مساحة ود أمينة شفيق
أنا والكمبيوتر
جلست ابنتي على جهاز الكمبيوتر. ضغطت بأصابعها على أزراره. في الحال، ظهرت على الشاشة حروف وكلمات وأرقام وخطوط.
تقول ابنتي إن هذا الكمبيوتر هو خلاصة تقدم العقل البشري حتى الآن.. نعم.. حتى الآن، وعندما سألتها: وماذا بعد الآن. أجابت: " ليس للعقل البشري أي حدود ينتهي عندها إبداعه ونموه. فالعلم، لا حدود له. والعقل البشري هو صانع العلم ".
تفصل بيني وبين جهاز الكمبيوتر مساحة زمنية ثم مسافة عاطفية. لم أتعرف عليه، لذلك لم أتعود عليه. ربما كان ذلك سبب بعدي العاطفي عنه.
أتذكر أول مرة التقيت به. كان ذلك في مكاتب إحدى شركات الطيران. طلبت تسجيل موعد سفري. في الحال، جلست المضيفة الأرضية على جهاز صغير وضغطت بأصابعها على أزراره وبعد دقائق معدودة وضعت أمامي تذكرة الطائرة مسجلا عليها تاريخ السفر وساعة الإقلاع واتجاه الطائرة ورقم الرحلة. هكذا تم كل شيء في دقائق. في حين أن ذات العمل كان يأخذ أكثر من نصف ساعة قديما. بعد ذلك اللقاء، سعيت لمعرفة بعض المعلومات عن ذلك الجهاز.
كنت أعرف أننا نعيش عصر الكمبيوتر. وها أنا أمام رمز العصر. ولكن، ولأني ولدت قبل مولد الكمبيوتر بعقود عديدة فقد خفت من الاقتراب منه، ويقينا أن خوفي وبعدي عنه كان سبب تباعدي العاطفي. فالذي لا تعرفه، قد لا تحبه.
لكن ما العمل وقد جاءت به ابنتى إلى حياتى وفرضت وجوده علي!
تذكرت روايات جدتي عن الترام وكيف أنها عاشت سنوات مترددة إلى أن ركبته وتعودت عليه. كما تذكرت كيف أن أمى كانت ترتعد من مجرد علمها أني سأسافر بالطائرة من قارة إلى أخرى. كذلك عادت بي الذاكرة إلى كمية أعواد البخور التي أحرقتها خالتي الكبرى عندما علمت أني بدأت العمل وأن لي مكتبا ملاصقا لمكتب زملائي الذكور. تذكرت كل ذلك وقررت أن أخترق حاجز الخوف وأذهب بنفسي لأتعرف على ذلك الجهاز.. الكمبيوتر.
طلبت من ابنتي كتيب التعليمات. قرأته جيدا. جلست على الجهاز وبدأت أسير حسب التعليمات التي حفظتها. ضغطت على الأزرار وبدأت العمل. في البداية تصببت عرقا وبات كل شيء في غاية الصعوبة. لكني صممت. يوما بعد الآخر.. ثم اليوم الثالث وأنا مصممة. إلى أن أصبحت الأمور أكثر سهولة.. ثم سهلة، ثم سهلة جدا. رأتني ابنتي وضحكت. سألتني.. " هل أنت سعيدة؟ ". أجبتها: " نعم، سوف نتناوب العمل عليه.. ".
بعد ذلك، خرجنا معا لنأكل الآيس كريم في مكان عام. صديقتان حميمتان تتناوبان العمل على جهاز واحد وتعيشان معا عصر الكمبيوتر.