معضلة تخصيب اليورانيوم

 معضلة تخصيب اليورانيوم
        

          خلال الشهور الماضية طالعتنا عناوين الصحف اليومية بمصطلح (تخصيب اليورانيوم), والخوف من استخداماته العسكرية, بينما يدافع البعض عن هذا التخصيب ضمن حق امتلاك تقنيات الطاقة النووية للأغراض السلمية. فما هو تخصيب اليورانيوم? وما هي استخداماته?...إنتاج الطاقة? أم إنتاج الأسلحة النووية? هنا محاولة للإجابة.

          يوجد اليورانيوم الطبيعي في القشرة الأرضية بنسبة 3 جرامات في الطن, وأيضًا في ماء البحر بنسبة 3 مليجرامات في الطن. يتكون اليورانيوم الطبيعي في الغالبية من خليط من نظيرين مشعّين من اليورانيوم بنسبة 99,3% يورانيوم 238و0.7% يورانيوم 235. الأرقام  238و235 تدل على مجموع عدد البروتونات والنيوترونات في نواة النظير أو بمعنى آخر تدل على كتلته. وتعد كندا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا وأستراليا ونيجيريا من أهم الدول المزوّدة لليورانيوم.

          لكي تنتج الطاقة في المفاعل النووي المنتشر استخدامه من نوع الماء الخفيف LWR, يقذف اليورانيوم بالنيترونات لكي يحدث الانشطار النووي الذي يولد طاقة هائلة. هذا الانشطار النووي يحدث فقط ليورانيوم 235 القابل للانشطار, ولهذا يجب زيادة نسبة يورانيوم 235 في اليورانيوم الطبيعي حتى حوالي 3 إلى 5% اعتمادًا على نوع المفاعل النووي. هذه الزيادة في نسبة اليورانيوم 235 هي ما تسمى تخصيب اليورانيوم.

          اليورانيوم 238 أثقل من اليورانيوم 235 بنسبة بسيطة تبلغ 0.85%, هذا الفرق البسيط في الكتلة يستخدم لفصل النظيرين عن بعضهما. توجد طرق كثيرة للفصل, ولكن طريقة الفصل بالطرد المركزي لأسباب اقتصادية هي الأكثر انتشارًا في العالم.

التخصيب بالطرد المركزي

          في الخطوة الأولى يحوّل اليورانيوم الطبيعي إلى غاز في شكل اليورانيوم سداسي الفلور, ولأن فرق الكتلة بين جزيئات غاز النظيرين بسيطة, يتم تخصيب اليورانيوم في خطوات متتالية, في كل خطوة يتم زيادة نسبة اليورانيوم 235 حتى النسبة المطلوبة.

          جهاز الطرد المركزي يتكون من غلاف أسطواني مفرّغ من الهواء, تدور بداخله أسطوانة بسرعة كبيرة, هذه الأسطوانة تدور تقريبا دون أي نوع من الاحتكاك بواسطة محرّك كهربائي من أسفل, ومغناطيس قوي من أعلى, غاز اليورانيوم الطبيعي يدخل هذه الأسطوانة ويأخذ سرعة دورانها, الغاز الثقيل بتركيز أكبر ليورانيوم 238 يدفع إلى الخارج في اتجاه جدار الأسطوانة, والغاز الخفيف بتركيز أكبر ليورانيوم 235 يبقى في مركز الأسطوانة. بعمل فارق حراري على الأسطوانة يمكن فصل الغازين في اتجاه قمة وقاع الأسطوانة, حيث يتم امتصاصها عن طريق أنابيب موصلة بالخطوة التالية للتخصيب. أسطوانات الطرد المركزي توصل بالتوالي والتوازي بعضها البعض كي تصل درجة تركيز يورانيوم 235 إلى الدرجة المطلوبة. توضع هذه الأسطوانات التي يصل عددها إلى مئات عدة فيما يسمى محطة الطرد المركزي.

الاستخدام السلمي

          يستخدم اليورانيوم المخصب الذي وصلت فيه درجة تركيز يورانيوم 235 القابل للانشطار من 3 إلى 5% في صناعة وقود المفاعل النووي لإنتاج الطاقة. وتعمل المفاعلات النووية على مبدأ الانشطار النووي, وذلك من خلال انشطار نواة الذرة, مما يؤدي إلى إطلاق طاقة حرارية. وتعتبر مادة اليورانيوم 235 هي الوقود الرئيسي المستخدم في المفاعلات النووية, ويحدث الانشطار النووي لذرات اليورانيوم بإطلاق النيوترونات عليها, وعندما تنشطر بعض الذرات فإنها تطلق النيوترونات, واصطدام هذه النيوترونات مع ذرات أخرى يسبب انشطارها, فيتم تحرير المزيد من النيوترونات.

          وهكذا يستمر رد الفعل المتسلسل مسببًا توليد كمية هائلة من الطاقة الحرارية, ويتم التحكم بمعدل الانشطار النووي في المفاعل باستخدام قضبان تحكم من مادة الكادميوم, التي تقوم بامتصاص بعض النيوترونات المتحررة, فهي تسمح بتنظيم الانشطار النووي والتحكم الآمن به. كما يتم استخدام نظام تبريد مائي للتخلص من الحرارة المفرطة التي تنتج أثناء العملية, ويستخدم البخار الذي تم توليده لتدوير التوربينات التي تولد الطاقة الكهربائية.

          المفاعل النووي الذي ينتج 1300 ميجاوات يحتاج سنويًا إلى 210 أطنان يورانيوم طبيعي لإنتاج 25 طنا من اليورانيوم المخصب. النفايات النووية من المفاعل ومخلفات مصانع تخصيب اليورانيوم تجمع وتنقل للتخزين النهائي عادة في تجاويف صالحة تحت سطح الأرض. بالطبع تشكل هذه المخازن خطورة, خاصة في حال تسرّب المواد المشعة إلى المياه الجوفية وبالتالي إلى مياه الشرب, والمعروف أن المخلفات النووية تبقى على حالتها المشعة لآلاف السنين.

          ووفق ما ذكرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية, فإن تقديرات نهاية عام 1997 تشير إلى أن كمية الوقود المستهلك الناجم عن مفاعلات الطاقة التي يتم تخزينها عالميًا, والتي تزيد على 130 ألف طن, تحتوي على عناصر ذات إشعاعية عالية. ولا يوجد حاليًا نظام آمن للتخلص من هذه النفايات.

          يوجد أكثر من 440  مفاعلاً نوويًا سلميًا على مستوى العالم و30 أخرى قيد الإنشاء. تزود الطاقة النووية دول العالم بأكثر من  16% من الطاقة الكهربائية, فهي تلبي ما يقرب من 35% من احتياجات دول الاتحاد الأوربي. فرنسا وحدها تحصل على 77% من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية.

الاستخدام العسكري

          يستخدم اليورانيوم الناضب الناتج من نفايات الوقود النووي, وما يتبقى بعد تخصيب اليورانيوم, بسبب كثافته العالية, التي تزيد على كثافة الرصاص مرتين, في الأسلحة المصنعة لاختراق المدرعات. ولهذه الأسلحة أضرار صحية في حال استنشاق دقائق اليورانيوم التي تحتجز داخل الرئة لتسبب سرطان الرئة.

          لكي يستخدم اليورانيوم المخصب في إنتاج الأسلحة النووية, يجب أن تصل نسبة اليورانيوم 235 حتى20 إلى 90% اعتمادًا على نوع السلاح النووي.

          الدول التي تنتج الأسلحة النووية اليوم بترتيب أسبقية الإنتاج هي: الولايات المتحدة, روسيا, إنجلترا, فرنسا, الصين, الهند وباكستان. من المعروف دوليًا أن إسرائيل تمتلك الأسلحة النووية بالرغم من عدم وجود اعتراف رسمي من ناحيتها.

          في عام 1957 تأسست الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وهي منظمة مستقلة تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة وتهدف إلى تكثيف وتوسيع استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية, وتقوم أيضًا بأعمال الرقابة والتفتيش في الدول التي لديها منشآت نووية, والموقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية, كي لا ينتج يورانيوم مخصب صالح لإنتاج الأسلحة النووية.

          إن مصانع تخصيب اليورانيوم هي النقطة الحساسة التي تفصل بين الاستخدام السلمي والعسكري للطاقة النووية, وتتطلب الرقابة والتفتيش الدائمين من ناحية الوكالة الدولية للطاقة الذرية, إذا أراد العالم منع انتشار الأسلحة النووية, لكن هذا يحتّم أن تشمل الرقابة والتفتيش الجميع, وإلاّ صارت هناك ازدواجية تبيح للبعض مثل إسرائيل, ما لا تسمح للآخرين بالاقتراب منه.

 

شامل زكريا   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




نفايات نووية مخزنة تحت الأرض





 





مفاعل نووي من الداخل تظهر به أسطوانات الوقود النووي