عزيزي القارئ..

عزيزي القارئ..

المكتبة والعالم

عزيزي القارىء

في قصة للكاتب الأرجنتيني العالمي الشهير خورخي لويس بورخس يتكلم عن المكتبة كمرادف للعالم, أرففها وممراتها هي مجازات الدنيا ودروب بيئاتها المختلفة, أما ما يقبع على هذه الأرفف وعلى ضفاف هذه المجازات والدروب فهو ذاكرة الوجود المتراكمة طبقات فوق طبقات, بعضها يعلوه الغبار وبعضها يعروه النسيان, وما من سبيل إلى الولوج في متاهة هذا العالم الا بنفض الغبار وإزاحة النسيان لتتكشف لنا بعض أسرار الوجود ومغازي هذه الأسرار, بل وتنجلي اتجاهات إشارات تحدد سبلاً للمستقبل.

لقد كان هذا الكاتب ـ بورخيس ـ بذاته, مكتبة حية, تتراص في ذاكرته آلاف الكتب, وقد وُصف عن جدارة بأنه كاتب موسوعي الثقافة, وبرغم أنه كان قاصاً من أرفع قصاصي البشرية موهبة فإن قصصه كانت دائما حافلة بقبسات من ثقافته الموسوعية التي كانت الثقافة العربية والإسلامية ركناً مكيناً من أركانها التي طالما عبر بورخيس عن اعتزازه بها, سواء في قصصه أو في أحاديثه. ومن اللافت للانتباه أن بورخيس نفسه قضى ردحاً طويلاً من عمره أميناً للمكتبة الوطنية في بيونس أبريس عاصمة بلاده ـ الأرجنتين.

وعلى ذكر المكتبات الوطنية, فإن هذا العدد يتوقف في استطلاعين منه عند اثنين من هذه المكتبات, إحداهما عربية يتحدث عنها المعنيون بالثقافة في لبنان كجزء بارز من حلم إعادة الإعمار الثقافي في إطار احتفالية لبنان بإعلان بيروت عاصمة للثقافة العربية هذا العام 1999. أما الثانية فهي المكتبة الوطنية في لندن, وهي ليست حلماً بل واقع متحقق ومتطور يرصده الاستطلاع في النص وعبر الصور. هذا الفارق بين حالين من أحوال المكتبات الوطنية يمثل الفارق بين حالين من أحوال الأمم على مشارف الألفية الثالثة التي نطل عليها من شرفة هذا العام الأخير في القرن العشرين.

أمم تحلم بمكتبات وطنية, وأمم ترسخ وتطور مكتباتها الوطنية, بل تحلق بأدائها نحو آفاق الزمن القادم, زمن حصاد ثورة المعلومات والنشر الإلكتروني والاتصالات الفضائية.

وإذا كان لبنان الذي أحرقت نيران حرب السبعة عشر عاماً المريرة مكتبته يقف على تخوم الحلم باستعادتها, مجرد استعادتها, فإن أوضاع المكتبات الوطنية في معظم بلدان عالمنا العربي ليست أحسن حالاً وإن كانت قائمة وموجودة.

فمجرد الوجود لا يعني أكثر من التواجد إن لم تتحدث المكتبة بلغة العصر وتصغى لتطوراته. إن مخازن المكتبات الوطنية العربية مليئة بالكنوز التي تحتاج إلى أكثر من مجرد الحلم لصونها والاستفادة منها. ولعل الحلم بداية الطريق.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات