بِلِسان وحيدِ القرن

بِلِسان وحيدِ القرن
        

لا أملكُ مثل الريح جَوازَ سفَر
لأُبدِّلَ كلّ صباحٍ بَيْتا
لا أملك مثل الصقر جَناحًا
لأشدَّ غيومًا
وأُغادِرَ حين أريد شوارعَ شاخَتْ
ومكاتب لا يتجوّل فيها
إلاّ صُوَرُ الموتى
لا أملكُ ما أجْتاز البحرَ بهِ
رأسُ وحيد القرنِ ثقيلٌ
والبحرُ يريدُ سَواعدَ ومَجاديفَ
وصوتا أزْرقَ أو فِضِّيّا يَتَمدَّد فيه
وعَيْنًا تَسَع مَراكبَ ودلافينَ
ودَوّاماتٍ شتى
لا أملك كالجندي حِزامًا
تتَدلّى منهُ مدافعُ وصواريخُ
لكي أرْتَجِلَ القصْفَ
وأهْزمَ غولاً أوعِفْريتًا
عاديٌّ مثل الهرم أنا عاديٌ جدًا
وثقيلٌ جدا وبلا ريشٍ
والشارع قُرْبَ الفَجر ينام كقطٍ
تحت سريري
كيف سأُخْبِر نورا أني شِخْتُ
وأني لستُ الفارسَ ظنَّتْ?
كيف سأوجِع أطفال الحارات وأعلنُ أنّي
لن ألهوَ معهم خلف البيتِ
وأني كالجِنِّي خَدَعْتُ
وأني أيضًا
لست أميرًا لحكايات البحرِ ولا قُبطانًا?
لك أن تُعْلِنَ حربًا ضِدّ وحيدَ القرن
لك أن تنْساهُ وأنْ تَهْجوهُ
وأنْ تَتَمَنّى أن يُخْرِسَهُ اللهُ
لكيلا يَرْكضَ في الطرقاتِ ويَعوي
لك أن تُعْلِنَ أنّ زمانَ الشعرِ مضى
الماكيناتُ ستكتب شعرًا أبهى
لك أن تُعْلِنَ أنّ اللغة هي الأرْقامُ
وأنّ البنكَ هو القاموسُ
وأنّك لستَ من الغاوين انْخدعوا
بالشعراء السَّحَرةِ والكُهّانِ
وبالشعراءِ الحَكّائينَ
وبالشعراءِ انكشف الشعرُ لهم
فانْخَلعوا من أنْفُسِهم أو ذابوا ولَهًا
لك أن تُعْلِنَ أنكَ لا تَرْتاحُ إليَّ
وأني لستُ مفيدًا لكْ كالتلفزيون
أوالمرْوَحَةِ أو العَدّادِ
وأني سوف أُبَدِّد وقْتَكْ
وجهُك ليس غريبًا
لكنك لستَ من العائلةِ
ولست أخًا للريحِ
ولسْتَ ولَسْتَ ولستْ
من أنت إذن من أنتْ?
لم يُجْدِ ماءُ الورْدِ
والطلاءُ لم يَعُدْ يُخْفى
ولم نَعُدْ نَحْتمل الروائح التي
تَهُبُّ من نوافذ المَبْنى
شيٌء كبيرٌ فاسِدٌ هنا
شيٌء كبيرٌ فاسِدٌ هنا
شيءٌ كبيرٌ فاسِدٌ في القاعِ
هل هي الفوضى بدايةُ النظامِ
والفسادُ جنديٌّ?
لا بُدّ من وقتٍ لينْبُتَ الهواءُ في المَمَرِّ
والعِيالُ خارقين مثل شهْوةٍ لا بُدَّ من وقتٍ
لتقْذِفَ المياهُ مَخْذولين ضلَّلوا
كي يُصْبِحوا موجًا لا بُدَّ من وقتٍ
ليعرفَ الذين ألْبَسوا الصغيرَ بَدْلَةَ الكبيرِ
أنّهم خانوا
وأنّهم على جذورهم قدْ أعلنوا حربًا
لا بُدّ من وقتٍ
لتَسْقطَ الأحْجارُ بعد قَذْفها مُعْلِنَةَ
أنّ الطيورَ وحدها تطيرُ وَحْدَها..
ووحدها تَعْلو
لا بُدَّ من وقتٍ
ليغْسِلَ المحيطُ ماءه بمائهِ
ويسْتعيدَ زُرْقَةً يزْهو بها البحّارُ
عادةَ في الحربِ يَفْضَح الهواءُ نَفْسَهُ
وعادةً في الحرب لا يَنْتصر الجميعُ
بعضُهم يحبُ أن يشيخَ فوق درج
بَعْضُهم يُفَضِّل الغبارَ
هكذا تَتّسِعُ الدِّلْتا ويبدأ التاريخُ
هل بلادُنا تُشْبِهنا?

 

محمد سليمان   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات