هل تقوم لغة عالمية واحدة?

هل تقوم لغة عالمية واحدة?
        

          في العدد (542) يناير 2004 من مجلة (العربي), وفي مقال بعنوان (هل تقوم لغة عالمية واحدة?) تناول د.أحمد أبو زيد موضوع انتشار اللغة الإنجليزية, واحتمال أن تصبح اللغة العالمية في المستقبل غير البعيد, وذكر بضعة شواهد تؤيد الاتجاه القائل بذلك, إلا أنه أضاف قائلاً: إن ذلك لا يتعارض مع استمرار وجود عدد لابأس به من اللغات (القوية) واحتمال ظهور قوى جديدة تزاحم الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأخرى الناطقة بالإنجليزية في نفوذها السياسي والاقتصادي, وتعمل بالتالي على نشر لغتها أو لغاتها على حساب الإنجليزية, أي أن هناك بعض الشكوك القوية حول احتمال أن تصبح الإنجليزية لغة المستقبل التي يمكنها توحيد العالم, خاصة أنها هي ذاتها تتنوع الآن وتنقسم إلى عدد كبير من اللهجات المختلفة, والتي قد تتطور لتصبح لغات منفصلة ومتمايزة. وأخيرًا أشار الكاتب إلى أن هناك بعض الجهود التي تبذل من أجل (اختراع) لغة عالمية واحدة, تتناسب مع استخدامات الكمبيوتر والإنترنت, وتتميز بالسهولة والبساطة.

          وأود في هذه الكلمة أن أناقش النقطتين اللتين تناولهما د.أبو زيد, وهما انتشار اللغة الإنجليزية على الساحة العالمية, و(اختراع) لغة عالمية واحدة.

          بالنسبة للنقطة الأولى تجدر الإشارة في البداية إلى التقرير الذي أصدره المجلس الثقافي البريطاني منذ بضع سنوات بعنوان (مستقبل اللغة الإنجليزية), ونظرًا لأهميته, فقد كتب مقدمته الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا, وورد في هذا التقرير أنه من المتوقع أن تظل الإنجليزية اللغة العالمية الأولى في القرن الواحد والعشرين الحالي, ولكنها لن تكون الوحيدة في هذا المجال, أي لن تحتكر هذا الموقع, إذ يتوقع أن تنافسها بعض اللغات الأخرى وتصبح لغات عالمية أيضًا. واللغات المرشحة لأن تحتل هذه المكانة الرفيعة والمرموقة هي: العربية والصينية والإسبانية والهندية/الأوردية. ويعود السبب في ذلك إلى العوامل الديموجرافية (السكانية) والثقافية والتغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم في الوقت الراهن, وينتظر أن تصل إلى ذروتها في منتصف القرن الحالي.

          وأما بالنسبة للنقطة الثانية, فقد حاول بعض العلماء وضع لغات عالمية تساعد على إلغاء الحواجز بين الأمم والشعوب, وتعمل على تعزيز التفاهم وزيادة الاتصال بينها. وقد بلغ عدد محاولتهم أكثر من مائة, إلا أن أشهر هذه اللغات (الصناعية) ثلاث, وهي:

          1- (اسبيرانتو (أي الأمل), وقد اخترعها طبيب العيون البولندي لودفيج لازاروس زامنهوف عام 1887, واشتق قواعدها ومفرداتها من اللغة اللاتينية واللغات الأوربية المعاصرة.

          2- (فولابيك) (أي اللغة العالمية), وقد اخترعها رجل دين من ولاية بافاريا الألمانية يدعى يوهان مارتين شلاير عام 1879

          3- (إيدو) وقد وضعها مجموعة من العلماء عام 1907.

          إلا أن جميع هذه المحاولات قد باءت بالفشل, ولم تستطع أيّ منها أن تحل محل اللغات الوطنية, أو أن تصبح اللغة العالمية الموحدة للاتصال والتفاهم. ويرجع الفشل في ذلك إما لأسباب وطنية, أو لأن هذه اللغات مصطنعة, ولا تضم مؤلفات أدبية أو أعمالاً فكرية, ذلك أن اللغات الوطنية عنصر رئيسي من عناصر ثقافة أي شعب أو مجتمع, وتسهم مع باقي عناصر الثقافة في عملية التنشئة الاجتماعية للأفراد, كيف لا واللغة الوطنية هي أداة التعبير عن الفنون والآداب والتراث الحضاري والفولكلوري لأي مجتمع, كما تعكس خصائصه وقيمه وعاداته وتقاليده وأسلوب حياته ونمط تفكيره.

شعبان عبدالعزيز عفيفي

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات