلت القيادة الصهيونية الرياضية أحداث 1936 لتوطيد علاقاتها
الرياضية مع الإنجليز. فمنذ اندلاع ثورة عام 1936-1939 المجيدة قام الصهاينة
بمنافسات رياضية في مجال السباحة وكرة القدم والكرة المائية والهوكي مع الفرق
الإنجليزية من أجل جلبهم إلى المستوطنات الصهيونية.
مساعدات وضغوط
في الوقت الذي كانت الإدارة البريطانية تقدم فيه تسهيلات ومساعدات
للجانب اليهودي فإنها كانت تضع الضغوطات على الجانب الفلسطيني، فمنذ بدء انتدابها
على فلسطين حذرت سلطات الانتداب من انتشار الأندية الرياضية المذهبية. وفي بيان
أذاعته في مارس 1926 أرادت حكومة الانتداب من خلال تسجيل كل جمعية أو ناد يؤسس في
فلسطين مهما كانت الغاية خيرية أم سياسية. كما عملت على عرقلة التوقيع على طلبات
ترخيص كانت تتقدم بها الأندية العربية وتأخيرها. كان هناك أيضا تخوف من «عناصر
الشباب»: إذ جاء في تقرير الحكومة الرسمي لسنة 1935 تحت عنوان «عناصر الشباب» «كان
من الظواهر التي لها مغزاها في الحركة الوطنية العربية تقوية جماعات الكشافة ونوادي
الرياضة المختلفة ودخول الشباب على وجه العموم في مؤسسات منتظمة تحت أسماء مختلفة
ولم يكد آخر العام يجيء حتى كانت عناصر الشباب قد وطدت مركزها وأصبحت عاملاً قد
يكون منه أن يتحدى نفوذ من هم أكبر من الشباب من زعماء العرب». حسب المصادر، فإن
نشاط الإتحاد الرياضي الفلسطيني العربي كان قد توقف عن العمل بسبب اندلاع ثورة 1936
المجيدة وتشتت أعضاؤه. هذا، مما أدى إلى أن تتجه بعض الأندية العربية للعمل ضمن
«جمعية فلسطين لكرة القدم» أو «الاتحاد الرياضي الفلسطيني» الذي كان يهيمن عليه
الصهاينة. في ظل تلك الظروف وبسبب عدم وجود أي اتحاد عربي يضم الفرق العربية قررت
بعض الفرق الرياضية العربية في حيفا في عام 1937 تأليف اتحاد من أجل إقامة مباريات
فيما بينها. هذا ما كان يعكس إصرار هذه الفرق على عدم المشاركة مع الاتحاد اليهودي.
في بداية عام 1939 اتجهت أنظار قياديي الفرق الرياضية العربية نحو تأسيس اتحاد
رياضي يضم جميع الفرق الرياضية في فلسطين، كما تألفت لجنة للعبة كرة الطاولة اشترك
فيها مندوبو نحو 12 ناديا رياضيا في فلسطين في مارس 1940.
لقد لوحظ من خلال الدراسة أنه قامت لقاءات كثيرة بين الفرق العربية
واليهودية بين الأعوام 1939 و1942 ويعود السبب في ذلك إلى عوامل عدة أهمها غياب
الاتحاد الرياضي الفلسطيني (العربي) الذي من دونه استطاعت الأندية اليهودية أن تظهر
كرائد للحركة الرياضية وكمنظم لها من خلال تعاونها مع الإدارة البريطانية. وأتت
زيارة فريق «الوندرز» البريطاني لكرة القدم تتويجا لهذا التعاون الصهيوني الإنجليزي
في الاعوام 1941 و1943 و1944. لذا أراد «الاتحاد الرياضي الفلسطيني» تشكيل فريق من
اليهود للتباري مع هذا الفريق، ولكنه اضطر تحت ضغط الإنجليز (خوفا وخجلا منهم فقط،
فهم كانوا يرون بالإنجليز السيد الذي ساعدهم وسيساعدهم على إقامة وطنهم الموعود ولم
يسعوا للتناحر معه) أن يشكل فريقا مختلطا. وبسرعة تم تشكيل فريق مكون من ستة لاعبين
يهود وثلاثة من الإنجليز وعربي واحد ويوناني. وأمام 1200 متفرج في تل ابيب هزم هذا
الفريق 8 إلى 3 (وكما تدعي المصادر الصهيونية بوقاحة) أن النتيجة كانت في النصف
الاول ثمانية إلى صفر ولم يتم أي تقدم إلا عندما تم تبديل حارس المرمى العربي بواحد
يهودي.
الرياضة والسياسة
على الجانب العربي فقد بدأت هذه اللقاءات مع الجانب اليهودي تتوقف
وبخاصة في وسط عام 1943. ليس باستطاعتنا التجاهل أيضا أن بعض هذه اللقاءات مع
الجانب اليهودي كانت تعكس حسن النيّة من الجانب الفلسطيني وقناعتها أن هذه اللقاءات
كانت تأخد طابعا إنسانيا رياضيا بحتا، ثم إن هناك فرقا يهودية كانت تنطلق في بعض
الأحيان من نفس المنطلق. إلا أنه في الجوهر العام فإن الهدف النهائي للحركة
الرياضية الصهيونية هو المساهمة الفعالة في إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي وليس
التعاون ومد جسور الصداقة مع العرب. وقد أصبحت العلاقات بين العرب واليهود سواء
كانت اجتماعية أم رياضية خاضعة للظروف السياسية التي عمل اليهود على تهيئتها في
فلسطين. تعتبر الرياضة نشاطا بدنيا تنافسيا ووسيلة من اجل تربية الأجيال في روح من
التآخي والصداقة. فالقيم المعنوية والأخلاقية التي تكمن في النشاط الرياضي كانت
تنعكس في تعاون الفرق اليهودية فيما بينها ومع الفرق الأجنبية التي ترتبط معها
بمصالح خاصة. وحول العلاقة مع العرب في فلسطين فإنها تنكرت لأي تعاون شريف معهم
سواء في المجال الرياضي أم في المجالات الأخرى. فكما يصف Richard Thompson هذا
اللاتعاون الصهيوني « لم يسع المهاجرون اليهود منذ البدء للتعاون، لقد كانوا صهاينة
وقد ذهبوا إلى فلسطين لكي يجدوا ويحيوا الصهيونية». لقد كان اليهود يستخدمون
الرياضة من أجل تحقيق أهدافهم ونراهم في أدبياتهم يتهمون العرب بأنهم (يخلطون بينها
وبين السياسة) فمثلا يكتب أحد الصحفيين هو شيمون ساميت حول العلاقة مع العرب في
صحيفة هآرتس في 17 أبريل 1936: «لربما في البداية يتحتم علينا أن نجد مجموعة صغيرة
من العرب التي باستطاعتها الاستماع لنا وعدم خلطها بين الرياضة والسياسة وإدراكها
أن العلاقات الجيدة والمتبادلة بين رياضيي كلا الشعبين تستطيع أن تعمل على تحسين
العلاقات الودية بشكل عام». وحسب المنطق الصهيوني فإنه على العرب الذين اكتووا بنار
السياسة البريطانية وبوقاحة الصهاينة أن «لا يخلطوا بين الرياضة والسياسة» وأن
يقبلوا بهذه المخططات والهيمنة الصهيونية على الحركة الرياضية وكأن الرياضة هي
بمعزل عن السياسة والمعاناة وعن الوطن الذي كان يغتصب أمام أعين أصحابه.
في 11 مايو 1944 اجتمعت اللجنة التحضيرية للاتحاد الرياضي العربي
الفلسطيني العام في قاعة النادي الرياضي القومي بيافا ووضعت مشروع قانون هذا
الاتحاد وقررت طبعه وتوزيعه على جميع الأندية. وفي شهر يونيو، وفي اجتماع في نادي
الرابطة الإسلامية بيافا، تم التصديق على القانون الداخلي للاتحاد وانتخاب اللجنة
الإدارية للاتحاد لسنة 1944-1945. في سبتمبر 1944 تم إعادة تشكيل الاتحاد الرياضي
الفلسطيني (العربي) عندما لبى خمسة وثلاثون ناديا دعوة عقد اجتماع رياضي في مدينة
يافا. فيما بعد أخذت تتوالى على الاتحاد طلبات انضمام العديد من الأندية في فلسطين،
كما وزعت من قبل الاتحاد تعميمات إلى قياديي الأندية من أجل الانضمام إلى الاتحاد.
وأرسلت التعميمات إلى سكرتيري الاتحادات الرياضية في البلدان العربية المجاورة
تشعرهم بتشكيل الاتحاد وتسجيله رسميا في فلسطين ويعلق رغبة هذا الاتحاد العربي في
توثيق العلاقات الودية مع الأقطار العربية الشقيقة شارحا لها طبيعة الصراع في
المجال الرياضي القائم في فلسطين. ثم تم توزيع العلم العربي عليه شعار الاتحاد على
المناطق بفلسطين، وعمم عليها القانون الأساسي والداخلي. قسم الاتحاد الأندية حسب
المناطق التالية: غزة، القدس، نابلس، الجليل، حيفا (وتضم أندية عكا)، يافا - كانت
تضم أندية اللد والرملة والعباسية وبعض القرى التي كانت تدخل ضمن منطقة يافا. كانت
أهداف الاتحاد تتلخص بتنظيم العلاقات الرياضية والودية بين فلسطين والبلاد العربية
المجاورة، الاشتراك في الجمعيات والمؤتمرات الدولية العامة والخاصة وتنظيم الألعاب
الرياضية على اختلاف أنواعها لتحقيق هذه الغايات.
لقد نبه القانون الأساسي إلى عدم التقارب مع الفئات اليهودية، ففي
المادة السادسة حول تأليف الاتحاد: «يتألف الاتحاد من الأندية والهيئات العربية
وغير اليهودية في فلسطين، ويشترط أن تمارس لعبة واحدة من الألعاب الرياضية على
الأقل وأن لا يكون هناك يهودي بين أفراد فرقها الرياضية». وفي مادة مالية اللجنة
المركزية في البند «ب» يذكر «أن أحد مصادر التمويل للاتحاد هو الهبات والتبرعات
التي ترد من أشخاص رياضيين أو هيئات غير يهودية».
لقد بلغ عدد الاندية العربية في فلسطين قبل النكبة خمسة وستين ناديا.
كان خمسة وخمسون منها مسجلا في الاتحاد الرياضي الفلسطيني. هذه الأرقام تعكس حقيقة
الأكاذيب التي تحاول الصهيونية إيصالها للعالم موهمة أن الفلسطينيين لم يكن لهم أي
نشاط رياضي. لقد قامت الحركة الرياضية الفلسطينية على أسس وطنية واجتماعية وتنظيمية
واستطاعت أن تلعب دورا فعالا في تعميق الحس الاخوي بين أبناء فلسطين وفي دعم الحركة
الوطينة، وان تساهم في إرساء صرح للثقافة الفلسطينية من خلال الأنشطة الفعالة
للأندية وتنسيق عملها تحت لواء الاتحاد الرياضي الفلسطيني. ولولا ابتلاء شعبنا
بنكبة 1948 لاستطاعت هذه الحركة أن تحقق انجازات أكبر بفضل هذه القاعدة التنظيمية
التي أرستها في الفترة التي تلت إعادة تأسيس الاتحاد.
مقاطعة إنجليزية
بعد الحرب العالمية ساءت العلاقات اليهودية الإنجليزية بسبب حقد
اليهود على الإنجليز بعدم السماح لليهود الالمان بدخول البلاد. هذا مما أدى بدوره
إلى سوء العلاقات الرياضية بين الطرفين. وبسبب قيام المجموعات اليهودية المتطرفة
Irgun Zeva'i Le'umi بأعمال إرهابية ضد الإنجليز والعرب فقد رفضت الفرق العسكرية
الإنجليزية اللقاءات مع الفرق اليهودية. وقد أعلنت هذه المقاطعة في أبريل 1945. في
أغسطس 1947 أعلنت السلطات البريطانية أن حركة «البيتار« Beitar الرياضية محظورة
وغير مشروعة مما دفع هذه المنظمة إلى تغيير اسمها إلى «نورديا» (نسبة إلى ماكس
نوردو أحد معاوني هرتسل) فيما بعد تعهدت هذه المنظمة بعدم القيام بأعمال إرهابية ضد
مواقع الانتداب البريطاني ومنشآته.
استغل الاتحاد الرياضي العربي الفلسطيني تردي العلاقات الرياضية بين
اليهود والإنجليز محاولا استقطاب الفرق الإنجليزية (بالرغم من إدراكه بأنها كانت
تمثل الانتداب) للتباري معها. ففي فبراير من عام 1947 تم انتخاب أعضاء المنتخب
الفلسطيني العربي لكرة القدم ليباري منتخب الجيش والطيران الإنجليزي. هذا بالإضافة
إلى العديد من اللقاءات بين الأندية العربية والفرق الرياضية للانتداب البريطاني في
فلسطين. وقد عبرت القيادات الرياضية الصهيونية عن استيائها من هذه اللقاءات من خلال
العديد من المقالات في صحفها ولكن دون جدوى.
لمَّا تَراءتْ عِنْد مَرْوَ
مَنِيَّتي |
|
وحلّ بها جِسْمي، وحانَتْ
وَفَاتِيا |
أقولُ لأصْحَابِي ارْفَعُونِي
لأنَّني |
|
يقرَّ بعيني أنَّ سهيلَ بدَا
لِيـا |
فياصاحِبي رحْلي دَنَا الموت
فانْزِلا |
|
برابيةٍ إني مقيمٌ
ليالِيـــا |
مالك ابن الريب