نحاتو العالم في أسوان

نحاتو العالم في أسوان

خلال شهر أبريل الماضي، شهدت مصر حدثين مهمين، الحدث الأول بعنوان "مصر في قلب الكويت" جرت فعالياته بالقاهرة تحت رعاية السيدة سوزان مبارك وبحضور كل من وزير الثقافة المصري فاروق حسني ووزير الإعلام الكويتي السابق السيد يوسف محمد السميط والوفد المرافق له، حيث تنوّعت فعاليات الحدث الثقافي الكويتي الرائع في مجموعة معارض وأنشطة مختلفة، منها معرض "كنوز من الكويت" بحضور رئيسة دار الآثار الإسلامية بالكويت الشيخة حصة صباح السالم الصباح، وافتتح بمتحف محمد محمود خليل وحرمه، ومن هذه الفعاليات أيضاً: الندوة التي أقيمت بمكتبة مبارك وحاضر فيها رئيس مركز الدراسات والبحوث الكويتية د. عبدالله الغنيم وصاحبها معرض للصور الفوتوغرافية حول الكويت الآن، وافتتح بدار الأوبرا معرض كبير لفناني الكويت وإبداعاتهم في الفنون التشكيلية مع حفل موسيقي لأوركسترا الكويت بقيادة صالح حمدان، بعد هذه الاحتفالية الحميمة لدولة الكويت، انتقل فاروق حسني وزير الثقافة المصري وضيوفه، وعلى رأسهم وزير الإعلام الكويتي السابق السيد يوسف محمد السميط إلى أجمل مدن جنوب مصر، إلى أسوان للمشاركة في الحفل الختامي للدورة الرابعة لملتقى النحت الدولي، وهكذا أصبحت مصر والكويت في قلب أسوان، في موعد نتمنى أن يتكرر دائماً كل عام في أسوان التي ترقد فوق ثروة من أحجار الجرانيت الصلبة التي أبدع فيها الفراعنة أعظم وأهم منحوتاتهم ومعابدهم، لتصبح هذه المدينة الجميلة مركزاً عالمياً لفن النحت.

سيمبوزيوم النحت الدولي بأسوان تنظمه وزارة الثقافة المصرية بإشراف صندوق التنمية الثقافية وتحت رعاية محافظ أسوان وبدعم كبير من رجال الأعمال بالمدينة خاصة قطاع المحاجر الذي خصص بعضها كورش للفنانين تحت إشراف الفنان المصري العالمي الكبير آدم حنين ومعه الفنان القدير صلاح مرعي.

القيمة والأسلوب

يقول آدم حنين عن الدورة الجديدة: "بعد مرور ثلاث سنوات من عمر السيمبوزيوم، كان لابد أن تتسع الرؤية الفنية الموجودة منه، فلم يعد الأمر مقصوراً على جيل فني واحد، وإنما يتحاور في هذا العام فنانون من أعمار متفاوتة بحيث يعمل نحات شاب بجانب أستاذه، ولا يقتصر الأمر على تجاور الأعمال الفنية المتفاوتة فقط، وإنما على تجاور الاتجاهات الفنية المختلفة والتي تعمل بشكل منسجم متوازن، فهذا العام لا يقتصر على وجهة نظر أوربية فقط كما حدث من قبل، وإنما توجد الصين واليابان والهند والكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية وبيرو، ومن البلاد العربية لبنان ومصر، وكذلك فرنسا وتشيكوسلوفاكيا. هذه التعددية في جذور الفنانين تضفي تعددية في الأسلوب لا تطغى على القيمة، كما أن بيئة أسوان بسحرها وعبقها التاريخي تضفي بعداً آخر على هذه الأعمال".

وقد شارك في الدورة الرابعة المستمرة حتى نهاية أبريل 1999، خمسة عشر فناناً من أنحاء العالم مع استضافة للناقدين اللبنانيين أسعد عرابي وسيزار غور في ندوة أقيمت بمكتبة مبارك العامة بالقاهرة، أعيد تقديمها في متحف النوبة بأسوان، كما استضاف السيمبوزيوم معرضاً للفنانة الصينية الرقيقة صن ين من والتي سجلت بريشتها البارعة بعض ملامح البيئة والناس بأسوان، وكذلك معرض فوتوغرافيا للمصور المصري موسى محمود بعنوان "صمت مليء بالذكريات" سجل فيه مراحل الإبداع المختلفة لفناني النحت، ونشرت كثير من هذه الصور في النشرة الأسبوعية التي كان يصدرها الصحفي محمود دياب لمتابعة أحداث هذا الملتقى الدولي المهم.

الجديد في سيمبوزيوم النحت الدولي بأسوان في هذا العام وجود ضيفي شرف هما الفنان المصري صبحي جرجس والفنان الفرنسي جان بول فيليب، وقد اهتم المسئولون بدعوتهما لتحقيق عملين ميدانيين ضخمين يتم وضعهما في أماكن عامة حتى تكون فعاليات السيمبوزيوم أوسع انتشاراً.

ويعلق الناقد الفني اللبناني سيزار غور وهو صاحب المؤلف المهم عن تاريخ النحت في لبنان الذي أصدرته دار الفنون الجميلة ببيروت عام 1990 حيث يقول: "أعترف بأني دهشت في زيارتي الأولى لسيمبوزيوم أسوان هذا العام، دهشت حتماً من قيمته، أما بالنسبة لمستوى السيمبوزيوم فأعتقد أنه جيد جداً، بالطبع هناك تفاوت في مستوى الأعمال المنجزة من الجهة الجمالية أو التشكيلية، لكن إجمالاً المستوى جيد جداً خصوصاً بالقياس إلى السيمبوزيومات الأخرى، كما أنه ممتاز من جهة تطور الأعمال الفنية، وهو وإن كانت بدايته متواضعة في دورته الأولى، إلا أنه بدأ يتطور بشكل صحي جداً، ولم يأت بقفزة كبيرة، فهو ينمو بشكل جد طبيعي، وأشعر بأنه هذا العام قد بلغ سن الرشد وينطلق بخطوات كبيرة، لكنها راسخة، وأعتقد أن تحديد السيمبوزيوم بمادة الجرانيت هو أمر منحه خصوصية يتناسب مع كونه يقام في مدينة أسوان".

وقد شارك من مصر ثلاثة فنانين شباب سبق مشاركتهم على هامش الدورة السابقة، ونتمنى أن نرى في الدورات القادمة مشاركة لبعض شيوخ النحت على الأحجار الصلبة في مصر مع الشباب لإثراء التجربة النحتية المصرية التي تعد بمنزلة يقظة حقيقية للنحت المصري الحديث، خاصة أن كثيراً من شيوخ النحت في مصر يحلمون هم أيضاً بتحقيق منحوتات ميدانية من الجرانيت قبل أن يطويهم العمر.

المصريون الثلاثة في هذه الدورة هم: الفنان عصام درويش والفنان قاهان تلبيان والفنان محمد رضوان.

من كل العالم

من الهند شارك الفنان باليير سنج كات (1939)- ويشغل حالياً منصب أستاذ فن النحت وعميد كلية الفنون البصرية في جامعة باناراس بالهند، ونفذ دائرة ضخمة من الجرانيت يتوسطها فراغ دائري محاط بخطوط رأسية وملامس مختلفة.

ومثل الصين فنانان، الأول جو دي ماو (1948)- يشغل حالياً منصب رئيس قسم الإبداع والبحوث في معهد شانكري للنحت بالصين، ونفذ في أسوان عملين أشبه بالمسلة الصغيرة يخرج من جوانبها بروازات مربعة بطابع صيني.

والفنان الثاني وانج هونج ليانج (1935)- ويعمل في أكاديمية لوكزون، وقد اختار ثلاث كتل جرانيتية من الطبيعة، ووضع بعض لمساته الخفيفة عليها، ثم حفر توقيعه بشكل لافت للنظر، ورفع هذه الكتل على تشكيلات خشبية.

من اليابان حضر الفنان الشاب ماسانوري سوجيساكي (1962)- وقدم عملاً جريئاً بواسطة ثلاث كتل جرانيتية يمثل بوابة ضخمة طقوسية.

الفنان مارتين سالزار (1964)- يمثل بيرو، ولكنه يعيش في باريس وله مشاركات دولية كثيرة في مجال النحت، ونفّذ عملاً نحتياً له الطابع الأسطوري.

أما الأمريكي جيزوس بوتيستا موروللوس (1950)- والذي أعلن أن فرض موضوع على الفنانين هو أسوأ شيء ممكن أن يحدث في سيمبوزيوم النحت بأسوان، هذا الفنان الذي حضر وكأنه مؤسسة كاملة شارك في أكثر من 120 معرضاً في أنحاء العالم، اختار قطعة جرانيت ضخمة أشبه بورقة الشجر وخدشها بخطوط منحنية متقاطعة وانصرف.

من تشيكوسلوفاكيا حضر الفنان جان كوبلازا (1932)- الذي قام بقطع مثلث في إحدى زوايا كتلة جرانيتية مستطيلة ومصقولة، في عمل من أبسط المنحوتات التي نفذت والتي تنتمي إلى منهج العمارة النحتية أكثر من انتمائها لفن النحت.

ومن الكونغو الديمقراطية، نفذ الفنان كاماندا ناتومبا مولمبو (1956)-عملين، أحدهما به استطالة رأسية وبروزات نصف كروية، والآخر أشبه بنصف دائرة ضخمة أمامها كرة جرانيتية صريحة، وكاماندا من كبار نحّاتي الكونغو، وكانت شكواه الأساسية هي ضيق الوقت.

فرنسي آخر حضر غير ضيف الشرف- جون بول نيليت- وهو الفنان الكبير مارسل بيتيت (1926)- الذي مازال يعمل في كتلة جرانيتية ضخمة خشنة الملمس، يبرز منها شكل معماري مصقول وكأنه يعيد صياغة واجهة معبدرمسيس الثاني القريب من أسوان ولكن برؤية معاصرة.

في هذه الدورة مثل الدول العربية الفنانة اللبنانية القديرة ندا رعد (1943)- التي بهرت الجميع بأجمل عمل نحتي أنجزته في وقت قياسي وعادت فوراً إلى بلدها، اختارت ندا كتلة من الجرانيت أشبه بعمود ضخم وفي منتصفه شكّلت بإزميلها شكلاً عضوياً شديد الثراء والحركة وكأنه كائن حي يحاول التخلص من قيود الجرانيت وثقله والتي حبس داخلها عبر الزمن عمل بسيط ومعبر.

وكنت أود لو أن السيمبوزيوم استضاف عدداً أكبر من الفنانين العرب كالفنان الكويتي الكبير سامي محمد وهو واحد من أبرع النحّاتين في عالمنا العربي المعاصر وله تجارب رائعة في النحت على الأحجار الصلبة وغيره من كبار نحّاتي المشرق والمغرب العربي، وفي هذا أعلن آدم حنين قومسير عام هذا الملتقى الدولي: "نحن مهتمون بمشاركة الدول العربية في السيمبوزيوم، لكن- مع الأسف- نحّاتي الجرانيت في العالم العربي قليلون جداً، ومنذ أول دورة شارك ثلاثة نحّاتين من لبنان وواحد من الجزائر، والمشكلة ذاتها تواجهنا مع الفنانين الأفارقة".

شباب مصر المشاركون في هذه الدورة قدّموا أعمالاً لاتخرج عن الرؤية المعاصرة لفناني الدول المشاركة، ولم يستفيدوا كثيراً من تراث بلدهم، وغلبت الحداثة والتجريد على أعمالهم.

الجرانيت يتكلم

الفنان محمد رضوان (1970)- قام بتفتيت الكتلة الجرانيتية يقول: "منحوتتي مكوّنة من أربع قطع جرانيت. منها اثنتان بشكل رأسي واثنتان بشكل أفقي، جمعتها معاً في تناسق ليعطي شكل إنسان جالس القرفصاء".

والحقيقة أن هذا الشكل الإنساني لا يلمحه المشاهد مطلقاً في هذا العمل التركيبي الذي تحدى به ثقل وطبيعة الخامة الجرانيتية فرفعها في الهواء.

الفنان عصام درويش (1970) فعل عكس زميله ونفذ تفصيلة عملاقة من الجسد الإنساني "منطقة البطن" من ثلاث كتل مترابطة معاً بثقلها بالأرض، وأظهر بعض التفاصيل والظلال لجماليات العمل.

الفنان قاهان تلبيان- وهو أرمني الأصل، جمع بين الاثنين.. فنفذ شكلا ضخما ثابتا من قاعدته بالأرض، وسابحا بكتلته في الفضاء، فيما يشبه عين إنسان ضخمة تتوسطها دائرة كبيرة مصقولة وبعض الثقوب هنا وهناك كان مساعده الأسواني يملأها بالورود الحمراء حتى تراها حبيبته التي تمر عليه كل يوم.

المثال المصري الكبير محمود مرسي والذي حال مرضه دون حضوره (86 عاماً) يعلن دائماً أنه لا أحد يعرف قيمة النحت المصري القديم المنفذ في خامة الجرانيت إلا من تعامل مع هذه، وهو شخصياً واحد من القلائل في العالم الذي تعامل في الجرانيت عبر خمسين عاماً من عمره.

كل المنحوتات في هذه الدورة والدورات السابقة تنحو نحو التجريد وهي أعمال أفكار وليست أعمالا نحتية بالمفهوم الأكاديمي، لذلك فإن مشكلة تحريم النحت والأعمال المجسّمة لم تطرح هنا وإنما طرحت إشكالية اختيار الفنانين والتي أجاب عنها الفنان صلاح مرعي: "كل سيمبوزيوم في العالم له قومسير مهمته اختبار الفنانين المشاركين، وهذه المهمة موكلة إلى الفنان آدم حنين الذي يظل طوال العام يجمع معلومات عن الفنانين في العالم، وقبل بدء السيمبوزيوم بثلاثة أشهر، تعرض أسماء الفنانين وأعمالهم على اللجنة العليا التي توافق أو ترفض".

وأجمل ما في سيمبوزيوم النحت الدولي بأسوان هو اعتماد الفنانين المشاركين على مساعدين من أبناء المدينة يعملون على إنجاز ما يخططه الفنان لهم في إزالة الكتل غير المرغوب فيها في كتلة الجرانيت أو تهذيبها، وقد برع هؤلاء المساعدون، وأثبتوا أن الإنسان المصري فنان بالفطرة عبر تاريخه كله، ومازال كامناً في وجدانه قوة العمل والإبداع، وقد تقرر اختيار اثنين من هؤلاء المساعدين للمشاركة في الدورة القادمة، والأجمل أن الفنان آدم حنين دفع محافظ أسوان اللواء صلاح مصباح إلى تنفيذ عمل نحتي بالجرانيت، وكان السيمبوزيوم في دورته السابقة قد استضاف مجموعة من الفنانين التلقائيين من أسوان قاموا بتنفيذ مجموعة نحتية كبيرة على الأحجار الرملية، ومازالت ملقاة في ساحة ورشة السيمبوزيوم المحصورة بين فندق نسمة المقر الرسمي لهذا الملتقى الدولي، ومتحف النوبة أحدث وأجمل متاحف مصر.

وقد أوضح الناقد اللبناني أسعد عرابي أن "سيمبوزيوم أسوان مشروع حداثي جداً ومستقبلي لأنه يعيد النحت إلى مختبره في حيز الطبيعة، وأكثر من ذلك يضع المادة التي نُحتت فيها الذاكرة المصرية القديمة في حيّز المعيشة اليومية، كما أن مستوى النتائج الفنية يؤكد على النظرة بعيدة المدى في تأسيسه- هذه النظرة ليست إعلامية، وهذا أمر يدل على طهارة وشفافية، فالسائد اليوم أن التظاهرة الثقافية يكون جانب كبير منها إعلاميا، ووجود هذا الملتقى الدولي في مصر مع مشاركة كل هذه الخبرات الأجنبية الكبيرة في النحت المباشر على الحجر يمنح فرصة ذهبية للنحّات المصري لكي يطلع على تقنيات وحساسيات المحترفات النحتية الموزعة في العالم، فالسيمبوزيوم هو حضن طبيعي لهذا التبادل الشمولي الجد نظيف، الجد نبيل، الذي يرجع ليعود بمصر إلى موقعها الطبيعي في العالم من ناحية التعبير التشكيلي في النحت".

وتعود فكرة هذا السيمبوزيوم المصري العالمي لفن النحت على الأحجار الجرانيتية إلى الفنان وزير الثقافة فاروق حسني والفنان الكبير آدم حنين في لقاء لهما بباريس في أواخر السبعينيات حين حلما معاً بإحياء المجد المصري القديم كبلد للنحت والعمارة، واختيار أسوان ومحاجر الجرانيت لتحقيق الحلم الذي تحقق فعلاً عبر أربع سنوات شارك في دوراته 52 نحاتاً من مختلف أنحاء العالم، قدموا 59 عملاً نحتياً خصص لها متحف مفتوح يطل على بحيرة ناصر "السد العالي" هذا المتحف الذي أصبح محل عناية منظمة اليونسكو العالمية لتحويله إلى أكبر متحف مفتوح لفن النحت في الأحجار الصلبة وسيلحق به قرية للفنانين وورش فنية للإقامة والعمل معظم شهور الشتاء.

وعن هذا المتحف المفتوح، كتب آدم حنين في نشرة السيمبوزيوم تحت عنوان "هكذا يتحدث الحجر" هذه السطور الجميلة: "في طريق الشلال، مطلاً على البحيرة القديمة، المحصورة بين خزان أسوان والسد العالي، يقع هذا المتحف في سينوغرافيا بديعة، السماء هي أرضية الأعمال الجرانيتية المنحوتة، والتناقض المبدع بين المساحات الخضراء والصحراء القاسية يبدو في خلفية المتحف في تناسق جميل.

في هذا المتحف، تقف الأعمال التي حصرها السيمبوزيوم في الأعوام الماضية إلى جانب الصخور الطبيعية الموجودة بالمتحف والتي لم تُمس، لتتعايش في سلام مع هذه المنحوتات الحديثة، بل وتعمل إلى درجة كبيرة على استيعابها وتوحّدها.

وفكرة المتحف المفتوح في الواقع هي نزهة أو جولة في عالم الجرانيت المنحوت سواء بالعوامل الطبيعية كالرياح والحرارة والضغط.. إلخ، أو المنحوتات القديمة أيام الفراعنة، وهي أعمال غير مكتملة بالإضافة إلى أعمال فنانين من هذا القرن، من مختلف أنحاء الأرض.

هذا المتحف يعد نفسه بنفسه، إذ أنه كل عام يستقبل ضيوفاً جدداً يصنعهم صنّاعهم من فناني السيمبوزيوم فيزداد عدد الأعمال في المتحف، ولذا فإنه سيظل في مرحلة اكتمال عاماً بعد عام، ويمكن أن يظهر في صورته المكتملة بعد خمس سنوات".

ولكن من المؤكد اتفاق المسئولين على توزيع بعض هذه المنحوتات على ميادين عواصم المحافظات في مصر ليعود الحس الجمالي إلى الشارع المصري من جديد، كما حدث في كثير من المدن العربية أخيراً.

الحفل الختامي

نأتي إلى الحفل الختامي الذي أشرف عليه ونظّمه الفنان القدير صلاح مرعي، والذي قدّمه في تجربة جريئة ولأول مرة، وبحضور مسئولين على مستوى رفيع قدّمه في إحدى قرى أسوان البسيطة والتي تبعد ثمانية كيلومترات عن المدينة واسمها قرية بهاء الريف، وينطقونها هنا "بهاريف" وعلى ضوء الشموع في أزقة القرية البيضاء وعلى صوت زغاريد النساء وفرحة الرجال دخل إلى ساحة القرية وزير الثقافة المصري فاروق حسني ووزير الإعلام الكويتي السابق السيد يوسف محمد السميط والوفد الكويتي وضيوف وفنانو السيمبوزيوم لحضور هذا الحفل الجميل حيث قدم أهالي القرية أغانيهم ورقصاتهم الشعبية الحميمة والأصيلة كأصالة المدينة وأحجارها الصلبة العريقة، وتم توزيع شهادات المشاركة والتكريم في هذا الحفل الرائع وسط بيئة شعبية تشهد حدثاً ثقافياً لن تنساه مطلقاً، وقد تقرر إقامة مكتبة كبيرة في هذه القرية في ذكرى هذه المناسبة.

* * *

وأخيراً، يظل السؤال الكبير قائماً، ماذا قدم فنانو العالم، وما قيمة إبداعاتهم من الناحية الجمالية شكلاً ومضموناً، ومدى مصداقيتها مع خامة الجرانيت واتساقها مع طبيعة أسوان وتاريخها العريق، لقد اتضح أن بعض الفنانين المشاركين قام بتكرار أعمال سبق له تنفيذها، كما أن بعض الأعمال يمكن تحقيقها بواسطة خامات أخرى أقل صلابة من الجرانيت كالحجر الرمل أو الأخشاب أو المعادن، وقليل من الفنانين من استلهم المكان والزمان والتشكيلات الجرانيتية الطبيعية الرائعة التي تحيط بهم وتشكّل إيحاءات نحتية استلهمها الفنان المصري القديم في منحوتاته، والتي جاءت متسقة ومتعايشة مع الطبيعة المحيطة بها.

الإجابة عن هذا السؤال ستتحقق مع مرور السنين واستمرار فعاليات هذا السيمبوزيوم والنمو الطبيعي للمتحف المفتوح، ويكفي مدينة أسوان أنها دخلت الآن في نطاق السياحة الفنية البحتة، حيث يأتيها وسيأتي إليها فيما بعد فنانو النحت من كل أنحاء العالم لتصبح مدينة النحت في مصر ومتحف العالم المفتوح لهذا الفن الذي يستعيد مكانته والعالم على أبواب القرن الواحد والعشرين، فإن أعظم ما في فن النحت جرأته على الطبيعة، إذ إنه ليس كالرسم يحاول محاكاتها، ولا كالشعر يتحدث عنها، وليس كالتصوير يبرزها، ولا كالسينما يسجلها، إنما هو تعامل مباشر مع هذه الطبيعة، يتجرأ عليها ويغير من ملامحها ويخلدها.

 

 

عصمت داوستاشي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات