إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

مزرعة التماسيح

قرأت الخبر, وقلت لعله عن التماسيح, فالخبر يقول إن أفضل تجارة رائجة في هذا الزمن هي التجارة بجلود التماسيح, حيث يصل سعر المتر منه إلى 200 دولار أمريكي. وبعد تقطيعه وتحويله إلى حقائب نسائية وأحذية, فإن هذا الجلد يباع بالسنتيمتر وليس بالمتر, ولكن التجارة بجلود التماسيح تخضع لقيود كثيرة حول نوع التمساح, وعمره وزمان ومكان صيده, كما تفرض ضرائب عالية على المتاجرين به, وهو ما فتح المجال واسعاً أمام التجارة غير الشرعية به, يعني أن الصياد بالهند يطلق النار على التمساح, ويسلخه ويحمل جلده ليبيعه في السوق السوداء من دون تعقيدات ولا مشاكل ومع الكثير من الأرباح.

ولكن هذا الذبح غير الشرعي في طريقه إلى الانقراض ليس لأن التماسيح تنقرض, بل على العكس تماماً, لأنها تتوالد في الهند بمعدل يفوق الولادات البشرية في كل عام, وهي بالملايين, إذ إن المزرعة التي خصصتها إدارة حماية البيئة في الهند للتماسيح حفاظاً على نسلها, باتت تشكو من أنها لم تعد تجد مكاناً لأي مولود جديد من التماسيح, فقد ارتفع العدد خلال أقل من خمس سنوات من عشـرين تمساحاً إلى ما يزيد على ثمانية آلاف و35 تمساحاً, فماذا تفعل المزرعة بها?

المسئولون عن المزرعة قالوا: إن الفقراء لا يهتمون كثيراً بالبيئة, فهم جياع وسوف يتابعون قتل التماسيح والتجارة بجلودها, فلماذا إذن لا نوفر لهم دوافع فردية لتربيتها في مزارع, تماماً كما الدجاج, فيذبحون بعضها ويستفيدون من جلودها, هل يخاف أحد على الدجاج من أن ينقرض?

الدوافع الفردية هذه مهمة لأنها تعني تخصيص التماسيح, أي تحويلها إلى قطاع خاص يرعاها ويستفيد منها, وربما يسعى إلى تحسين نسلها, بدل أن تصرف الدولة عليها من دون أن تستفيد منها, ومَن يهتم إذا انقرضت التماسيح في نهاية المطاف?

وبصراحة, فإن الفكرة عبقرية, فالتماسيح لا تتوالد بكثرة في الهند وحدها, بل في العالم الثالث كله عموماً, حتى في البلدان التي لا تتوافر فيها المياه, لأن المستنقـعـات الاصطناعية فيها صارت عامة, وهي تشكل بيئة صالحة لتربية التماسيح, وبدلاً من أن يصـرف المواطن من جيبه لتربية هذه التماسيح والحفاظ على نسلها, لنترك التماسيح تصرف على نفسها لبقاء ذريتها, فترفع شعار: اشتر حذاء تنقذ تمساحاً!

أنا شخصياً مقتنع بالفكرة, وربما هناك كثيرون مقتنعون مثلي, ولكن المشكلة هي: مَن يقنع التماسيح بأن تدفع ثمن بقائها من جلودها وليس من جلودنا?

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات