مساحة ود

 مساحة ود

أولـى الـخـطـوات

في المساء اتفقت الطبيبة معها على التوجه إلى المستشفى في تمام التاسعة صباحاً.

لم تستطع أن تخلد إلى النوم في تلك الليلة, ولو لساعة واحدة, كانت خائفة, تفكر في أمر ذلك القادم, الضيف الجديد, الذي لم يُظهر أي رغبة حتى الآن للخروج إلى الحياة, ولو بركلة قدم واحدة بعد تلك التي فعلها منذ أيام قليلة. ثم نسي أو تناسى. كانت تفكر فيما سيحدث بعد ساعات قليلة, وهي تتخيل غرفة العمليات والدم والآلام والصراخ, وبكاء الوليد الذي ترنو إليه كل الأذان في تلك الساعة. راحت أيضاً تستدعي كل مشاهد الولادة في الأفلام والمسلسلات التي رأتها بما فيها من نهايات سعيدة وحزينة.

في الصباح كانت الطبيبة تعرض على زوجها شريط الورق الخارج من جهاز متابعة نبض الجنين, تشير إلى الخط شبه المستقيم وتشرح له كيف أن نبض الجنين صار ضعيفاً للغاية, وبذلك لن يتحمل تبعات الطلق الصناعي, ولا بديل عن الولادة القيصرية.

بعد حوالي الساعة أو الساعتين, كانت على سريرها بالمستشفى, تفيق شيئاً فشيئاً من المخدر, وتطمئن - عندما ساعدها لسانها إلى حد ما على الحديث - على صحة وليدها, فتسحب الممرضة السرير الصغير المتحرك من غرفة الأطفال باتجاه غرفتها, فتتطلع إليه وهي تبكي, ربما لأنها لم تكن أول من يراه, تحمله الممرضة من سريره إلى أحضانها وتخبرها أنها بإمكانها الآن أن ترضعه, وعندما تحمله وقبل أن تضمه إلى صدرها يبكي الوليد, فتبكي هي أيضاً, وترتبك قبل أن تصحح لها والدتها والممرضة وضع ذراعيها لتحمله بشكل سليم, فيستكين الوليد لبعض الوقت قبل أن يعاود بكاءه بشدة وهي لا تعرف كيف تجعل فمه في الاتجاه الصحيح. يصرخ ويفتح فمه ولا يستطيع أن يلتقط الثدي, فتبكي هي أيضاً وتشعر بهوانها أكثر, كأنها فشلت في تربية ابنها وقد بلغ العشرين من العمر, لكن الوليد يظل يفتح فمه ويحرّك من شفتيه وهي تقرّبه شيئاً فشيئاً وتحكم وضع يديها, واحدة تحته وأخرى حول جسده الصغير, وتنحني بجذعها إلى اليسار قليلاً حتى يكرر المحــــاولة مرة واثنتـــين وثلاثاً, وينجح أخيراً وهـــــي تبتسم وتدمع.

لم يستطع أحد أن ينتزعه من بين أحضانها بسهولة, ولم يكن ينعم بالسكينة مع الآخرين, وكانت تراقب كل ذلك راضية بنجاح الخطوة الأولى.

 

محمود سليمان