النسر الرمز والرنك والشعار

النسر الرمز والرنك والشعار

برغم أن الخلافات قد حسم لصالح نسبة النسر إلى السلطان الناصر محمد ـ المملوكي ـ فإن الشواهد التي ظهرت أخيراً بدأت تنتصر إلى رأي جديد لتنسبه إلى صلاح الدين ـ الأيوبي ـ ورغم أن هذه الأسطر تنحاز للرأي الأول ... فإن الحكم النهائي سوف ينتظر إجلاء الحقيقة مع ظهور الجديد بشكل حاسم.

النسر... بفتح النون, وسكون السين والراء, طائر من فصيلة النسريات, حادّ البصر, من أشد الطيور وأرفعها طيراناً, وأقواها جناحاً, تخافه كل الجوارح, له منقار معقوف في طرفه, وله أظفار, لكنه لا يقوى على جمعها وحمل فريسته بها. كنيته أبوالأبرد, الأصبع, أبو مالك, أبو المنهال وأبو يحيى, ويطلق على أنثاه أم قشعم وجمعه نسور وأنسر.

للنسر دور كبير في عالم اليوم, نراه كشعار للدول في أوضاع مختلفة وأشكال متعددة. تم تصويره في تناسق بين جسمه وجناحيه وريشه في أسلوب ينم عن الفخامة والعظمة, وهو أيضاً شعار لبعض رؤساء الدول. ووجود النسر على علم البلاد أو علم الجيش, دلالة على وجود رئيس الدولة في هذا المكان أو ذاك. اتخذته العديد من الشركات الصناعية والتجارية وشركات الطيران في كل أنحاء العالم رمزاً لها ووضعت صورته على منتجاتها.

الرسّامون والمصوّرون والفنانون, رسموه أو صوّروه أو جسّموه في أشكال وأوضاع مختلفة ومتعددة, وأبدعوا في إنتاجه شكلاً ووضعاً, أما الأدباء من كتّاب وشعراء فقد قالوا فيه وعنه ما لم يتيسر لأي طائر آخر, قالوا إنه النسر, والبعض قال إنه الصقر, ووصفوه أحياناً بالرّخْ (بتشديد الراء مع ضمّها وسكون الخاء), ولكن هذه التسمية زالت بسبب أنها خرافية, ولثقلها على اللسان والأذن, واقتصر الخلاف على تسمية- نسر صلاح الدين وصقر قريش- والمقصود بصلاح الدين هو القائد الشهير صاحب النصر العظيم في معركة حطين ضد الصليبيين, أما صقر قريش فهو نسبة إلى عبدالرحمن الداخل- عبدالرحمن بن معاوية بن هشام- وهي تلك الصفة التي أطلقها عليه الخليفة أبو جعفر المنصور بسبب أنه استطاع إقامة وحدة سياسية قوية في الأندلس, في الوقت الذي كان فيه وحيداً وطريداً ومطلوباً للعباسيين للتخلص منه كواحد من الأسرة الأموية.

رغم تقارب شكل النسر والصقر, فإن العامة والخاصة في وطننا العربي يمكنهم بكل دقة التفرقة بينهما في سهولة ويسر. وسواء أكان نسراً أم صقراً أو حتى رُخّاً, فقد رسم سائراً إلى اليمين أو إلى اليسار, وضامّاً لجناحيه أو ناشرهما وصدره في مواجهة الرائي, ورأسه ملتفتة لليمين أو لليسار, وأحياناً برأسين متدابرين, وقد ظهر على القطع الفنية الإسلامية والعمائر والمسكوكات, وخاصة في العصر المملوكي.

وجدت صورة النسر كشعار داخل إطار أو درع الذي اتفق على تسميته باسم الرنك Runk, وقد يكون نسراً متحرراً من هذه الدرع وخاصة في بداية العصر المملوكي, ولكن هناك إشارات فنية ترجع بالنسر إلى ما قبل ذلك العصر.

النسر هو ثاني أهم مجموعة (الرنوك الحيوانية) وخاصة في العصر المملوكي, وهو أمر دفع الأستاذ زكي محمد حسن في (فنون الإسلام) إلى القول- (يعتبر رنك النسر من أكثر الرنوك الحيوانية وروداً على الآثار والتحف الفنية)- وقد نسبه علماء الآثار إلى السلطان الناصر محمد بناء على أدلة ساقها ثلاثة من كبار علماء الآثار الإسلامية ونقاد الفنون.

الدليل الأول: قدّمه لنا يعقوب أرتين Y.Artin الذي نسب النسر إلى الناصر محمد بمميزات عدة عبارة عن جسم وذيل في خط عمودي, وجناحين مفرودين, ومخالب ممتدة نحو طرفي الجناحين, ورأس لليمين أو لليسار, وفي أحـيان أخرى يكـون الرأس مزدوجـا, واحدا يتجه لليمين والآخر يتجه لليسار (متدابرين).

الدليل الثاني:قدّمه البروفيسور ماينكا Michael Meinecke, ويهتم في هذا الدليل بالمخطوط المحفوظ بالمتحف الآسيوي في مدينة ليننجراد (الهرميتاج), حيث وجد على غلاف ذلك المخطوط, رنكا لنسر باسطاً جناحيه ورأسه يتجه لليسار في وسط شكل نجمي, وتحيط به ثماني مناطق نجمية تحتوي على نص كتابي موزع بواقع كلمة واحدة في كل شكل نجمي كالتالي:

(الروض /الزاهر / من سيرة/ مولانا/ السلطان/الملك/ الناصر/عز نصره).

ويتضح من هذا المخطوط أنه يقدم شرحاً للحملة المنتصرة, التي قادها السلطان الملك الناصر محمد, ضد المغول بقيادة كطلوشاه عام 702 الهجري, وفي ضوء هذه العبارات وذلك الحدث, فإن الرنك لابد أن يشير إلى صاحب هذا النصر, وهو القائد العام بطبيعة الحال. وفي حالتنا هذه هو السلطان الملك الناصر محمد, وعندئذ يكون نسر الغلاف هو شعاره.

الدليل الثالث: قدّمه لنا البروفيسور ماير Mayer وقد استند دليله إلى نسر منحوت فوق حوائط أحد أبراج قلعة القاهرة- وهي قلعة صلاح الدين- ولكنه من غير شك, يشير إلى الناصر محمد, بناء على اللوحة التي ينسبها آخرون إلى صلاح الدين الأيوبي, وهو مفقود الرأس الآن, وقد رآه بريش دافن عام 1877م برأسين, وسبق أن وصفه أحد الرحالة الأتراك, إيفيليا شلبي حيث قال: (في قلعة القاهرة يوجد برج مرتفع يواجه باب العزب Azab, وقد أقمت في هذا البرج 7 سنوات 1083/1089هـ. وتحت النافذة في حجرتي بالبرج يوجد تصوير لطائر بارتفاع هامة رجلين ناشراً جناحيه وذي رأسين, وفوق الطائر توجد كتابة من ثلاثة أسطر). وهذا النص يصف لنا بوضوح النسر الذي نحن بصدده, والذي كان في الأصل على البرج المواجه لجامع محمد علي في القلعة, وقد تحطم الجزء الأعلى من هذا البرج في انفجار وقع عام 1824م, أطاح إلى جانب البرج ببعض قصور المماليك في المنطقة, وأعاد محمد علي البناء مرة أخرى. وبالقرب من هذا البرج, توجد كتابة من ثلاثة أسطر تخلّد ذكرى بناء برج على يد الناصر محمد عام 713/714 هـ. وبما أن الكتابة ليست في موقعها الأصلي الآن, فمن المحتمل- إن لم يكن من المرجح- أن كلا من النسر والكتابة كانا يمثلان وحدة متكاملة على هذا البرج, وهو أمر يوحي في هذه الحالة إلى نسبة هذا النسر للناصر محمد.

ومن المعروف أن وجود ذلك النسر في قلعة صلاح الدين كان وراء التسمية الخاطئة بنسر صلاح الدين, وذلك قبل تلك البحوث الدقيقة التي عكست تلك الشهرة في النسب والتسمية (ميشيل ماينكا- الرنوك).

وعلى أي الأحوال, فإن وجود النسر بجوار جامع محمد علي أو أمام برج العزب, فإن المكانين يعتبران في الجزء الجنوبي من القلعة, الذي لا هو من أعمال صلاح الدين ولا من أعمال أخيه العادل, ولكنه بني في عصور متأخرة تعود للعصر المملوكي, وما بعده. وهو أمر يؤكد أن النسر لم يكن موجوداً في عصر صلاح الدين, وإنما يعود إلى عصر الناصر محمد, استناداً إلى النص الذي يخلد ذكرى بناء برج على يد الناصر محمد.

ويبقى عندنا للتدليل على نسبة النسر إلى الناصر محمد تلك الأدلة المادية الموجودة على إشارات الوظائف لأمراء الناصر محمد, وذلك على غرار أمراء السلطان بيبرس. فقد وجدنا إشارات الوظائف موجودة مع النسر, الأمر الذي أمكن نسبتها لأمراء الناصر محمد, ومثال ذلك:

- طقز تامور الحموي: أحد ضباط الناصر محمد ترك لنا كأساً تحمل شعار النسر داخل خرطوشة (درع) مقسّمة إلى منطقتين, وبعض القطع الفنية الأخرى المسجل عليها كتابة تحتوي على عبارة (سيف الدين طقز تامور الساقي الملكي الناصري), وفي قراءة أخرى (طقز تامور أمير المجلس الملكي الناصري).

- قشتامور: استادار طقز تامور أمير مجلس, ترك لنا الكثير من القطع الفنية التي تحمل كل منها رسم نسر, ولكنها لا تحمل أسماء وإن كان يمكن إسنادها لنفس الضابط.

- قرابوغا: الساقي الناصري ترك لنا طبلة محفوظة الآن في كنيسة سان بول. وقد عمل ساقياً للناصر محمد, وهذه الطبلة تحمل شعار النسر سائراً داخل درع دائرية غير مقسمة. ويروي لنا ماينكا أنه تعرّف على ذلك من خلال تصويرة من القرن السادس عشر.

- بعض الأخشاب المزخرفة: المعاد استخدامها في خانقاه شيخو بالقاهرة. تحمل رنكين ذاتي نسرين يحيطان برنك كتابي باسم السلطان الناصر محمد (النسر شعار الناصر محمد في فترتي حكمه الأولى والثانية, والرنك الكتابي هو شعاره في فترة حكمه الثالثة), ومن المعروف أنه حكم فترة طويلة تقترب من نصف قرن (693-741 هـ- 1293-1340م) وتخللت هذه الفترة الطويلة انقطاعات.

- بهادور الحموي: رأس نوية الجمدارية الملكية الناصرية, عليها رسم نسر نشر جناحيه, وقد جاء النسر فوق بقجة داخل خرطوشة (جامة) غير مقسمة, والبقجة هي شعار وظيفة بهادور الحموي, والنسر دليل تبعيته للناصر محمد (البقجة شـعـار يشـير إلى حامل الملابس ويجيء رسمها في شكل هندسي عبارة عن رسم المعين).

- زمزمية: قنينة للحج تعود إلى سقاة الناصر محمد محفوظة في المتحف الوطني السوري بمدينة دمشق, مرسوم عليها كأس يحيط وريدتان وفوق رأس الكأس يوجد رسم نسر ناشراً جناحيه. وواضح أن الكأس دلالة وظيفة الساقي, والنسر دلالة تبعية هذا الساقي للناصر محمد.

- شعار: على قطعة زجاج مستخرجة من حفائر الفسطاط بالقاهرة ومحفوظة الآن بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة, وهو عبارة عن نسر في المنطقة العليا لجامة (خرطوشة) مقسمة إلى ثلاث مناطق, والنسر داخل رسم بقجة.

- شقافة خزفية: محفوظة بالمعهد الشرقي الألماني ببيروت, مرسوم عليها مثل هذا الرنك داخل جامة مدببة من الطرف السفلي. وهذه الشقافة السابق ذكرها وكذلك قطعة الزجاج ثبتا عن طريق النسبة أنهما لأمراء في خدمة السطان الناصر محمد.

- أمدنا كل من روجرز عام 1880 وشارادان عام 1879 برسمين لنسرين أحدهما على رسم سيف وآخر بجانب رسم سيف ودون إطارات, وعثر عليهما بجانب باب النصر بمدينة القاهرة, وهذا الرسم مفقود الآن.

وغير ما ذكر, هناك العديد من القطع الفنية المحفوظة في المتاحف في العالم, ومنها يمكن أن نؤرخ للنماذج مجهولة النسب لعهد السلطان الناصر محمد, وهو تفسير يمكن توظيفه على تركيب رنكي آخر مع إشارات أخرى, وليكن السيف مثلاً إشارة لوظيفة السلحدار.

ومن كل تلك الدلائل, يمكن لنا القول إن النسر الرنكي إنما ينتسب إلى السلطان الناصر محمد, ومن هنا, فكل القطع الفنية حاملة النسر كشعار رنكي, وكذلك النقود يمكن إرجاعها إلى فترتي حكم الناصر محمد الأولى والثانية, حتى تلك الرسوم التي وجدت على المسكوكات التي ظهرت بعد الناصر محمد, وخاصة تلك التي تنتسب إلى ابنه الصالح صالح 1351/1354, وحفيده المنصور محمد الذي تولى 1361/1363, فقد فسّرها العلماء والأثريون على أن ذلك كان تقليداً متبعاً في الأسرة الواحدة, مثل استخدام بركة خان رنك أبيه بيبرس, ومثل وراثة آنوك لرنك جده المنصور قلاون. وقد ثبت لنا ذلك مما أورده لنا ابن تغري بردي والصفوي, وهي الأقوال التي استشهد بها ماير في إثبات صحة نسب النسر والوراثة عن الناصر محمد كرنك وشعار.

وبتكرار صورة النسر على الرنوك, يتأكد لنا أن حالات التكرار بعد الناصر محمد, فإننا نكون أمام رمز سلطاني فقط وليس رنكا. رمز يمثل القوي المنتصر ويشير إلى هزيمة أعدائه. الأمر الذي استهوى خلفاء الناصر محمد, وهم يعلمون أنه بهذا الشعار هزم المغول الألخان وأوقف ذلك الغزو المغولي للدولة المملوكية, واستمر هذا الرمز النسر يظهر على المسكوكات للمنصور محمد ثم الظاهر برقوق والأشرف قايتباي.

نسر صلاح الدين

على الجانب الآخر, فإن التسمية الشائعة بـ (نسر صلاح الدين) تكاد تطغى على تسميته ونسبته إلى الناصر محمد, وهو أمر يوحي بأن صلاح الدين قد اتخذ النسر شعاراً له. وإن كان في ذلك ثمة خلاف كبير, والتحقيق في ذلك يتطلب منا أن نطرح موضوع ظهور النسر على الآثار الإسلامية وفنونها كي تتضح لنا الصورة وتكتمل, ولذلك وجب علينا التأني في الحكم, والدقة في بحث الأسباب والمظاهر والنتائج حتى يجيء حكمنا صحيحاً دقيقاً.

فالمعروف أن الشعارات جاءت للأيوبيين أولاً من الخوارزميين, وهو اقتباس مهم, لأنه يضعنا أمام المصدر الحقيقي لهذه الشعارات (الرنوك), وقد وصل الخوارزميون في الدولة الأيوبية إلى مناصب عليا, مما جعلهم يتخذون شعارات تميز وظائفهم, تماماً مثلما كانوا في البلاد التي هجروها أو نزحوا منها, ولذلك فالأيوبيون لم يبدأوا العمل بهذه الشعارات أيضاً بل سبقهم الأتابكة والسلاجقة والمغول, وإن كان الأيوبيون هم الأصل المباشر لرنوك (شعارات) المماليك, حيث وصلت إلى أقصى ازدهار لها. وهكذا يمكن ترتيب انتقال هذه الشعارات من الخوارزميين إلى الأيوبيين إلى المماليك.وقد تميزت الشعارات الخوارزمية بالسواد, وصنعت لتميّز أصحاب الوظائف العليا في البلاط الخوارزمي ووصلت للأيوبيين من المناطق المجاورة, فمثلاً السلطان السلجوقي كيسخرو الثاني حكم 635/637 الهجري اتخذ شعاراً له الشمس مع الأسد ليدلل على حبّه لزوجته كرجية الأصل, التي يرمز لها في هذا الشعار بالشمس, أما الأسد, فهو شعار شخصي له, وظهر على عملة تم سكّها في عهد المستنصر.

وهذا الاقتباس تعود أهميته إلى كونه يمثل واحدة من مراحل ظهور الرنوك حتى وصلت للمماليك, حيث اضطر الخوارزميون إلى الهجرة من بلادهم في تركستان تحت وطأة الاكتساح المغولي لبلادهم, فهاجروا للغرب حتى وصلوا إلى سوريا, ودخلوا تحت قيادة الملك الصالح نجم الدين أيوب, كما أن تاريخ الخوارزميين متصل من ناحية بالمماليك عندما تزوج بيبرس الصالحي (الظاهر بيبرس فيما بعد- أشهر سلطان مملوكي)- تزوج من ابنة رئيس الخوارزميين بركة خان, كما أن القدس بها نصب تذكاري للخوارزميين والمماليك, كما يجب ألا ننسى أن الصالح نجم الدين أيوب قد استرد القدس من الصليبيين بواسطة جيش أغلبه من الخوارزميين عند نهاية العصر الأيوبي بعد أن كان الملك الكامل قد أعطاها صلحاً للإمبراطور الألماني فردريك.

ورغم أن الرنوك الأيوبية قد اقتصرت على نوعين: أولهما رنوك (شعارات) تمثل القوة والشجاعة خاصة بالسلاطين مثل الأسد والنسر- والنسر استخدمه صلاح الدين فعلاً- وثاني هذه الشعارات هي التي تشير إلى وظائف الأمراء, فمثلاً وجدنا أيبك التركماني الذي عمل جاشنكيرا للملك الصالح نجم الدين- أي متذوقاً للطعام- قد حمل رنكا (شعاراً) عبارة عن شكل منضدة جاءت في الرسم على شكل دائرة عرفت باسم (الخَونْجة) بفتح الخاء والواو والجيم مع سكون النون كشعار لوظيفته. وأيبك هو نفسه الذي صار سلطاناً فيما بعد مصرع توران شاه آخر سلاطين بني أيوب, وبعد أن تزوج من شجرة الدر أرملة السلطان الصالح نجم الدين. ولكن من المهم أن نعرف أن الرنوك لم تكن تلزم الصناع في ذلك الوقت المبكر من العصر المملوكي, كما كان في نهاية العصر الأيوبي في شأن وضعها على كل المقتنيات, وأكثر من ذلك, فإن الأمراء لم يكونوا مهيئين لاتخاذ شعارات خاصة بهم.

وهكذا, فإنه رغم ثبوت نسبة النسر إلى الناصر محمد بالشكل الذي اتضح فيما سبق, فإن تتابع البحوث في هذا الموضوع جعل النسر يعود مرة أخرى إلى الانتساب للعصر الأيوبي وصلاح الدين على وجه الدقة, وفي رأيي أن الموضوع لم ينته بعد, فقد ثبت أيضاً استخدام الحيثيين للنسر كشعار, ومازال البحث مستمراً حتى يثبت بصفة أكيدة ليس من هو الذي استخدمه كشعار, وإنما من هو ذلك الذي استخدمه كشعار لأول مرة.

والرأي

وفي رأيي الشخصي أن النسر قد استخدم كشعار بشكل دقيق ومرتب, وذي معنى وهدف كان للسلطان الملك الناصر محمد المملوكي في فترتي حكمه الأولى والثانية. وقد استخدمه الأمراء الذين في معيته, حيث كان كل منهم يستخدم شعار وظيفته إلى جانب النسر شعار الناصر محمد, أي أنه كان موظفاً كأن يعمل ساقياً للملك الناصر محمد, أو ذائقاً لطعامه (جاشنكيرا), وهكذا, رغم أن كل ذلك لا ينفي استخدام صلاح الدين الأيوبي للنسر, وحتى من كانوا قبل عصره واستخدموا النسر نفسه, وإن لم يكن بالقوة نفسها وبالدقة نفسها.

القاعدة الفنية التي توصل إليها في عصر الناصر محمد أنه صار مثل البصمة لا تخطئ في نسبة كل قطعة فنية تحمل النسر إلى عـصـر الناصـر محمد, ولا يتكرر لغيره, تماماً مثلما يمكن التأريخ لكل القطع الفنية التي تحمل شعار الأسد إلى الظاهر بيبرس.

كتبوا عن النسر

جهد كبير للعلماء عن النسر والرنوك ومدى تبعيته وانتسابه إلى صلاح الدين أو الناصر محمد, تكلم عنه من العرب أحمد عبدالرازق, زكي حسن, محمد مصطفى, حسن الباشا, حسن راشد, فريد شافعي, يعقوب أرتين, أحمد تيمور وعبدالرحمن زكي وغيرهم. ومن المستشرقين كثيرون منهم: لين بول, ماير, ماينكه وماريانو طاراديل. ومن المؤرخين نجد القلقشندي, المقريزي, أبوالفدا, أبوالمحاسن, ابن اياس, النويري وابن خلدون. القائمة طويلة, والموضوع يستحق البحث والدراسة, ليس بصدد انتساب النسر فقط, ولكن حول صورته ورسمه ونحته واستخدامه والأدوات التي أخرج تنفيذاً عليها, سواء أكانت فخاراً أو معادن أو أخشاباً أو حصى, أو غير ذلك, وأماكن استخدامه في العمائر المختلفة والأسوار وغير ذلك كثير وطويل, ولا يمكن إغفال ذلك الجهد الفائق الذي بذله عبدالرحيم إبراهيم في مؤلفه الضخم (فن الرنوك في عصر المماليك).

 

عبدالغني عبدالله

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




النسر كشعار على معدن





النسر كشعار دولة





صقر قريش





النسر كشعار دولة





قطعة فخار عليها نسر براسين





النسر كشعار شركة