أرقام

أرقام

وهم الشيخوخة

كانت الرحلة الثانية لرائد الفضاء (جون جلين) بمنزلة رد اعتبار للشيخوخة في العالم, فقد قام الرجل برحلته الفضائية وهو في السابعة والسبعين, مقدماً على تجربة علمية تحاول معرفة أسرار الشيخوخة.

لم يتردد ولم يفشل, لكنه أثبت أن المقدمة لا ترتبط بالضرورة بسن معينة, وهاهو يطير للفضاء الخارجي, في أخطر مهمة!

من التوقعات أيضاً- والتي أذيعت بمناسبة العام الدولي للمسنين (1999): أن يزيد سكان العالم بنسبة (50%) خلال العشرين عاماً القادمة. ولكن الشيوخ سوف يزيدون بنسبة أكبر هي (75%) ليصلوا حينذاك- عام 2020 إلى ألف مليون نسمة, في مقابل (580) مليونا في الوقت الراهن.

وتفسير ما يجري من تغيرات في التركيبة السكانية للعالم ليس صعباً, فالدول على مختلف اتجاهاتها تسعى لتقليل الخصوبة أي القدرة على الإنجاب, والجهود الدولية لضبط السكان ناجحة إلى حد كبير والظروف الاقتصادية والاجتماعية وانتشار التعليم وتبدل الميول عند الرجال والنساء تجاه الأسرة الكبيرة, كل ذلك جعل العالم أمام إخصاب أقل.

والإنسان- ونتيجة لتحسّن الصحة والمعيشة- يعيش أكثر, فمتوسط العمر المتوقع حالياً هو 66 سنة, يرتفع فوق السبعين لبلدان مثل: السعودية, قطر, البحرين, كندا, الصين, والولايات المتحدة, وينخفض إلى الخمسين في إفريقيا جنوب الصحراء.

الاتجاه الغالب إذن هو ارتفاع معدل العمر, وتزايد كبار السن, والهدف الذي حددته منظمات الأمم المتحدة عام 95 هو الوصول إلى متوسط عمر عالمي قدره: سبعون عاماً سنة (2005) وخمسة وسبعون عاماً سنة (2015).

ولكن, ماذا نصنع بهذا الرصيد المتزايد من كبار السن? وهل يكونون بما لديهم من خبرات في الحياة عنصراً إيجابياً في تقدم الأمم, أم يكونون كما يظن البعض عبئا يبدأ بما تقدمه الحكومات من رعاية اجتماعية وصحية وينتهي بالتعويضات المالية عند التقاعد?

ثورة على القانون

في السنوات الأخيرة كانت هناك ثورة على القوانين التي تحدد سناً للتقاعد, خرجت جماعات كثيرة تقول: كيف نحدد سن العمل وسن التقاعد ببلوغ عمر بذاته, وليس بفقدان القدرة? كيف نعتبر حاجز الستين سدّاً منيعاً يحول دون تدفق الراغبين في العمل والقادرين عليه? كيف يكون هناك قانون إلزامي يحدّ من حرية البشر في العمل?

في هذا الاتجاه, تشكلت في الولايات المتحدة الأمريكية منظمة للمدافعين عن حقوق كبار السن في مواصلة العمل, وأصدرت هذه المنظمة بياناً في سبتمبر (97), ثم أكدت فيه رفضها لقوانين التقاعد مطالبة بأن يكون التقاعد اختيارياً, ووصفت الإلزام في هذا المجال أنه (عمل غير أخلاقي), وأنه حرمان للشخص من حق كسب العيش.

في الوقت نفسه, ألغت كندا الإحالة للتقاعد على أساس السن, وتركت المشتغل ليعمل مادام قد توافرت له القدرة.. و.. كانت النتائج إيجابية: قلّت الأعباء التأمينية وزاد المساهمون في الاقتصاد القومي.

وفي اليابان, تم رفع سن التقاعد إلى الخامسة والستين, وتجري معاقبة الشركات التي لا تتعاون في هذا المجال.

هناك إذن ثورة على القوانين التي تجعل السن سيفاً مصلتاً وأداة تحكمية تفصل بين حالة العمل... واللاعمل.

وفي الوقت نفسه, هناك الجهود الدولية التي تطالب بإعادة التكيف مع تركيبة سكانية جديدة, وهو ما تم التركيز عليه فيما سمي العام الدولي للمسنين (99).

تبديد الأوهام

في هذا العام, تمت إذاعة العديد من التقارير التي سماها أصحابها وفي مقدمتهم منظمة الصحة العالمية, تقارير تبديد الخرافات أو الأوهام.

كان ذلك اعتقاداً سائداً أن كبار السن يتركزون في الدول المتقدمة حيث يتوافر مستوى صحي مرتفع, ولكن ها هي الأرقام تشير إلى أن (60%) من المسنين (أي 355 مليون شخص) من أبناء الدول النامية وسوف يتضاعف عددهم حتى عام (2020)!

وكان الاعتقاد السائد أن كل المسنين سواء, تتدهور أحوالهم الصحية, وتتراجع كفاءتهم الذهنية, وتقل قدرتهم على العمل, لكن الأبحاث تشير إلى أنه بينما يتقارب الصغار في صفاتهم الصحية فإن صحة الكبار والعجائز ترتبط بعوامل كثيرة إثنية وعرقية وغذائية. صحتهم انعكاس لمسيرة حياة طويلة, فالذين دخّنوا عشرات السنين أو الذين تعاطوا الخمور لسنوات طويلة, أو من لم يحصلوا على تغذية صحيحة, كل هؤلاء تختلف حالتهم الصحية عن غيرهم.

وهناك اعتقاد ثالث أن النساء والرجال سواسية أمام تقدم السن, ولكن, وبالرغم من أن النساء أطول عمراً, فإن المتاعب الصحية لديهن قد تكون أكثر.

وقد تلعب العادات الذكورية وطبيعة مهن الرجال دوراً في الوفاة المبكرة, والتي تتأثر بالتدخين والإفراط في الشراب, وتولي المهام الخطرة في المجتمع.

متوسط العمر يختلف بين النساء والرجال, لكن الفئة الأولى تصاب عند الشيخوخة بتخلخل العظام والسكري وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل, والنتيجة: نقص في الحركة والنشاط والتواصل الاجتماعي.

في الوقت نفسه- وكما تقول منظمة الصحة العالمية- فإن الرجال أكثر تعرّضاً لأمراض القلب والمخ والتي تتعرض لها النساء أيضاً مع قائمة أخرى من الأمراض.

هناك فروق بين الرجال والنساء, لكن الشواهد أيضاً تشير إلى أن المرأة ليست أقل قدرة على الأداء.

وتشير التوقعات إلى انخفاض عدد المصابين من المسنين بعجز شديد, حتى أن هذه النسبة سوف تهبط إلى النصف في الولايات المتحدة الأميركية, بين عامي (2000ـ2025), أي أن القدرة تتزايد.

وتبقى كبرى الخرافات وهي أن المسنين عاجزون عن تقديم شيء للمجتمع, ذلك رغم أن التقدم الصحي لا يحتاج إلى دليل, ورغم أن الإنتاج في المجتمع بات ذهنياً ومعتمداً على الآلة أكثر مما يعتمد على عضلات الإنسان وقوته البدنية, ورغم أن مهناً كثيرة كالزراعة والتجارة لا تتقيد بسن أو قانون.

العالم يتغير, وصيحة (99) تطالب الجميع بالتكيف مع التغير السكاني, وإفساح مجال للشيوخ الذين يقدمون عصارة حياتهم, لكن بعضهم يحصل على (نوبل), وآخرين ينساهم المجتمع, ويهدر ما لديهم من قدرات تفوق الشباب في كثير من الأحيان.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات