المكتبة الوطنية البريطانية

المكتبة الوطنية البريطانية

12 مليون مجلد وثلاثة آلاف عام من تاريخ الكتابة

في مسرحية شكسبير الشهيرة يسأل بولونيوس المير
هاملت: ماذا يقرأ سيدي؟.. فيجيبه هاملت: كلمات كلمات كلمات.

توصل الإنسان قبل آلاف السنوات إلى طريقة لتسجيل الكلمات, أي المعلومات, فاستخدم الرسم أولاً, والإشارات والصور, ثم تطور التسجيل إلى نظام أكثر تعقيداً, ظهر على شكل أبجدية أو رموز كالهيروغليفية التي استخدمها الفراعنة والمسمارية التي استخدمها السومريون. بعد ذلك صارت الكلمات منطوقة مرئية ودائمة. لولا الكتابة لما تمكن البشر من التواصل, لما كتب مؤلف فذ مثل شكسبير أفكاره, ولما نطقها على شكل كلمات أميره الحائر, ثم أتيحت الفرصة وتأملها القارئ بدوره.

مع افتتاح المكتبة البريطانية أبوابها للجمهور, في أعقاب انتقالها إلى مقرها الجديد في منطقة سانت بانكراس بلندن, احتفى المسئولون فيها بانفصالها ككيان مستقل عن المتحف البريطاني, المتحف الذي كان استضافها طويلاً بين قاعاته, وبدا أن الاحتفاء بالكلمة هو الصورة المثلى لمناسبة مثل هذه, معرض عنوانه قصة الكتابة, فن الكتابة, كنوز المكتبة من المخطوطات النادرة, كل هذا وغيره يترجم التقدير الذي تكنه الأمم الآن للكتابة, تلك التي يصح عليها القول (لو لم نجدها على الأرض لاخترعناها!).

لو لم يخترعها الأقدمون لاخترعها الخلف, هكذا, لأنه من الصعب على الإنسان أن يتذكر كل شيء, ولكي نساعد أنفسنا على التواصل عبر الزمان والمكان, طوّرنا وسائل حفظ خبراتنا باستخدام الصورة والصوت والكتابة. كلها في النهاية تحفظ الكلمات, حمّالة الأفكار والمعاني. ويبدو من الصعب الإشارة إلى مجتمع بعينه اخترع الكتابة في وقت محدد, لقد تقدمت في أماكن عديدة وأزمنة مختلفة, يتابع المعرض هذا التطور, وينظر إلى الطريقة التي أثرت بها التكنولوجيا على أسلوبنا في الكتابة, يتبع نشـأة الكتابة والخط من أماكنها الأصلية, خاصة في الغرب, ويثير أسئلة مثل: إلى أين تتجه الكتابة في المستقبل?

تعكس الكتابة رغبة البشر الحثيثة في التواصل عبر الزمان والمكان, هذه الرغبة هي سرّ نجاح هذا الوسيط المعرفي واستمراره, وقد تداخلت الكتابة منذ نشأتها مع التعبير بالحكي والتعبير بالصور, كانت العلاقة تكامليـة بين هـذه الوسائل, إلا أنها في السنوات المائة الأخيرة, راحت تتنافس مع الصوت المسجل والصورة المتحرّكة, هذه الوسائل التعبيرية التي يمكن جمعها الآن على شاشة الكمبيوتر, حتى الآن لا خطر على الكتابة, لم يستبدل بها آخر, ولاتزال تحتل موقعاً مهماً في حياتنا.

الكتابة.. هوية

المعرفة قوة, والقدرة على الكتابة والقراءة تفتح مغاليق أسرار هوية الإنسان ومعارفه.

هذه المعرفة قادت إلى تأسيس أول وأكبر مكتبة عظيمة, كان ذلك في الإسكندرية, أواخر القرن الثالث ق.م. وإذا كانت ذاكرتنا كأفراد تحدد جزءاً كبيراً من سؤال (من نحن?). فإن الذاكرة الجمعية في الوقت نفسه هي المفتاح للهوية الثقافية. لقد جعلت المجتمعات القديمة الكتابة سرّاً مقدّساً مقصوراً على الكهنة. إلا أن الكتابة ليست الوسيلة الوحيدة لحفظ هذه الذاكرة, فهي أحياناً تضعفها, إذا عرفت- مثلاً- أين تجد معلومة معينة, فلن تضطر للتذكر, أو أن تضطر حتى لمعرفة هذه المعلومة, مادامت المعرفة محفوظة في الكتب والمكتبات.

هناك وسائل تختصر وتلخص الكثير, فمنذ رسوم الإنسان على جدران الكهوف, حتى اختراعه رموز الكمبيوتر, كانت الصور التي تخترق حواجز اللغة, هي الطريقة الأسهل لتوصيل المعلومات, إلا أنها صور ورموز خاصة, تحتاج إلى فهم مسبق من قبل أفراد المجتمع, وهو ما تعارفت عليه المجتمعات القديمة, إذ تحفل أنسجتها برسوم ترمز لمعتقداتها الدينية والاجتماعية, وهي قصر عليها لا يلتقطها الغرباء بسهولة. في أزمنتنا الحديثة, هناك إشارات الطرق والمرور, وإشارات تدلّ على مواقع دورات المياه العامة ومواقف السيارات, وأين يمنع أو يسمح بالتصوير أو بالصيد مثلاً, وبذلك عادت الرموز تحل- في بعض الأحيان- محل الكتابة اختصاراً للشرح والجمل المزدحمة بالكلمات.

عرفت الشعوب خطوطاً وطرق كتابة كثيرة, لم ينتشر منها انتشاراً كبيراً سوى الحرف الإغريقي كما يسمّيه المعرض, وهو في الحقيقة الأبجدية التي نقلها الفينيقيـون, سكان شرق البحر الأبيض المتوسط, إلى الشعوب المجاورة, وهناك حجر عثر عليه في أوغاريت شمال سوريا يوثق لهذه الحقيقة, حفرت عليه ما سمّاه خبراء الآثار, أبجدية أوغاريت, وهي ذات الأبجدية التي تبناها الإغريق والأوربيون من بعدهم, حتى وصل عدد اللغات التي استخدمتها كأبجدية إلى ستين لغة. وربما يعود السبب إلى سهولة تحوير تلك الأبجدية لأصوات اللغات الأخرى, عدا ذلك, عرف العالم خطوط أبجديات أخرى, الخط العربي والآرامي والصيني والهندي.

لا يتوقف الحديث عن الكتابة عند شكل الحرف أو الخط فقط, فهناك ما نكتب به, وما نكتب عليه. الكتابة المبكّرة, أي قبل خمسة آلاف سنة, تمت على ألواح الطين- بلاد الرافدين- فالطين الناعم سهل الترقيم بالمسمار. وعندما تعرّض تلك الألواح لأشعة الشمس أو تشوى في الفرن, تصبح قوية, بعض الشعوب كاليونانيين والرومان, استخدمت ألواح الشمع لتعليم الكتابة للأطفال أو لتسجيل الوثائق السريعة. وكانت طريقتها تقوم على ملء صينية من الخشب بطبقة من الشمع. وهي بذلك تشبه سبورة التعليم السوداء الصغيرة, التي مازالت تستخدم حتى الآن, وللكتابة, يستخدم بعد ذلك قلم معدني يترك علاماته على السطح الشمعي, وفي طرفه السفلي قطعة مسطحة, تسمح بإعادة تسوية السطح لاستخدامه مرة أخرى.

إلا أن المصريين القدماء استخدموا ورق البردي للكتابة, وقد فعل ذلك أيضاً اليونانيون والرومان. وكانت الوثائق الطويلة تنجز على شكل لفائف. وقد عرفت هذه الشعوب شكل الكتب, إلا أنه وبسبب سرعة تصدع ورق البردي عند محاولة ضمّه وخياطته, تم اللجوء لخامة كتابة أخرى, وبدءاً من القرن الرابع الميلادي استخدم الإنسان جلود الحيوانات للكـتابة, خاصة جلد الماعز والخروف. أما القلم, فقد صنع من نبات القصب, مع ترك أحد طرفيه حادّاً مدبباً, وقد استمر هذا الشكل حتى القرن السادس, عندما اخترع القلم المأخوذ من ريش الطيـور الكبيرة, كطير الأوز. استمر الأمر كذلك حتى أخذ العالم عن الصينيين صناعة الورق التي تعتمد على لحاء الشجر, وهي الطريقة التي مازالت مستمرة حتى الآن.

فنون موازية

لقد عرفت بعض الشعوب, كالصينيين والعرب والمسلمين زمن الدولة العباسية ,تطور (فن الوراقة), ووجدت فئة من الصناع أطلق عليها اسم (الوراقون) مهمتها, إضافة للنسخ, تجليد الكتب وزخرفتها وتخطيطها, أفرد معرض تاريخ الكتابة قسماً خاصاً لهذا الفن, يغطي الهند وأوربا والصين والدول الإسلامية, مع تقديم مخطوطات وكتب تدلل على الاهتمام الكبير الذي أولته تلك المجتمعات عبر العصور, لتزيين الكتاب وتجليده تجليداً لائقاً قبل تقديمه لكبار رجال الدولة, سلطاناً كان أو أميراً أو راعي كنيسة.

إن فكرة اختراع الكتابة وأدواتها تظل محدودة غير قابلة للتعميم, مادامت تتم لنسخة واحدة أو نسخ محدودة فقط, وقد عرفت البشرية الطباعة أول ما عرفت على أيدي سكان الشرق الأقصى, مبكّراً جداً عن بقية مناطق العالم, وقد تم ذلك بطريقة الحفر على الخشب, مع إعادة طباعته كلما احتاج الأمر, والنموذج الأقدم المعروف يعود للعام 157م. إلا أن أقدم كتاب وصل إلينا بهذه الطباعة هو (دايموند سوترا), وهو كتاب في الدين البوذي, كتب العام 868م في الصين, وقد عثر عليه باحث أثري يدعى السير مارك أوريل ستاين, في كهف مسدود بحائط شمال غرب الصين, بين بعض مواد مطبوعة, إضافة لآلاف المخطوطات التي يبدو أنها تمثل مكتبة مهرّبة بسبب منع السلطة أو ما شابه. النسخة محفوظة في المكتبة البريطانية, وقد تم الإشارة من قبل طابعيها إلى تاريخ حسب التقويم الصيني يعادل 11/5/868 م.

من الأمثلة المبكرة الأخرى على بدء الطباعة في شرق آسيا ما يعرف بـ (المليون ترنيمة شكر للإمبراطورة شوتوكو), كانت الإمبراطورة اليابانية قد أمرت بطباعتها وتوزيعها على المعابد شكراً للآلهة على فشل تمرّد سياسي بعد قمعه العام 764م. توزعت الترانيم على أربعة نصوص طبعت على أوراق طولية منفصلة, بواسطة قطعة خشبية ملوية ساهمت بسرعة الطباعة التي تمت بنسختين, واحدة عادية والأخرى فاخرة, والمكتبة البريطانية تحوي ثمانية نصوص من الطبعتين. يذكر أن تمائم الإمبراطورة شوتوكو, من أقدم الأمثلة الحية المؤرخة على هذا النوع من الطباعة فـي اليـابان, إلا إذا أثبتت الاكتشافات ما يدحض ذلك في كوريا والصين.

استمرت الطباعة على قطع الخشب أو صفائح المعدن قروناً, قبل أن تخترع مطبعة جوتنبيرج بألمانيا في القرن الخامس عشر. اعتمدت هذه الطريقة على الطباعة بواسطة صفائح المعدن المحفور. وقد انتشرت هذه الطريقة بسرعة وأصبحت التقنية الأكثر شعبية في العالم للطباعة حتى القرن التاسع عشر. وقد استخدمت بشكل خاص لطباعة الرسوم والصور الشخصية والمناظر الطبيعية. يذكر أن المكتبة البريطانية تحوز نسخة من الكتاب المقدس الذي يعد أول كتاب مطبوع في العالم, بعد اختراع مطبعة جوتنبيرج, العام 1455, ويعتقد أن النسخة واحدة من ثمان وأربعين نسخة مازالت موجودة منذ ذلك الحين, أما الطباعة بالليتوجرافيا, فقد اخترعها عام 1798 آلواز سينفيلدر, الذي اعتبرها طريقة أقل تكلفة لطباعة النوتة الموسيقية. إلا أن الفنانين هم الذين طوّروها بعد ذلك, إذ راحوا ينجزون أعمالهم على الحجر مباشرة, وقد سمحت لهم التقنية بالتحكم بدرجة اللون وقوة الخطوط.

يقدم المعرض شرحاً بالصور والكتابة, لتطور تقنية الكتابة والعمليات اللاحقة عليها, كما يوفر نماذج من آلات الطباعة وتقنيات التجليد, ويوفر للزائر فرصة تجريبها أيضاً, إضافة لكل ذلك, هناك شاشات فيديو وكمبيوتر تعمل باللمس الخفيف, تشرح شرحاً وافياً كل ما تقدم.

في زاوية خاصة, تتيح صحيفة الفاينينشال تايمز للزائر, فرصة الدخول إلى موقعها على الإنترنيت عبر شاشة كمبيوتر. كأنما لتذكره بخلاصة تاريخ الكتابة, فهذا الجهاز يجمع الصورة مع الصوت مع الكلمة, مما يمنح الشعور بالطمـأنيـنة, في أن وظيفة الكتابة لم تنـته بعد. إن البشرية, رغم كل التطور التكنولوجي الهائل, مازالت بأمس الحاجة إلى هذا الوسيط في التفاهم. الكتابة, التي بدأت قبل آلاف السنوات, ومازالت صامدة, تتيح لنا فرصة ترديد الكلمات التي نريد, وتمريرها للآخرين.

كنوز المكتبة البريطانية

تحت هذا العنوان, أخرجت المكتبة البريطانية مئات من مخطوطاتها الثمينة وعرضتها للزوّار, وقد صنّفت الكتب النادرة والمخطوطات حسب نوعيتها, فهناك النصوص المقدّسة, وهي ما ينتمي إلى الأديان من مصاحف وأناجيل وتوراة. في القسم الإسلامي مثلاً, نسخة من مصحف القرآن الكريم بالخط المغربي, وهي من النسخ النادرة المتبقية من زمن الوجود الإسلامي في إسبانيا, ونسخة نادرة أخرى يقول القائمون على المعرض إنها من أقدم المصاحف المكتوبة بخط الإمالة, تعود للقرن السابع الميلادي, نسخت في مكة أو المدينة. ويلاحظ في هذه المرحلة من الكتابة العربية غياب التحريك والتنقيط, مع ترك علامات باللون الأحمر تحدد نهاية كل آية.

من نسخ المصاحف التي عرضتها المكتبة, نسخة مكتوبة بالخط الكوفي من القرن التاسع الميلادي, استخدم فيها اللون الأحمر لتمييز الحركات, بينما استخدم اللون الأخضر للتنقيط, أما نهاية كل آية فتدل عليها زخرفة ذهبية, وهي نموذج يدلل على روعة التخطيط والزخرفة في المخطوطات الإسلامية القديمة, وتقتني المكتبة نسخة من مصحف السلطان ركن الدين بيبرس الثاني, تعود لسنة 1304م/القاهرة, وهي نسخة نادرة متبقية من أعمال الخطاط الشهير محمد ابن الوحيد, نسخت بالحبر المذهب, بخط الثلث, وقد أنجز المصحف بالأسلوب المملوكي الذي يعتمد على رسوم هندسية, مع تأثره بطريقة الكتابة الكوفية.

أيضاً, عرضت المكتبة نسخة نادرة من الكتاب المقدس اكتشفها باحث ألماني مهتم قرب دير سانت كاترين في جبل سيناء في مصر, وذلك عام 1859, وهي شاهد نادر على شكل كتب العهد القديم, وصفتها مصادر المكتبة بأنها من المخطوطات التي تقع خارج التقييم المادي. إذ يعتقد أن المخطوطة المكتوبة باللغة اليونانية, تعود لأواسط القرن الرابع الميلادي, وتأتي أهميتها كواحدة من أقدم الكتب الدينية المسيحية, التي مازالت موجودة حتى الآن بأفضل صورة, علماً بأن بقية أوراق المخطوطة عثر عليها في الدير ذاته عام 1975, ومازالت باقية هناك, أما أجزاء لفائف غندارا, التي عثر عليها على شكل مزق, فيعتقد أنها أقدم نص بوذي عثر عليه حتى الآن, كتب على اللحاء المطروق بالخط الخاروستي, ويعد أقدم مخطوط آسيوي معروف. مملكة غندارا قامت فوق ما يعرف الآن بباكستان وأفغانستان, مائة سنة قبل الميلاد, حتى مائتي سنة بعد الميلاد, ويعتقد أن البوذية تسرّبت من هناك للهند والصين وبقية الدول المجاورة.

من المخطوطات النادرة التي تلفت أنظار الزائر المهتم, مخطوطة (أطروحة في الحيوان ومنافعه), لعبيد الله بن بختيشوع, بتكليف من الأمير سعد الدين في بغداد, القرن الحادي عشر ميلادي, وهي واحدة من عدد من الكتب العلمية التي ألفها هذا العالم, تعود المخطوطة للقرن الثالث عشر ميلادي, وهي بذلك ليست النسخة الأصلية, بل مستنسخة عنها, تشرح الأطروحة منافع أجزاء الحيوان كدواء للإنسان, وقد جمعت مادة البحث من أطروحتين: (وصف الحيوانات), وهي ترجمة عربية لكتاب أرسطو, ثم (استخدامات الحيوان) لابن بختيشوع نفسه, لقد اهتم العالم الإسلامي تاريخياً بالحيوان, وانعكس ذلك على الكتابات الأدبية والدينية والقانونية, كذلك اهتم الفلاسفة العرب الأوائل بهذا العلم, وقد كرّس عدد من الكتّاب أنفسهم للكتابة في أوصاف الحيوانات وتصنيفاتها.

أوراق دافنشي

بعيداً عن الحيوان, وفي المجال العلمي, يمكن للمهتم أن يتأمل دفتر ملاحظات العالم الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي, وهي أوراق متفرقة في الأساس, كان كتب عليها أطروحات وأفكاراً وتخطيطات من موضوعات الميكانيك حتى طيران الطيور, جمعت الأوراق بعد وفاته خوفاً عليها من الضياع, وهي تغطي الفترة ما بين 1480-1518.

ومن الوثائق التاريخية الـنـادرة, وثيـقـة (ماغنا كارتا- سنة 1215) التي اعتبرها العالم الناطق بالإنجليزية حجر أساس لمبدأ الحريات, وقد وقع عليها الملك جون الذي حكم في الفترة (1199-1216) بضغوط من خصومه النبلاء للحد من الإجراءات القانونية غير العادلة, وتقييد الحقوق الواسعة التي يتمتع بها الإقطاعيون. ومن الخرائط والأطالس عرضت المكتبة نماذج عدة قديمة, من بينها أطلس ميركاتور, الذي يعد واحداً من أهم إنجازات القرن السادس عشر في هذا المجال.

على مستوى المخطوطات الأدبية, هناك مخطوطة (بيووالف) التي تؤرخ لأقدم قصيدة معروفة مكتوبة باللغة الإنجليزية القديمة, تعود لبدايات القرن الحادي عشـر, وتشكل أول قطعة أدبية إنجليزية عظيمة, أيضاً قصيدة (كوبلا خان) مكتوبة ما بين 1769-1804, وهي من أشهر القصائد في الشعر الإنجليزي, بخط الشاعر صموئيل تايلور كولريدج, الذي أسس مع الشاعر وردزورث تيار الرومانسـية فـي الشعر الإنجليزي. مخطوطة أخرى, هي رواية (جين إير) بخـط كاتبتها شارلوت برونتي, وتعود للعام 7481, دفتر خاص بالشاعر جون ميلتـون, ضمنه تعليقاته على قراءات شـعـريـة لغيره من الشعراء, يعتقـد أن الكتـابات تعود للفترة ما بين 1774-1608م. ولأنه لابد من شكسبير حيثما التفت المرء في بريطانيا, يعرض المعرض الخاص بالمخطـوطات الثميـنة نسخـة من الطبعة الأولى لأعمال شكسبير الكاملة, في الكوميديا والتراجيديا والمسرحيات التاريخية, والتي طبعت العام 1623, بعد سبع سنوات على وفاته.

تصدّر الكتاب بورتريه لشكسبير, وهو من الحفر للفنان مارتن دروشاوت.

في الموسيقى, يتضمن معرض كنوز المكتبة البريطانية نوتات أصلية لمؤلفات كبار الموسيقيين في العالم بخطوطهم: مسودة نوتة (مسيّة) التي تعد أشهر مؤلفات جورج فريدريك هاندل, كتبها العام 1741, كتالوج شخصي لنوتات أعمال كتبها موزارت في السنوات السبع الأخيرة من حياته, ويلاحظ الدقة الشديدة في إعطاء التفاصيل على يسار الكتالوج, مما يندر أن نجده عند مؤلف موسيقي آخر.

المكتبة الوطنية: مقتنيات جامعي القطع الأثرية

تأسست المكتبة الوطنية البريطانية عام 1973, كنتيجة لقرار من البرلمان, الذي جمع جهات عدة معنية بخدمات مشابهة في مكان واحد, من هذه, أقسام المكتبات في المتحف البريطاني, المكتبة المركزية والمكتبة البريطانيـة للعـلـوم والتكنولوجيا, إلا أن موقع المكتبة استمـر متفرّقاً على جهات عدة من بينها المتحف البريطاني, حتـى تم أخيراً بناء موقع خاص بها في منطـقة سانت بانكراس, انتقلت إليه المكتبة موفرة المـزيد من غرف القراءة للباحثـين, والتقنيـات الحديثة المتطورة لحفظ الوثائق والمخطوطات النادرة التي تملكها.

وإذا بدا للمتابع أن تاريخ المكتبة قصير زمنياً, فإن مقتنياتها تعود إلى ثلاث ألفيات من الزمن, مغطية حضارات وثقافات عالمية مختلفة, يرى الزائر نماذج مثل (دايموند سوترا) أول كتاب مطبوع في العالم طباعة يدوية في الصين, وأول كتاب مطبوع طباعة حديثة بمطبعة جوتنبيرج في القرن الخامس عشر بألمانيا, وهو الكتاب المقدس, إنها مقتنيات تتجاوز الكتابة بمعناها التقليدي لتشمل النوتات الموسيقية, والطوابع النادرة القديمة التي وصل عددها إلى ستة ملايين طابع, وتتميز المكتبة إضافة لذلك بقسمها الخاص بالصحف, فهي تحتوي على أول نشرة صحفية صدرت العام 1513, حتى صحف اليوم, وتعود معظم مجموعة القرنين السابع عشر والثامن عشر, إلى بائع كتب شهير يدعى جورج تومسون- توفي عام 1666, وشخص آخر يدعى شارلز بيرني توفي 1817, يعد هذا الكنز الصحفي مرجعية مهمة للخبر الصحفي البريطـاني الذي نشر في صحيفة أسبوعية أو يومية, طوال القرون الماضية, إلا أن الثروة الصحفية تتجاوز حدود بريطانيا, وتقدم مجموعات مهمة من صحافة العالم.

إن تاريخ تأسيس المكتبة الأساسي, يرتبط بتاريخ تأسيس المتحف البريطاني, وكان قانون برلماني قد صدر عام 1753, لاحتواء المجموعات النادرة التي تركها السير هانس سلون, وكان هذا الأخير قد توفي في العام نفسه, مع وصية أن تعرض للعامة مقابل عشرين ألف جنيه.

كانت تلك التركة حجر الأساس للمتحف, تضمنت القطع الأثرية والتحفية والمخطوطات, إضافة إلى اللوحات والقطع النقدية, وقد عيّنت الحكومة آنذاك واحداً وأربعين مسئولاً للإشراف على تسيير أمور المتحف, وتسهيل عرض مقتنياته للعامة. وفي العام 1753 وافق البرلمان على شراء تركة السير روبرت كوتون مقابل عشرة آلاف جنيه, ثم تركة روبرت هارلي إيرل أوف أكسفورد من المقتنيات النادرة, ومن بعده تركة ابنه إدوارد. وقد زادت سعة المتحف زيادة كبيرة مع تبرّع الملك جورج الثاني عام 1759 بمقتنياته التي تعود لأربعينيات القرن الخامس عشر. وبذلك فتح الباب للمرة الأولى, للتبرع بمقـتنـيات جامعي التحف والقطع النادرة, بدأ بعدها العديد من الأثرياء يتبرعون بكامل مكتباتهم, أو مجموعاتهم الفنية والأثرية. أما أكبر المجموعات المهداة, فكانت من الملك جورج الرابع الذي تبرّع بمكتبة والده الملك جورج الثالث عام 1823, وقد تكرر نقل المكتبة من موقعها مرات عدة بسبب الزيادة الكبيرة التي بدأت تطرأ عليها, خاصة إنه في العام 1842, صدر قانون يفرض إرسال نسخة من كل مطبوعة بريطانية إلى المكتبة.

مع توسع الإمبراطورية البريطانية, وجدت العديد من المطبوعات من شتى أنحاء العالم طريقها إلى مكتبة المتحف, وراحت مجموعة الكتب والمخطوطات تزداد باطراد, وقد أصدرت المكتبة دليلاً سهّل على المرتادين الراغبين في الاطلاع مهمة البحث عن الكتاب المناسب, ومع انتقالها إلى موقعها الجديد المستقل, نقلت معها ما لا يقل عن اثني عشر مليون مجلد, المكتبة نقلت معها أيضاً أهم خدماتها السابقة, وهي إتاحة الفرصة للباحثين والمختصين للاطلاع على الكتب المطلوبة. ويذكر أن أحد أهم الباحثين الذين ترددوا على المكتبة, هو كارل ماركس, الذي كان يزورها- بالطبع- كقارئ نهم, في الفترة التي انتقل فيها للعيش من ألمانيا في القرن التاسع عشر.

 

غالية قباني

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




منظر عام للمكتبة البريطانية بموقعها الجديد في سان بانكراس





مدخل المكتبة





منحوتة نيوتن، باحة المكتبة البريطانية للفنان السير إدواردو باولوتزي





أول كتاب جمع الأعمال الكاملة لشكسبير صدر بعد وفاته بسبع سنوات 1623م





لفائف غندارا، أقدم مخطوط بوذي





نسخة قرآن تعود لسلطان بيبرس. العصر المملوكي





بيووالف، أقدم قصيدة معروفة الإنجليزية القديمة





كتالوج نوتات موتزارت بخط يده 1784- 1791





خريطة لندن كما وردت في أطلس ميركاتور وهو أهم أنجاز في مجاله في القرن السادس عشر





حتى كتيبات الإرشاد الفني تقدمها المكتبة





حتى كتيبات الإرشاد الفني تقدمها المكتبة