سبـزآباد: ورجال الدولة البهية

سبـزآباد: ورجال الدولة البهية

قصة السيطرة البريطانية على الخليج العربي
تاليف: مي محمد الخليفة

بعيون بحرينية، تحاول الكاتية أن تعيد قراءة الأحداث السياسية في منطقة الخليج العربي من وقائع التقارير البريطانية.

قصة هذا الكتاب تتمحور حول أربعة رجال إنجليز ساهموا بفعالية من خلال مناصبهم السياسية والإدارية في "تخطيط الصورة النهائية للإمبراطورية البريطانية" في منطقة الخليج العربي، هذا المنصب المعروف بـ"المعتمد السياسي" أو "المقيم السياسي" حيث ألحقت جميع مناطق الخليج بإدارة هذا المقيم السياسي في مدينة بوشهر وبالتحديد دار المقيمية أو سبزآباد التي تعني- حين الترجمة- الأرض الخضراء، وهؤلاء الرجال على التوالي:

لويس بيلي "1825- 1892"، جورج ناثانيال كيرزون "1859- 1825"، بيرسي زكريا كوكس "1864- 1937"، وكلايف كيرك باتريك ديلي "1888- 1966".

ولعل أشهرهم بيرسي كوكس باعتباره مهندس الحدود الاستعمارية المعاصرة في مؤتمر العقير الذي انعقد في 11/12/1922، دون إنكار للأدوار السياسية والإدارية الفعّالة في تشكيل أحداث منطقة الخليج، وتقف الكاتبة طويلاً عند كلايف كيرك باتريك ديلي الذي وصفته الكاتبة بالمستبد خلال فترة حكمه للبحرين ودوره في التدخل في شئون البحرين الداخلية، وهو وصف- وفقاً لرأينا- غير موفق، نظراً لانحيازية الكاتبة ضد هذا المعتمد السياسي.

يتمثل أسلوب الكاتبة في عرض السيرة الذاتية والعملية لكل شخصية من الشخصيات الأربع سالفة الذكر، والمشتملة على نبذة من الجوانب الشخصية والعائلية- إن وجدت- ثم دور الشخصية محل البحث في العمل من أجل ترسيخ وتأكيد الهيمنة البريطانية في منطقة الخليج اعتماداً على التقارير الرسمية والوثائق والمراجع التاريخية لتبيان النشاط السياسي والإداري لكل واحد منهم، دون تدخل شخصي لتأكيد أو نفي الحدث التاريخي ضمن المسار الاجتماعي والسياسي للمنطقة، ولفهم بعض التعليقات العارضة، باستثناء ما يخص الشخصية الرابعة، كلايف ديلي، فإن الكاتبة تتدخل كثيراً بدوافع شخصية لا تستبين أسبابها ضمن سطور الكتاب.

بيلي المتدخل

كان لويس بيلي "1825- 1892" مقيماً سياسياً في سبزآباد في الفترة ما بين 1862 و1872، والتي تميزت بإيمانه بمبدأ "التدخل المباشر في الشئون السياسية الداخلية الذي ترك أثره الواضح على مجرى التاريخ القومي لسكان الخليج وحكامه"، وذلك أنه من أنصار الفكر البريطاني الجديد الداعي لأكبر قدر من التدخل في شئون المنطقة من أجل تحقيق المزيد من السيطرة السياسية والاقتصادية لبريطانيا، وبما يخدم مصالحها بشكل مباشر، وقد كتب بيلي العديد من الدراسات والتقارير الوافية الخاصة بالمنطقة، كما كان مهتماً على نحو شخصي بالتراث الديني والتاريخي والأدبي، وقد تبدى ذلك من خلال جمعه للمقالات والقصائد التي قيلت في وفاة الحسن والحسين، أورد معلومات مهمة عن عمان، انضم إلى حلقات الدرس مستمعاً في النجف الأشرف، ودراسته للدعوة الوهابية على أرض الواقع من خلال رحلته إلى الرياض عام 1866، ووضع لها كتاباً نشر في حينه، وتمت ترجمته إلى العربية، وترى الكاتبة أن هدف بيلي من ذلك جمع المعلومات الدقيقة الخاصة بالخلافات المذهبية بين الطوائف الإسلامية ليتم توظيفها فيما بعد لخدمة الإمبراطورية البريطانية، ولكن لم تبين الكاتبة كيفية حدوث ذلك بين دفتي كتابها. تميزت شخصية بيلي بالغرور والقوة والمغامرة حتى أنه من فرط غروره بذاته أسمى نفسه "رائد التغيير ورسول الحضارة والعهد الجديد"، ويمكن تقسيم فترة وجوده في المنطقة إلى ثلاث مراحل:

الأولى: المراسلات والتقارير الخاصة بالبحوث الميدانية "1863- 1865".

الثانية: رحلة الرياض "1866".

الثالثة: أحداث البحرين "1866- 1869" حيث التطبيق العملي لنظريات بيلي ومخططاته.

تقارير ودراسات وبحوث ميدانية:

1- خطة لإقامة مستعمرة بريطانية في مسندم لإحكام السيطرة على المنطقة، لم تأخذ بها الحكومة البريطانية.

2- تقرير عن قلعة شيوه "شبكوه"، حيث يوجد سكان عرب تحت سلطة فارسية.

3- دراسة عن عرب الساحل: وهي دراسة موسعة عن مجتمعات المنطقة الخليجية، خاصة فيما يتعلق بالكويت، وبالفعل تشتمل هذه الدراسة على تفصيلات دقيقة عن مختلف المناطق مما يساعد فعلاً أي سلطة تسعى لضرب هذه المناطق، لكن هل كان بيلي يقدم مثل هذه التقارير للسلطات الفارسية؟ لا يوجد في الكتاب ما يدل على ذلك ولو ضمنا.

4- ورقة عن الرق والعبيد والتي تدل على أن بيلي مطلع تماماً على الوضعية الاجتماعية للرقيق ودور السلطات المحلية في ذلك، وقناعته بأن القضاء على الرق لا يمكن أن يتم من خلال الأوامر، بل بفضل التقدم المدني والحضاري.

5- تقرير عن مدن الساحل وصحة توقعات بيلي حول نهاية مدينة لنجة العربية وازدهار بندر عباس.

6- إحصائية عن الساحل الفارسي والقبائل الدشتية عام 1863، وتكمن أهمية هذه الدراسة في تقديمها قوائم بأسماء القبائل وعدد المقاتلين بما يساعد على تقدير القوة العسكرية لكل قبيلة.

7- تقرير حول رحلة الرياض التي قام بها بيلي لأسباب خاصة تتصل بالمغامرة وروح التحدي، وقد وصل إلى الرياض عن طريق الكويت بمساعدة أحد تجّار الخيول، وقد تمكن بيلي من تأسيس العلاقات بين الرياض وبريطانيا.

8- التدخل في الأحداث السياسية للبحرين، خاصة ضد الحكام المطالبين بنوع من الاستقلال الداخلي على غرار الكويت، وقد أساء بيلي استخدام سلطاته لإخضاع حكام البحرين من خلال استخدام القوة البحرية بقصف المناطق البحرينية.

9- على أثر احتجاج فارسي شديد اللهجة ضد لويس بيلي وتصرّفاته يتم إنهاء خدماته كمقيم سياسي.

ويمكن القول إن أهم إنجازات لويس بيلي تتمثل في القضاء على تجارة الرقيق وإخضاع القبائل المشاغبة وتمهيد السبيل لترسيخ سياسة بريطانية جديدة في المنطقة من خلال التدخل المباشر في الشأن الداخلي لإمارات الساحل المهادن.

كيرزون المنظر

جورج ناثانيال كيرزون "1859- 1825": نائب الملك في الهند ومنظر السياسة البريطانية القائل: "إن بلاد الشرق الأوسط ما هي إلا قطع على لوحة الشطرنج التي ستحدد اللعبة عليها من الذي سيسيطر على العالم".

السيرة الذاتية لجورج كيرزون مختصرة جداً، تحاول الكاتبة أن تستخلص منها حقيقة أن الشخصية الكئيبة الصارمة لكيرزون، والتي سادت طبيعة حياته وعلاقاته مع حكام الخليج- خاصة البحرين- ليست سوى انعكاس لتلك التربية التعيسة على يد مربية بدلاً من الوالدين، لكن ذلك لا يمنع، حقيقة، أن كيرزون صاحب رؤية فلسفية خاصة به بالنسبة للمنطق الاستعماري الذي يجب أن تعمل بموجبه بريطانيا في الخليج.

ويلاحظ أن الكاتبة كثيرة الإثارة لمصطلحات تقليدية مثل المنطق الاستعماري والدور الاستعماري لبريطانيا، بنوع من الاشمئزاز!! وكأنها تعيب على بريطانيا ومقيميها السياسيين القيام بهذا الدور، علماً بأن ذلك كان من بدهيات السياسات الدولية آنذاك.لقد قام كيرزون بدور فعّال في تنمية الدور الاستعماري لدولته البهية "بريطانيا" منذ أن كان نائبا للملك في الهند، حيث كان يرى ضرورة إخضاع مشكلات منطقة الخليج لحكومة الهند بدلاً من الحكومة المركزية في لندن.ويبدو ذلك من خلال طريقة معالجته لمختلف القضايا والموضوعات التي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- الإنجليز والشيخ خزعل: يوم لك ويوم عليك: ويتبين من عرض الكاتبة سعي كيروزن الفعّال في تثبيت الوجود البريطاني في المنطقة من خلال اتخاذ المواقف السياسية التي تخدم المصالح البريطانية، ولو كان ذلك على حساب الحكام ومصالح شعوب المنطقة.

2- يومان في مسقط: حيث لم يتعد الأمر مجرد احتفالات شكلية ذات طابع رسمي لإثبات تبعية مسقط وطاعة حاكمها للإنجليز.

3- في الشارقة: أحفاد القراصنة ودوار البحر: وتحاول الكاتبة أن تبين مدى استهزاء كيرزون بشيوخ الإمارات الخليجية من خلال تقرير رسمي يذكر إصابة شيوخ الشارقة بدوار البحر حينما كانوا على ظهر السفينة للترحيب بكيرزون، ويتضمن هذا الموضوع تأكيد كيرزون تعهد بريطانيا بحفظ الأمن في المنطقة وحماية المشيخات.

4- البحرين وإشكال الجمارك: ويتضمن زيارة كيرزون للبحرين، ورفض شيخ البحرين عيسى بن علي مناقشة موضوع الجمارك مع كيرزون، حيث كان للأخير ملاحظات حادّة على طريقة التصرّف بأموال الجمارك.

5- الكويت زيارة ناجحة وولاء مؤكد: وتتضمن المراسلات الخاصة بهذا الموضوع إشارة الكاتبة للرعاية البريطانية الخاصة للكويت وشيخها مبارك الصباح في ظل اتفاقية 1899، مما ترتب عليه عدم إنزال العلم التركي عن منزل الشيخ مبارك حين زيارة كيرزون.

6- نهاية الولاء ونهاية الزوجة: حيث قام كيرزون بتقديم استقالته بسبب عدم اتفاقه مع حكومة لندن حول السياسة العامة في منطقة الخليج، حيث كان يرى ضرورة تبعيتها لحكومة الهند التي يرأسها شخصياً، وقد ترافقت الاستقالة مع وفاة زوجته. لم تبعده الاستقالة عن شئون منطقة الخليج، بل ظل يتعامل معها من خلال منصبه كسكرتير للخارجية البريطانية في الفترة 1919- 1924، حيث اهتم اهتماماً خاصاً بالقضية الفارسية، لكن لم تكن وجهة نظره بشأن الوجود البريطاني في فارس، متطابقة مع رؤية حكومة لندن مما اضطره إلى الاستقالة والانشغال بإكمال كتاباته عن الحكومة البريطانية في الهند.

الأبولو الصامت

بيرسي زكريا كوكس "1864-1937": أو الأبولو الصامت "إله النور والشفاء والموسيقى والشعر والفراسة لدى الإغريق والرومان"، وبسبب دوره الفعّال في رسم السياسة البريطانية وتحديد حدود دول المنطقة المعاصرة، نال بيرسي كوكس اهتماماً خاصاً من الكاتبة حول سيرته الذاتية بما في ذلك قصة زواجه التي لا داعي لها، ولعل خير وصف لهذه الشخصية جاء عن طريق الكاتبة بقولها: "هذا الدبلوماسي الصامت، استمر في صمته ولم يترك لنا بعد موته إلا تقارير بسيطة عن رحلات الصيد في الصومال، إلى جانب مقالات عن طيور الجزيرة العربية "نشرتها الجمعية الجغرافية الملكية"، أي أقل القليل من المعلومات التي حفظها والأحداث التي شارك في صنعها، خاصة في الجزيرة العربية والخليج حين كان يعمل تحت إدارة كيرزون ويعكس أفكاره وينفذ سياسته".

لقد عمل بيرسي كوكس- كما هو حال من سبقاه: بيلي وكيرزون- على ترسيخ مكانة بريطانيا في منطقة الخليج، ليس فقط في البحر، بل وعلى البر وفي الجو أيضاً، في قضية الصراع على النفط بين الشركات الأجنبية، ويُعد دور كوكس في مؤتمر العقير عام 1922 والذي تم بموجبه تحديد الحدود الحالية بين دول المنطقة: السعودية والعراق والكويت، من أهم ما قام به خلال عمله السياسي والإداري.

أما القضايا السياسية والإدارية التي واجهت بيرسي كوكس فيمكن حصرها كالتالي:

1- مسقط وإشكالات الصراع الإنجليزي ـ الفرنسي.

2- اختلاف الأولويات وسوء استخدام الرايات.

3- فاتحة خير أم نذير شؤم.

4- الوهابيون من جهة والأباضيون من جهة أخرى.

5- محكمة العدل الدولية هي الفيصل.

القضايا الخمس المذكورة آنفاً تتلخص في الصراع البريطاني- الفرنسي على مسقط، حيث تتجلى الأهمية السياسية والجغرافية "الجيوسياسية" لمسقط في السياسة البريطانية الخاصة بالخليج، باعتبار الوجود الفرنسي خطراً يهدد المصالح البريطانية، وقد تمكن كوكس من ضمان ولاء حاكم مسقط لبريطانيا على إثر إعادة المساعدات المالية لحاكمها، إلى جانب سعي بريطانيا للقضاء على تجارة الرقيق التي تمارسها السفن العمانية في ظل الراية الفرنسية، ونجحت بريطانيا في فرض سياستها الخاصة بالرقيق، كما رفضت بشكل قاطع السماح بإقامة أي قاعدة عسكرية أو تحصينات غير بريطانية في موانئ الخليج مما زاد في حدّة الصراع مع فرنسا، لكن الانتصار النهائي كان من نصيب الأسد البريطاني، وعلى إثر النجاح في تأكيد سيطرة بريطانيا على مسقط تم تعيينه مقيماً سياسياً في بوشهر أو سبز آباد حيث تُصنع الأحداث وتُدار.

6- الجمارك القضية المزمنة: قضية الجمارك في البحرين من القضايا التي شهدت توترات عديدة بين حاكم البحرين والمقيم السياسي حيث سعت بريطانيا للاستيلاء على هذا المورد المالي المهم بهدف التحكم في حاكم البحرين- وفقاً لرأي الكاتبة "في الكويت- مثلاً- لم تسع بريطانيا لذلك"، والكاتبة- مع الأسف- لا تعترف بحجم الاستبداد الضرائبي الذي مورس على تجارة اللؤلؤ مثلا.

7- مهمات أخرى مع سلطان نجد وشيخ المحمرة: بموجب هذا الموضوع ينجح كوكس في إقناع بن سعود بوجود معتمد بريطاني في الإحساء والقطيف، ويتنبأ كوكس بسيادة بن سعود على كل جزيرة العرب، ويتم تغيير وضع المحمرة العربية بفصلها عن تركيا وإخضاعها لإيران.

8- المرابطون والدستوريون: حيث الصراع بين الإيرانيين أنفسهم، وتحدث الفوضى وينعدم الأمن بسبب استبداد الشاه وأعوانه.

9- الانتقال إلى اليابسة مع ظهور النفط وبداية المنظومة الإمبريالية الإنجليزية الأمريكية للسيطرة على المنطقة، وتؤرخ الكاتبة ذلك ببداية الحقبة النفطية وبداية التغيرات الاجتماعية لدول الخليج ودويلاته؟! "لا تسمي لنا الكاتبة أسماء هذه الدويلات".

10- روسيا والخليج: احتواء الصراع البريطاني- الروسي حول فارس باتفاقية 1907، ثم مواجهة الألمان الراغبين في إيجاد موطئ قدم في مشيخات الساحل المهادن.

11- طموحات الأتراك: محاولات الأتراك لاستعادة المحمرة عام 1908، وتتم مفاوضات بريطانية- تركية من أجل إقامة سكة حديد بغداد- الخليج 1911.

من جانب آخر، تنجح بريطانيا بموجب هذه الاتفاقية في الحفاظ على وضع الكويت بتنازل تركيا عن المطالبة بالكويت والبحرين وقطر ومناطق الساحل المتصالح.

12- بعد 15 عاماً و 13 صيفاً حاراً: تلك الفترة التي قضاها بيرسي كوكس في المنطقة، والتي تُعد فترة انتقالية في أطوار السيطرة البريطانية، ففي عهده تضاعف حجم التجارة البريطانية ثلاث مرات، وتوقفت تجارة السلاح وأقيمت شبكة اتصالات متعددة، وبدأت شركة النفط الإنجليزية- الإيرانية في الإنتاج، وتم التفاهم مع الأتراك، وانتهى الدور الفرنسي في الخليج.

لم ينته دور كوكس في رسم أحداث المنطقة، حيث يشهد مؤتمر القاهرة عام 1921، والمعروف بمؤتمر صناعة الملوك.

13- مؤتمر العقير وترسيم الحدود: في الفترة ما بين 1913 و 1916 تم توقيع اتفاقية عام 1915 بين بن سعود وكوكس والتي تعترف فيها بريطانيا باستقلال بن سعود، وأن المناطق التابعة له سيتم تحديدها بعد الحرب شريطة الاعتراف بالمصالح البريطانية، وألا يهاجم المحميات البريطانية، وفي عام 1916 يتسلم بن سعود وساماً بريطانياً في البصرة.

14- كوكس سفيراً في طهران، وولسون مفوّضاً في العراق: وتتواتر الأحداث ويتم تعيين الأمير عبدالله بن الحسين أميراً على الأردن، وفيصل ملكاً على العراق، وفي عام 1922 تتم اتفاقية المحمرة بين الإنجليز وبن سعود والعراق لتحديد حدود نجد والعراق والعشائر التابعة، ولكن بن سعود يلغي تلك الاتفاقية، ونتيجة لذلك تم عقد مؤتمر العقير يوم 11/12/1922، حيث يمثل بن سعود مملكته ووزير العمل العراقي بلده العراق، والمعتمد السياسي البريطاني الميجور مور ممثلاً للكويت.

15- مؤتمر العقير: تم عقد اتفاقيتين، الأولى لتحديد حدود العراق- نجد حيث خسرت السعودية جزءا كبيراً من أراضيها. والاتفاقية الثانية لتحديد الحدود بين الكويت ونجد حيث خسرت الكويت جزءاً كبيراً من أراضيها، وكان ممثلها المعتمد الميجور مور صامتآً طيلة الوقت!

ديلي الفظ

كلايف كيرك باتريك ديلي "1888- 1966" لا توجد سيرة ذاتية، لكن الكاتبة تصفه كشخصية فظّة، هرب من العراق أثناء ثورة العشرين واتجه إلى البحرين في فترة العشرينيات من هذا القرن، والكاتبة تجعل من دوره في البحرين المحور الأساسي للموضوع، بل وتنسب إليه كل المشاكل التي تعاني منها البحرين.. حالياً!! لذلك تبدو الكاتبة غاضبة جداً ليس فقط على ديلي، بل وعلى أسماء معينة "لا تذكرها" تم تمجيدها في البحرين، تعتقد أن وراء نشاطها الوطني دافعا شخصيا أو تعصبا مذهبيا، وهي لم تراع الوحدة الوطنية ولا المصير المشترك!

في هذا الفصل، تنسب الكاتبة بذور الفتنة الطائفية إلى الإنجليز بدءا من المعتمد السياسي ديكسون.

واعتماداً على وثائق السيد محمد علي التاجر "لا تذكر الكاتبة أي معلومات عنه ولا سبب الاعتماد على وثائقه التي لا تعدو أوراق مذكرات تعدها الكاتبة وثائق!!"، ينفرد ديلي بإدارة البحرين بعد تجريد الحاكم من صلاحياته بعد أن أثار هذا الحاكم- برأي الكاتبة- معارضة تطبيق قانون المستعمرات، وبذلك أصبح الحاكم مصدر إزعاج لقنصل الحكومة البريطانية قبل وصول ديلي، وإن أبدى الشيخ موافقته على إحالة المسائل القضائية إلى بريطانيا، وقد دفع ذلك ديكسون إلى إثارة الفتنة "الطائفية" في البحرين لإثبات أن حاكم البحرين لا يصلح للحكم، واندلعت التظاهرات ضد ديكسون مما أدى إلى ترحيله وقدوم ديلي بعد تطبيق قانون المستعمرات في البحرين وجميع المحميات البريطانية في الخليج.

نظرة تقييمية

بادئ ذي بدء، عنوان الكتاب لا يتلاءم مع موضوعه، إذ لا يتضمن الكتاب أي معلومات عن سبز آباد، والكتاب ليس شارحاً لتاريخ السيطرة البريطانية على منطقة الخليج، بل يتركز موضوعه حول المعتمدين السياسيين للإمبراطورية البريطانية من ذوي العلاقة بأحداث البحرين، الدولة التي تنتمي إليها الكاتبة، وليس من المبالغة القول أن محور الكتاب يدور حول كلايف كيرك باتريك ديلي لصلته الوثيقة بأحداث البحرين، ومن ثم يصبح الكتاب فصولا من تاريخ الحقبة الاستعمارية البريطانية في الخليج، وحيث تكمن أهمية هذه الفصول والرجال الذين صنعوا أحداثها، في كونها وكونهم صنعوا تاريخ الدول الخليجية المعاصرة بما في ذلك المملكة العربية السعودية. في حين أن أهم شخصية صنعت الأحداث حقيقة هي شخصية بيرسي كوكس صاحب مؤتمر العقير الشهير، لكن لأن هذا الحدث المهم والخطير ليس بذي علاقة بالبحرين، فلم ينل الاهتمام الكافي من الكاتبة، رغماً عن النتائج الخطيرة والمهمة لمؤتمر العقير حيث إن معظم المشاكل الحدودية المعاصرة تعود إليه، خاصة بين الكويت والعراق، وكذلك يمكن إعادة النزاع البحريني ـ القطري على الجزر إلى هذه الشخصية المتميزة.

لذلك لا مناص من الاستنتاج أن الكاتبة تعمّدت تجاهل قضايا جد مهمة تفرض الحيادية العملية نسبياً على أي باحث الوقوف عندها والإشادة بفضل رجال الدولة البهية إزاءها، ومن هذه القضايا:

1- تجارة الرقيق: كل باحث محايد لابد أن يعترف بدور بريطانيا في القضاء على هذه التجارة التي تمثّل وصمة عار في جبين الإنسانية. ومع الأسف أن الرق لم ينته من المجتمع الخليجي إلا في الخمسينيات بفضل الدول الغربية وبريطانيا خصوصاً، وتطور المدنية.

2- كثيراً ماتذكر الباحثة مصطلحي "دولة"،و"حكومة" خاصة إذا كان الموضوع يتعلق بالبحرين، في حين أن جميع مشيخات الخليج لم تنل استقلالها ولم تصبح دولاً إلا في الستينيات، وبذلك يصبح استخدام هذين المصطلحين في ذلك الزمن ضرباً من العبث الذي لا يغير من الحقيقة التاريخية شيئاً.

3- تنتقد الكاتبة مصطلح القرصنة الذي كثيراً ما يستخدمه رجال الدولة البهية لوصف نشاط البحارة التابعين لمشيخات الساحل المهادن، وتعيب عليهم السكوت عن النشاط التجاري البريطاني وعدم وصفه بالقرصنة. ومع الأسف فإن الكاتبة لم تنتبه إلى وصفها رحمة بن جابر بكونه أشهر قرصان في الخليج، وكذلك ما ذكرته من قيام بحارة الساحل الجنوبي بالتعاون مع شيخ المحمرة من نهب السفن الكويتية القادمة من موانئ الخليج. والحقيقة التي تتجاهلها الكاتبة أن عرب السواحل كانوا يقومون بمهاجمة السفن الإنجليزية وغيرها، وهو نشاط معروف لا يمكن ستره، ويطلق عليه "قرصنة" في حين أن بريطانيا لم تكن تقوم بنهب السفن.

4- السخرة وظلم الغواصين من الأمور الشائعة سواء في البحرين أو غيرها من مشيخات الخليج، وكان يجب على الكاتبة الاعتراف بذلك، وهو أمر مشهور في كتب التاريخ. وما كان لها أن تعتمد على مذكرات شخصية لا يعلم مدى دقتها أو صحتها كمرجع وحيد وهي الباحثة المنقبة في وثائق التاريخ "تضمن الكتاب عشرات الوثائق المصوّرة"، وأن تعتمده لنفي السخرة وظلم الغواصين من خلال تبيان عدم صحة المعلومات الواردة في تقارير المعتمد السياسي كلايف ديلي.

ختاماً، فإن إيراد هذه الملاحظات لا يقلل من أهمية موضوع الكتاب الخاص بدور بعض رجال الإمبراطورية البريطانية في تدعيم وترسيخ الوجود البريطاني في منطقة الخليج، وكذلك دورهم الفعال في "صنع" الدولة الخليجية المعاصرة.

 

أحمد البغدادي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب





مي الخليفة





رجال الدولة البهية





الشيخ عيسى بن علي آل خليفة