طرائف عربية

طرائف عربية

زاد من الدنيا وزاد من الدين
الأسماء والقيمة

صاد أعرابي سنوراً فلم يعرفه, وكان لغرابة شكله دهشة في نفس الأعرابي, فظن أنه اصطاد حيواناً غريباً قد يدر عليه من المال الكثير.

وحين قابل رجلا قال له: ما هذا السنور?

ولقي آخر قال له: ما هذا الهر? ثم قابل آخر فقال: ما هذا القط?, ثم لقي آخر, فقال: ما هذا الخيطل?, ثم لقي آخر فقال: ما هذا الدُم?

فرح الرجل بصيده وحمله قائلاً: أحمله وأبيعه لعل الله تعالى يجعل لي منه مالاً كثيراً, وحين حضر إلى السوق قيل له: بكم هذا?

فشد الرجل من قامته, وأغلظ صوته باعتباره صاحب الصيد الثمين, وقال:

- هذا بمائة.

فضحكوا منه وقالوا له: يالك من أحمق, هذا لا يساوي إلا نصف درهم.

عند ذلك رمى به الرجل صارخاً في وجه الحيوان:

لعنك الله ما أكثر أسماءك وأقل ثمنك!

النحوي يقبض الروح

اعتل رجل, وأشرف على الموت, فاجتمع حوله أولاده في وداع أخير إلا أحد أبنائه, وكان دارساً للنحو يتقعّر في الكلام, ويفتعل الكلمات.

قال أولاده: ندعو لك أخانا?

فقال الرجل: لا تدعوه, إن جاء قتلني بنحوه ولفظه وتقعّره وأنا بين يدي ملاك الموت, فارحموني منه يرحمكم الله.

فقالوا: يا أبانا, نحن نوصيه ألا يتكلم ويجلس في حضرتك صامتاً, مؤدباً, لا يفتح فمه بحرف. ولما دعوه, دخل على أبيه فقال معاجلاً: يا أبت, قل لا إله إلا الله تدخل الجنة وتفوز من النار, يا أبت, والله ما شغلني عنك إلا فلان, فإنه دعاني بالأمس, فأهرس وأعدس واستبذج وسكيج وطهيج وأفرج ودجج وأبصل وأمضر ولوزج وافلوزج.

فصاح أبوه, وقد ضاق صدره منه: غمّضوني, فقد سبق هذا ملك الموت إلى قبض روحي.

اللسان ستر الإنسان

اجتمع قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي, فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب?

فأجابه:

- هي أكثر من أن تحصر, وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلها.

قال: وما هي?

قال: حفظ اللسان.

الصبية والفطيرة الطيبة

الحجاج بن يوسف لا يعدم في بعض الأحيان المزاح والسعي للترويح عن نفسه, واختلاق مواقف تبدو في كل أحوالها باعثة على الضحك رغم جانبها المأسوي.

بمجلسه العامر بالشعراء وأهل العلم والمنافقين واللائذين بسلطانه, حضر أعرابي قادماً من سفر طويل عبر صحراء لا تنتهي, وكان جائعاً حتى الموت.

قدم الحجاج للرجل فطيراً طيباً معجوناً بالسمن ومحشوّاً بالفستق والبندق والجوز والزبيب, فلما أكل الأعرابي منه قليلاً استطعمه وتذوّق لذّته, وانغمس يقطع اللقيمات كأنها آخر زاده, وعندما رأى الحجاج استغراق الرجل في الأكل قال الحجاج: من أكل هذا ضربت عنقه, فامتنع كل من يأكل, وتردد الأعرابي, وأخذ ينظر مرة إلى الحجاج ومرة إلى الفطير, وحينما انهارت مقاومته قال للحجاج:

- أوصيك أيها الأمير بابنتي خيراً. وهمّ يأكل لا يلوي على شيء.

فضحك الحجاج حتى استلقى على ظهره, وأمر له بعطية.

زاد إلى دار البقاء

قال بعضهم لحاتم الأصم: يا حاتم, بلغنا أنك تقطع الصحارى والقفار على شدّتهما من غير زاد?

فقال حاتم: بل أقطعها بزاد لا يفنى ولا ينتهي, وزادي أربعة أشياء.

قال: وما هي?

قال: أرى الدنيا كلها ملكاً لله, وأرى الخلق كلهم عباد الله وعياله, والأرزاق والأسباب بيد الله, وأرى قضاء الله نافذاً في كل أرض الله.

فقال الرجل, وقد اشتد ولعه بحاتم:

- نعم الزاد زادك يا حاتم, والله إنك تقطع بزادك هذا الطريق إلى الآخرة وهو زاد في طريق الخالدين فنعم الزاد زادك.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات