الحضور الأسباني في شعر البياتي

الحضور الأسباني في شعر البياتي

في أغسطس الماضي، رحل عنا عبدالوهاب البياتي، وغيّب الموت آخر القصائد، لقد أقلقت جسده المنافي الكثيرة، وآن له أن يستقر، ورغم كل ذلك، فقد استطاع هذا الشاعر أن يحوّل منفاه إلى أغنية عذبة مازال صداها موجوداً حتى بعد الغياب

احتلت الإشارات الإسبانية مكاناً بارزاً ومبكراً لدى البياتي، ففي أول ديوان له في المنفى (المجد للأطفال والزيتون) برزت مدريد إلى جانب طهران وشيكاغو في قصيدة (رفاق الشمس) لتكون صرخة من أجل الحرية في المدن الثلاث التي جمع بينها قهر الإنسان. إلا أن العاصمة الإسبانية تظهر في هذه القصيدة مدينة مفتوحة إذ لها أبواب، وهي ميزة تفتقر إليها المدينتان الأخريان: وعلى أبواب مدريد انتظرناك طويلا/ ولعينيك، رفيق الشمس، خضبنا الحقولا/ وافترشنا الأرض في أسواق طهران القديمة/ وأكلنا الشوك والصبار في أحياء شيكاغو الدميمة/.. إنه الشمس التي من أجلها ناضل آلاف الرفاق/ في الهوى تشرق، في ليل العراق/ وعلى أبواب مدريد، وفي أسواق طهران القديمة/وعلى الموتى، وفي أحياء شيكاغو الدميمه.

وكانت هذه أول مرة يقترب فيها البياتي من مدريد ثم واصل استدعاءها في ديوان كلمات لا تموت.

لوركا ورفائيل ألبرتي

غير أن البياتي عند معالجة جريمة اغتيال الشاعر فدريكو غارثيا لوركا في قصيدة (الوريث) يلصق بالعاصمة الإسبانية تهمة مشاهدة جريمة إعدام (حفيد هوميروس) رمياً بالرصاص، في إشارة واضحة إلى الشاعر الغرناطي، والمعروف أنه قتل بطريقة مجانية وعبثية على يد قوات الحرس المدني الموالية للجنرال فرانكو في غرناطة، لأسباب ليست محسومة إلى اليوم، إبان اشتعال الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ـ 1939)، وإن كان من الثابت أن الحسد والغيرة إضافة إلى أشعار كتبها صديقه رفائيل ألبرتي ضد الفاشست ونسبت إلى غارثيا لوركا ـ بثتها إذاعة الجمهورية ونشرتها المجلة اليسارية El Mono Azul (بدلة العمل الزرقاء) ـ كانت من الأسباب الرئيسية لهذه النهاية المجانية لأعظم شاعر إسباني في النصف الأول من القرن العشرين.

ومما لاشك فيه أن الشاعر العربي العراقي كان على دراية بأن نظيره الغرناطي اغتيل في مسقط رأسه، إلا أنه كان يهدف إلى توكيد موقفه الآني إزاء هذه المدينة التي يشعر إزاءها بكراهية عابرة، ففي القصيدة نفسها يشير إلى إرم ذات العماد المدينة الأسطورية التي صب عليها الله غضبه لخطاياها حسب النصوص الدينية. وبالرغم من ذكر هذه المدينة الظالم أهلها فإن البياتي لم يرغب في مقارنتها بمدريد وإن كان قد أضفى على هذه الأخيرة طابعاً عدوانياً في بعض أشعاره.

والبياتي بإشارته غير المباشرة إلى غارثيا لوركا بأنه (حفيد هوميروس)، وهي صفة تنسحب على مختلف الشعراء، يضيف بعداً آخر على ما هو إسباني في نتاجه الشعري. وإبتداء من هذه القصيدة، من ديوان (الذي يأتي ولا يأتي)، اكتسب الشاعر الغرناطي حضوراً مكثفاً طغى على كل العناصر الإسبانية والهيسبانية عند البياتي الذي لم يكتف بوصفه السابق له فأضاف إليه نعتاً هو (آخر السلالة) موحياً بذلك بأنه منقطع النظير بين أقرانه، ليؤكد على مرتبته العالية بين من تعاملوا مع الكلمة الشعرية في العالم المعاصر. ويعد غارثيا لوركا من أكثر الأقنعة التي لجأ إليها البياتي ووظفها في نتاجه، خاصة في شعر المنفى: تنقطع الجذور (وآخر السلالة) حفيد هوميروس في مدريد "يعدم رمياً بالرصاص، إرم العماد" تغرق في ذاكرة الأحفاد (مات المغني، ماتت الغابات) وشهريار مات.

وإزاء هذا الوضع، أي وأد الجمهوريات الإسبانية الثانية، عاش كثير من شعراء ومثقفي إسبانيا في تجربة المنفى التي دامت عقوداً. وكان من بين هؤلاء الشاعر رفائيل ألبرتي الذي تنقل منفياً طوال أربعة عقود بين جغرافيات العالم من شمال إفريقية إلى باريس والأرجنتين وروما، والذي تعرف إليه البياتي في مدينة ستالينغراد في حضور الزعيمة الشيوعية الإسبانية دولوريس إيباروري (باسيوناريا)، وكان ذلك في منتصف الستينيات، ثم التقيا مجدداً في منفى ألبرتي بروما.

غير أن هذا اللقاء لم يكن عابراً إذ أدى إلى صداقة بين الشاعرين، العربي والإسباني، تكرست بوصول البياتي إلى مدريد حيث عاش طوال عقد الثمانينيات تقريباً، وكان وصوله إلى العاصمة الإسبانية بعد عامين من عودة ألبرتي من منافيه. وأفضى ذلك إلى أن يخص البياتي الشاعر الإسباني بقصيدة مطولة، استلهم فيها واقع البلاد المترتب على تلك المواجهة الدامية بين أنصار الجمهورية واليمين، استوحى فيها حياة شاعر إسباني آخر مات في المنفى بجنوب فرنسا هو أنطونيو ماتشادو إلى جانب الشاعر الأسطورة غارثيا لوركا، وكلاهما مات ضحية الحرب الأهلية وإن كان ذلك بطريقتين مختلفتين.

يلاحظ أن موت غارثيا لوركا، الذي صوره البياتي على أنه وقع في مدريد، بدأ يلمح إلى موقعه الحقيقي، أي في غرناطة، في قصيدة (الموت في غرناطة) دون أن يشير صراحة إلى ذلك، إذ اكتفى بأن وظف (معلم الصبيان) ليعلن في غرناطة أن الفاشست قتلوا الشاعر ومثلوا بجثته على نهر الفرات، في حين يصر على أنه سيبعث من التراب كالعنقاء التي يناجيها بالرغم من يديه المبتورتين. وقد لجأ البياتي إلى السرد في معالجته لهذه الحادثة.

وقد جمع البياتي في هذه القصيدة بين غارثيا لوركا وشخصية تاريخية أخرى لقيت حتفها، أو صفيت على يد الخصوم، الشهيد الحسين بن علي، فكلاهما شهيد، كل من منظور خاص، وكلاهما لقيا (موتاً ثورياً ونبتياً، بذرة خصبة من شأنها أن تثمر مولداً أجمل، حياة جديدة وأسمى) حسب المستعرب الإسباني بدرو مارتينيث مونتابيث.

ويواصل الشاعر مسيرة صهر العناصر الرمزية والأسطورية، ليتولد لدى المتلقي شعور بأنها قصيدة مشحونة بالعناصر وأن هذه العناصر مكررة في بعض الأحيان وحافلة بالاستطراد في أحيان أخرى. إلا أن علاقة متينة ومبررة تربط فيما بينها وتحكمها.

ويمثل الموت، وبشكل خاص الموت الغاضب أو المضحى، عنصراً موحداً بين القصائد التي تتطرق إلى ما هو إسباني. وهذا الخيط الموحد بين أبيات هذه القصائد قلما يأتي رمزياً، وفي حالة كهذه، وعندما يلجأ الشاعر إلى الرمز، يأتي الموت ممثلاً في فراشة ترمز إليه أو إلى روح الميت حسب معتقدات حضارات الهلال الخصيب القديمة، كما هو معروف، وهو ما يلاحظ في قصيدة (الموت في الحب). غير أن اغتيال غارثيا لوركا يمثل مركز ومرجعية كل أنوع الموت، إذ تدور حوله أو تسير في خط مواز لمقتله. إضافة إلى إسقاط وقائع الحاضر على التاريخ من خلال استقطاب التاريخ عبر الحوادث المأساوية المتشابهة. ومن هنا جاء اختياره لمقتل الحسين الثائر الشهيد.

كان اختيار غارثيا لوركا له مبرره في التوجه السياسي والفكري للبياتي، وبالرغم من يأسه أمام استشهاد هؤلاء الثوار فإنه يتغلب على هذه الحالة بالإصرار على أنهم سوف يبعثون، فالبعث هو طريق الخلاص: الثورات، التي ستنتقم بدورها لشهدائها، كما أن دماء هذا الشهيد لم تذهب سدى بل لسبب يوتوبي، من أجل المدينة الفاضلة التي ينشدها شعر البياتي، في الوقت الذي يحاول فيه إعادة الأمور إلى نصابها، من خلال الكلمة المكتوبة. ويرى محمد زفزاف أن البياتي دفع قضية غارثيا لوركا إلى مستوى عال من الرمزية والوضوح، فهذا الشاعر الغرناطي لم يمت في إسبانيا، بل في العراق، على نهر الفرات، إذ أعدمه السفاحون الفاشست.

يحقق حضور الشاعر الغرناطي في شعر البياتي ذروته في (مراثي لوركا)، إذ يجمع في مقطوعاتها الست بين غارثيا لوركا ومدريد وغرناطة، إلا أن الشاعر لم يظهر بوضوح في مراثيه، إذ اكتفى البياتي بجعله العنصر المشكل لنسيج القصيدة. كما أنه يرصد في المراثي شخوصاً وعناصر أسطورية وأحداثاً تاريخية، يجمع بينها خيط موحد: الموت، في جو من الحزن والتشاؤم. وبداية القصيدة ذات دلالة واضحة في هذا السياق، في الوقت الذي يدفع الشاعر بزخم الأساطير العراقية القديمة ممثلة في (إنكيدو) ليصور الموت الأسطوري أو أول وقفة للإنسان أمام الموت للتأمل فيه.

قرطبة ـ غارثيا لوركا

وقرطبة هي المدينة الإسبانية الثالثة، بعد مدريد وغرناطة، التي احتفى بها البياتي في شعره، غير أن حضورها أقل كثافة من المدينتين الأخريين، إذ جاء بطريقة عابرة، فقد خصها بإشارة في قصيدتين، الأولى (عن الموت والثورة)، مهداة إلى تشي جيفارا ويظهر بها غارثيا لوركا مجدداً، و(الزلزال) المهداة إلى الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي ورفاقه إذ يخلط الشاعر بين غرناطة وقرطبة، ويعود ليربط بين غرناطة والشاعر غارثيا لوركا، إلا أنه يخلط بين غرناطة وقرطبة، فهو تارة يشير إلى أن موت الشاعر وقع في زنزانة الخليفة الأخير في قرطبة والملك الأخير فيها أيضاً، والمعروف أن الملك الأخير، أبو عبدالله الصغير، سلم غرناطة ولم يكن في قرطبة، وأن غارثيا لوركا قتل في غرناطة وليس في قرطبة. ومع ذلك يبدو أن تبديل الأدوار بين غرناطة وقرطبة عن قصد من قبل البياتي، إذ يشير إلى الحمراء بحدائقها الغناء حيث القمر الولي في عيون قارعي طبول الملك الأخير/ في (قرطبة) يغيب البحر/.. حيث الشاعر الأندلسي في سجون العالم الجديد/ في زنزانة الخليفة الأخير في (قرطبة) يموت وكما يلاحظ فإن الشاعر يسقط الماضي على الحاضر ليختلط الواقع بالخيال عبر ومضات وإشارات أندلسية وأخرى معاصرة.

بابلو بيكاسو

كان الفنان التشكيلي بابلو بيكاسو إسبانياً آخر تمتع بحضور خاص ومبكر في شعر البياتي، ففي 1961 خصه بقصيدة (إلى بابلو بيكاسو)، من ديوان (النار والكلمات) عالج فيها بطريقة تصورية لوحاته وألوانه وفرشاته دون أن تخلو الأبيات من إشارة واضحة إلى العاصمة مدريد وأخرى رمزية لغارثيا لوركا. وتعكس هذه القصيدة مناخ إحدى محطات منافي البياتي المتعددة في إطار تأويل بعض لوحات الفنان الإسباني العالمي ومراحله الفنية، إذ ينتقل بينها عبر أخيلة مركبة. في هذا الإطار يكتسب اللون الأزرق، رمز إحدى المراحل الفنية عند بيكاسو، درجة قريبة من الأخضر ليستحيل إلى فيروزي، بينما يعرج على روح العصر في بزوغ الفجر حاملاً معه النصر.

ومع مرور الزمن اكتسب هذا الفنان حضوراً أكثر في أشعار البياتي خاصة بعد الزيارة التي قام بها لباريس حيث كان يقيم بيكاسو، ففي (حجر السقوط)، من ديوان (الكتابة على الطين)، عاد ليعرج عليه وعلى لوحاته عبر صور جديدة وتواتر أخيلة تصورية مع اللعب بالألفاظ بغية تغيير وظائف المعنى.

ويواصل البياتي استلهامه لنتاج بيكاسو عبر رحلة في متحف اللوفر، خاصة لوحة (المهرج) في قصيدة (قصائد حب على بوابات العالم السبع) ـ في الديوان الذي حمل العنوان نفسه التي ترمز إلى العبث والانسحاق حسب الدكتور محيي الدين صبحي إضافة إلى مرحلته التكعيبية.

وفي الديوان نفسه يعود إلى بيكاسو في قصيدة (الكابوس)، التي لجأ فيها إلى التكثيف، إذ استهلها بالعودة إلى جحيمه التصويري من خلال لوحاته بألوانها وبهلواناته، لينتهي إلى مدريد من خلال شخصية عازف القيثارة التي سبق له أن وظفها في قصائده الإسبانية. إنه يلتقط الأفكار والرؤية التي طرحها في القصيدة السابقة، غير أنه يضيف إليها عنصر الموت في هذه المدينة ضماناً للبعث في مدن أخرى وفي ظروف أفضل.

واضح أن اختيار البياتي لهذا الفنان الإسباني لم يكن جزافاً بل عن وعي تام بشخصية وفن بابلو رويث بيكاسو، فكلاهما ناضل ووظف فنه من أجل الحرية، فمن المؤكد أن بيكاسو لو لم يكن ثورياً أو متمرداً لما اهتم به الشاعر العراقي ولا بفنه. وكان اشتراكهما في الالتزام سبباً اضطر كليهما إلى المنفى.

أمريكا اللاتينية ـ الأندلس

وإلى أمريكا اللاتينية أو الهيسبانية يعود البياتي عبر زميله التشيلي بابلو نيرودا الذي يهديه قصيدة (القربان) ليرثيه ليس وحده بل معه عهد الرئيس المغدور سلفادور الليندي الذي اغتيل أثناء مقاومته القوات الفاشية تحت قيادة الجنرال بينوتشيت عام 1973 ومات حسرة عليه صديقه الشاعر نيرودا. والقصيدة ذات الروح السياسية مليئة باللوحات الواقعية، إنها تقترب من الواقع الذي لم يره البياتي لأسباب جغرافية وسياسية، وإن كان تصوره ليس صعباً على شاعر أراد أن يكون فاعلاً في قصيدته، فقد استعرض التاريخ القديم والحديث للقارة الأمريكية من مذابح الإنديز والهنود الحمر باسم الدين إلى المال والبترول ومناجم النحاس والجوع.

ويلاحظ أن ديوان (سيرة ذاتية لسارق النار) من أكثر أعمال البياتي احتفاء بما هو إسباني وأندلسي وأمريكي لاتيني، فقد عالج هذه المواضيع في ست من مجموع ثمان هي قصائد الديوان كله، أي في كل من (المخاض) و(قصائد عن الفراق والموت)، و(الزلزال) و(السيمفونية الغجرية)، و(القربان) و(الموت في البسفور) المهداة إلى ناظم حكمت. ومما يجدر ذكره أن مولد هذا الديوان جاء إثر أول زيارة قام بها البياتي لإسبانيا في يناير 1973.

كانت قصيدة (قصائد عن الفراق والموت) ومعها (السيمفونية الغجرية) نتاجاً مباشراً لتلك الرحلة إذ استلهم في الأولى حكاية شعبية إسبانية عن أمير عربي أندلسي كان له سبعة أولاد أغوت الجنيه أصغرهم، وقد لجأ فيها إلى تقنية القصاص الشعبي في السرد وذلك عبر أسلوب سردي على غرار الحكايات الشعبية، يخلط فيها بين المخيلة الشعرية والموروث الشعبي. وقد وظف فيها مضمون أغنية غجرية، استمع إليها في منطقة (ساكرو مونتي) على مشارف غرناطة قرب قصرالحمراء التي يسكنها الغجر وفيها تكثر ملاهيهم التي يغنون فيها ويرقصون (الفلامنكو)، وهو الفن الذي لجأ إليه في القصيدة الثانية (السيمفونية الغجرية) التي غاب عنها الطابع السياسي الذي وسم الكثير من أشعاره عن إسبانيا إذ إنها من وحي زيارته لإسبانيا واستلهامه لغناء ورقص الفلامنكو. لذا فقد تحولت إلى قصيدة حب لجأ فيها الشاعر إلى بعض المفردات الصوفية عن وعي فهو كان في حضور الأندلس بصوفيتها ممثلة في قطبها (الشيخ الأكبر) الذي خصه بفاتحة ديوان (قصائد حب على بوابات العالم السبع).

غير أن القصيدة الفلامنكوية يمكن تلخيصها في أنها رقصة حب تصويرية، عرج البياتي من خلالها على الحوار التصويري بين رجل وامرأة، غجري وغجرية، وهي إشارات سبق أن وظفها في (قصائد عن الفراق والموت)، التي صور فيها ثنائية الحب والموت مستخدماً مضمون أغنية من أغاني الفلامنكو، غناها في حضوره مغنٍ غجري في منطقة (ساكرو مونتي).

بستان عائشة: ديوان إسباني المولد

في نهاية المطاف نصل إلى (بستان عائشة) لنجد أنه أكثر دواوين البياتي احتفاء بما هو إسباني وهيسباني، إذ يتضمن سبع قصائد تدور حول هذا الموضوع: (إلى خورخي لويس بورخس)، (مجنون إشبيلية)، و (إلى بيثنتي أليكساندري)، و(الولادة)، و(مدريد في عيد الميلاد)، و(إلى اوكتابيو باث)، و (إلى أسماء البياتي). إلى جانب اثنتين مهداتين إلى مستعربين إسبانيين: (نار الشعر) إلى بدرو مارتينيث مونتابيث، و(نهر المجرة) إلى فيدريكو آربوس.وهو الديوان الذي ولد كاملاً تحت خيمة إسبانيا، ففيها عاش عشر سنوات، وقد كتبه خلال عقد الثمانينيات، قبل رحيله مجدداً إلى بغداد بشهور، أي أنه لم يكن من قبيل المصادفة أو الاستلهام عن بعد. من هنا كان لهذا الزخم الإسباني والهيسباني مبرره بعد معايشة الشاعر لواقع هذا البلد بنفسه واقترابه من أمريكا اللاتينية عبر العاصمة الأم للقارة الأمريكية، مدريد.

وعائشة حسب البياتي قتلها الحب والفراق، وكان وراء ذلك الدافع الاجتماعي والسياسي، وهذه الجريمة يتحمل وزرها عصر ماتت فيه القيم الروحية وكتب على البشر العشاق أن يجوبوا العالم ويلفوا حول أنفسهم حاملين معهم جحيمهم وهم يجوبون من منفى لآخر ليشيعوا موتاهم..ولكن هذا القاتل، العصر بأكمله، لم يكن في حسبانه أن عائشة لن تموت لأنها العنقاء. فكلما احترقت وتحولت إلى رماد نهضت وعادت إلى الظهور على شكل فراشة أو قصيدة أو إنجاز فني أو عادت إلى الظهور بلحمها ودمها في عصر آخر. غير أنها كائن بلا لحم ودم، إنها روح وروح فقط. وبستانها هو نشيد جديد للأرض التي فقدت عذريتها

 

خالد سالم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




عبدالوهاب البياتي





دراسة في قصائد البياتي





نصوص شرقية





ينابع الشمس





بكائية إلى حافظ الشيرازي





تحولات عائشة