الرياح مصدر عالمي للطاقة في القرن القادم خالد خضير

عندما قال تقرير " برانتلاند " الصادر عن اللجنة الدولية للبيئة والتنمية :" ينبغي أن تشكل الطاقات المتجددة أساس البناء العالمي للطاقة خلال القرن الحادي والعشرين " لم يكن يقدم توصية للمستقبل بقدر ما كان يشير إلى خطوات بدأت بالفعل على هذا الطريق، تعقبت " العربي " بعضها في أعداد سابقة ، وما زالت تتعقب المزيد .

طوال الجزء الأكبر من تاريخ البشرية كانت الطاقات المتجددة المستمدة من الشمس والريح والأخشاب والطاقة العضلية للحيوان والإنسان هي المصدر الوحيد المتاح للطاقة. وكان لاكتشاف النفط والفحم منذ قرون قليلة والطاقة النووية منذ عدة عقود أثر شامل في تعامل الإنسان مع الطبيعة ومدى سيطرته عليها.

وتظل مصادر الطاقة التقليدية- الآن- من النفط والفحم محكوما عليها بالفناء خلال قرون قليلة وأن آثارها السلبية على البيئة صارت مبعث قلق لدى عديد من العلماء والحكومات والمنظمات الدولية.

ويعتقد عديدون أن الحظر العربي على تصدير النفط للغرب في عام 1973 كان له الفضل في عودة الطاقة المتجددة إلى محور اهتمام الدول الغربية. ولكن يذكر لهذا الحظر فقط أنه عجل بالسير في اتجاه كان معروفاً منذ زمن طويل ودفع نحو تطوير التقنيات الحديثة للحصول على هذه الطاقة المتاحة للجميع بالمجان. ونركز في مقالنا هذا على طاقة الرياح.

حصاد الرياح.. ليس هشيماً

استعملت الريح لدفع السفن الشراعية في البحر المتوسط منذ 5500 سنة وهناك دلائل على استعمال طواحين الهواء لطحن الحبوب في الهند منذ ما يزيد على 2500 عام.

وفي القرن الثاني عشر ظهرت في إنجلترا وفرنسا الطواحين الهولندية الشهيرة التي اصطحب المهاجرون الهولنديون تصميمها معهم إلى أمريكا في منتصف القرن الثامن عشر.

ولم تستخدم طاقة الرياح لتوليد طاقة كهربية سوى عام 1890 م حينما صممت أول طاحونة رياح حديثة لهذا الغرض في الدنمارك بعد أن كان استعمال الطواحين مقتصرا على طحن الحبوب. وضخ الماء حتى ذلك الوقت.

وفي عام 1941 في الولايات المتحدة ظهرت طاحونة سميت- بوتنام بقدرة بلغت نحو 1250 كيلووات وصار اسم طواحين الرياح التي تولد الكهرباء منذ ذلك الوقت " نظم تحويل طاقة الرياح ".

(Wind Energy Conversion Systems wecs ) وشهد القرن العشرون منافسة شديدة بين الفحم والرياح لتوليد الطاقة الكهربية أيام الحرب العالمية الثانية ولكن الأول تفوق بفضل رخص تقنيات استغلاله.

وفي نفس الحرب استخدمت طاقة الرياح كمصدر للكهرباء في حالات الطوارئ. وفي عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر نادى البعض في الغرب باعتماد مصادر احتياطية للطاقة من الرياح في الدول التي تعتمد في طاقتها على النفط والفحم المستوردين.

وفي العقود الثلاثة الأخيرة تسارع استخدام طاقة الرياح في الدول الاسكندنافية والولايات المتحدة- خاصة ولاية كاليفورنيا- حيث انتشر استخدام التوربينات الهوائية لتوليد كهرباء يرسل جزء منها إلى الشبكات المحلية للكهرباء. وبفعل إعفاءات ضريبية وجمركية وتقدم مضطرد في التقنيات انخفضت تكاليف توليد الكهرباء من هذه التوربينات التي عرفت مواقعها الجماعية في كاليفورنيا باسم مزارع الرياح Wind .Farms

في الأصل كانت الشمس

الشمس هي المصدر الأصلي والوحيد لمعظم الطاقة الموجودة على الأرض. يرسل الكوكب المنير نحو 000، 120 تيراواط من الطاقة إلى الأرض سنوياً أي ما يعادل 12 ألف مرة حاجة العالم كله من الطاقة في العام. وينعكس نحو 30% من هذه الطاقة إلى العالم الخارجي ويتحول نصف الباقي تقريباً إلى حرارة في صورة أشعة تحت حمراء.

من هذه الطاقة الهائلة يتحول نحو 300 تيراواط- أي 25،.% من إجمالي ما يصل الأرض من طاقة الشمس- بلى طاقة حركة ينتج عنها حركة الريح والأمواج .

ويتم استخلاص طاقة الرياح عبر مراوح من عدة ريش Blades مركبة على عمود دوار. وتتحرك الريش عندما تصل سرعة الريح إلى حد معين يتوقف على تصميم التوربينة. وتنتقل الحركة عبر صندوق سرعات إلى مولد كهربى.

من الريح.. إلى الكهرباء

يحول المولد الكهربي الطاقة الميكانيكية للعمود الدوار إلى كهرباء على أطرافه الخارجية. وإذا كانت الطاقة المولدة على شكل تيار مستمرDirect Current يستعمل محول ليحولها بلى تيار متردد Alternating Current وتضاف مكثفات لتحسين معامل الطاقة Power Factor إذا كانت خطوط نقل الكهرباء في حاجة لهذا التحسين أو محول جهد لرفع أو خفض الجهد الناتج للمستوى المطلوب.

وإذا كانت التوربينة مستغلة بشكل منفرد لاستعمالات منزل أو مزرعة يتم أخذ التيار المستمر من على أطراف المحول ويشحن به بطاريات يتم استعمالها حسب الحاجة.

وهناك نوعان رئيسيان من توربينات الهواء. الأول والأكثر انتشارا تكون فيه المروحة والمولد وصندوق السرعات كلها أعلى البرج الذي يحمل التوربينة ويصل بينها محور أفقي مشترك. ويدعى هذا النوع: التوربينة الهوائية ذات المحور الأفقي. (Horizontal Axis Wind Turbine )HAWT

وفي النوع الثاني يكون العمود الدوار رأسيا وتكون الريش موازية له متصلة به عبر وصلات من أعلاها وأسفلها أو تكون على شكل منحنى تتصل قمته بأعلى العمود ومؤخرته بأسفل العمود.

وفي هذا النوع يوجد المولد وصندوق السرعات على سطح الأرض. ويدعى هذا النوع التوربينة الهوائية ذات المحور الرأسي Vertical (Axis Wind Turbine )VAWT فيطلق على هذه التوربينات أحيانا " مضرب البيض " لشكلها القريب من الآلة التي تستعمل في خفق البيضEgg beater

ويتوقف نوع الريش وشكلها وحجمها وعددها على مجموعة من عوامل الديناميكا الهوائية وقدرة تحمل البرج الذي يحمل التوربينة والعوامل الاقتصادية.

وتدور المروحة عند سرعة ثابتة هي الأكثر كفاءة عند سرعة ريح معينة أو عند عدة سرعات هي الأكثر كفاءة عند سرعات مختلفة للريح. وهناك حد أدنى لسرعة الريح لا تتحرك المروحة قبله وحد أقصى لسرعة الريح تتوقف بعده المروحة بفعل وحدات التحكم التي توقف عمل المروحة عادة في حالات الزوابع والأعاصير.

وكل المتغيرات السابقة تحدد القدرة المتاحة من الريح الذي تستغله التوربينة على هيئة عزم حركة على العمود الدوار. ويساهم صندوق نقل الحركة في رفع سرعة دوران المروحة وتحويل الطاقة الميكانيكية إلى عزم على عمود المولد الذي يحول هذا العزم بدوره إلى طاقة كهربية. ويحوي صندوق النقل تروسا لرفع السرعات وكوابح لوقف التوربينة في حالات الطوارئ بالإضافة إلى وحدات تحكم..

ويستخدم في الأغلب مولد متزامن من- Synchron Ous Machine أو مولد حثي Induction Generator وفي حالات قليلة يستعمل مولد للتيار المستمر.

ويجري التحكم في التوربينة عن طريق وحدات تحكم معقدة توائم بين الأجزاء المختلفة وسرعة الريح والأحمال الكهربية المتغيرة على الوحدة.

ومعظم التوربينات المستعملة في العالم من نوع HAWt يحمل ريشتين أو ثلاثا وتدور بنظرية الدفع حول محور أفقى.

الجيل الأخير

ظهر أحدث جيل من طواحين الهواء في العالم فى الثمانينيات في الولايات المتحدة ويدعى 5-MOD وهناك نوعان:

الأول: 5-MOD وهو من تصميم شركة جنرال الكتريك وقطر المروحة 122 متر ويولد 6200 كيلووات عند سرعة للريح تساوي 13 متر/ الثانية وهو موجود في جزيرة هاواي منذ عام 1984.

الثاني: 5-MOD وهو من تصميم شركة بوينج وقطر المروحة 128 متر ويولد 7200 كيلووات.

والمستهدف من النوعين ومن الأبحاث الأمريكية بصفة عامة الوصول بطاقة الرياح إلى سعر 3.75 سنت للكيلووات في الساعة.

ويوجد في الولايات المتحدة الآن نحو 17.000 توربينة رياح أو 90% من طواحين الرياح في العالم كله وتولد حوالي 1420 كيلووات.

نحو طاقة رياح أرخص

من أهم العوائق التي تقف في وجه استغلال طاقة الرياح على نطاق واسع وبشكل اقتصادي أن الريح مصدر متقطع للطاقة كما أنه متغير القدرة تبغا لتغير سرعات الريح من وقت لآخر. ويتطلب استخدام الريح بهذه الصورة استخدام تقنيات لتخزين الطاقة [ بطاريات]، مما يرفع تكلفة الإنتاج بالمقارنة بالمصادر التقليدية.

كما أن هناك عائقا بيئيا وجماليا في نفس الوقت وهو أن الاستخدام الكثيف لطاقة الرياح يتطلب وحدات ضخمة قد يبلغ قطر مروحتها أكثر من 150 متر.

وفي التحليل الأخير فإن هذه العوائق التقنية والاقتصادية والجمالية يمكن التغلب عليها إلى حد كبير عبر مزيد من البحوث والتطوير ودعم الدول والمنظمات الدولية المعنية لهذا المجال بتمويل البحوث ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية.

وفي دراسة لوكالة الطاقة الدولية كان الإنفاق الحكومي للدول الأعضاء من عام 1978 وحتى عام 1988 على أبحاث الطاقة المتجددة لا يتجاوز 10 % من أبحاثها في مجال الطاقة. وقليل من الطاقات المتجددة هي التي نالت ما لا يزيد على واحد في الألف عما تلقاه أبحاث تطوير الطاقة النووية.

ولذا فإن أهم آسباب ارتفاع تكلفة الحصول على كهرباء من طاقة الرياح هو الاقتقاد إلى بنية تكنولوجية تحتية Technological Infrastructure مما يرفع أيضا من نفقات الإصلاح والصيانة.

وينبغي عدم الذهاب بعيداً في تخيل إبدال الطاقة التقليدية بطاقة الرياح إلى جوار الطاقات المتجددة الأخرى. فمصادر الطاقة التقليدية تتميز بإمكان نقلها من مكان إلى آخر في العالم وسهولة تخزينها والحصول عليها عند الطلب. ولهذا فإنه ينبغي النظر إلى طاقة الرياح كمصدر مكمل يمكن إدخاله على شبكات الطاقة التي تغذيها مصادر تقليدية ولا يتوقف هذا الهدف على التقدم التقني وحده بل على تعاون مؤسسات الدولة أيضا.

ففي كاليفورنيا في الولايات المتحدة تم إلزام شركات الطاقة منذ عام 1978 بشراء الكهرباء المولدة من الوحدات الصغيرة التي تعمل بطاقة الرياح والتي تزيد على حاجة هذه الوحدات. فإذا أضفنا ذلك القرار إلى الإعفاءات الضريبية التي تم إقرارها على مستوى الولاية والدولة لأصحاب توربينات الهواء لعرفنا السبب في أن طاقة الرياح صارت استثماراً جذاباً في كاليفورنيا عام 1980 رغم ارتفاع تكلفة الإنشاءات.

ولهذا ارتفعت معدلات توليد الطاقة من الرياح في كاليفورنيا من 10 ميجاوات عام 1981 إلى 400 ميجاوات عام 1984 بنسبة 4000%. وحدث انخفاض في تكاليف الإنشاءات من 3000 دولار للكيلووات عام 1981 إلى 1250 دولارا عام 1986. وبفعل الاستثمارات الضخمة لشركات كثيرة في تكنولوجيا طاقة الرياح تضاعف حجم المولدات من 52 إلى 108 ميجاوات.

وفي بريطانيا لا يختلف الأمر كثيراً إذ وصل سعر طاقة الريح عام 1988 إلى 600 جنيه استرليني للإنشاءات للكيلووات مما خفض سعر الكيلووات في الساعة إلى أقل من 3 بنسات وهو سعر لا يختلف كثير عن الثلاثة بنسات للكيلووات/ ساعة في محطات الطاقة النووية وسعر الفحم الذي يبلغ 3- 4 بنسات للكيلووات ساعة.

ومن المتوقع أن تصل مساهمة طاقة الرياح في بريطانيا عام 2025 إلى 10% من طاقة التوليد الكهربية الكلية هناك.

وفي السنوات الأخيرة دخلت شركة ميتسوبيشي اليابانية وشركات من هونج كونج سوق تصنيع معدات طاقة الرياح وتقدم ميتسوبيشي الآن توربينات هوائية بضمان تشغيل 10 سنوات.

وفي الدنمارك وافقت شركات توليد الكهرباء على شراء 100 ميجاوات من طاقة الرياح بحد أدنى من عام 986 1 حتى 1991.

وفي عام 1990 وصلت كمية الطاقة الناتجة عن توربينات الهواء في الدنمارك الى نحو 350 ميجاوات. وتهدف الدنمارك للوصول إلى حصد 2000 ميجاوات من الريح بحلول عام 2000 أي نحو 10% من احتياجات البلد من الطاقة.

الدول النامية.. حصاد الريح

في الدول النامية المحرومة من مصادر الطاقة التقليدية مثل الفحم والنفط والمجبرة على دفع مواردها الشحيحة من العملة الصعبة مقابل استيراد أي منهما، قد تبدو الطاقات المتجددة وطاقة الرياح المنفذ الرخيص الوحيد.

ويرى عديد من الباحثين أن هذه الدول لا تملك سوى طريقين من الناحية التقنية هما:

ا- بناء محطات طاقة نووية مركزية ضخمة وشبكات لتوزيع الطاقة.

2- نظام لا مركزي من معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مستوى القرى والمدن والتجمعات السكانية.

وقد أسلفنا الحديث عن سلبيات الخيار النووي السلمي ومخاطره. ويبقى الحل الثاني مخرجاً مأمولاً لنحو مليار شخص يعيشون في المناطق الريفية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في ظروف معيشية سيئة مما يدفع عديدين منهم للهجرة بلى المناطق الحضرية ليعيشوا على أطراف المدن وتتدهور ظروفهم الحياتية أكثر.

ولكن رغم أن الشمس والريح متاحة للجميع إلا أن القدرة على استغلالهما بصورة اقتصادية مجدية ستظل محكومة بالتقدم التقني ورءوس الأموال اللازمة للأبحاث والتطوير و البنية التكنولوجية التحتية.

وحيث إن التقدم التقني ورءوس الأموال ميزات مقتصرة على الدول الصناعية المتقدمة تقريباً وأن الدول النامية تعاني من سوء أداء الحكومات وافتقارها إلى استراتيجيات مستقبلية واضحة يبدو أن مستقبل الطاقات المتجددة وطاقة الرياح منها سيبقى خاضعاً لخيارات الدول المتقدمة.