واحة العربي

الأذن من حالتها الموسيقية الراقية
إلى أذن قطة الملوخية

الأذن: جهاز السمع في المخلوقات الحية، وباب الجحيم- وأحيانا الفردوس- للإنسان، يمكنها- بالطنين أو الإنصات الشديد- أن تقودك إلى حيث تجد نهايتك الموفقة، ويطرب الأذن جرس الكلمة الحلوة، ولحن المجاملة، ونغمة المغازلة، وما إلى ذلك من فنون الخداع الجميل والكذب اللين الطري، لكنها- هذه الأذن- تستفيق على الدعاء بالستر، والأوامر والنواهي والزجر، وآهة الاسترحام، وحقوق الزوجات، ومصاريف المدارس، وغنة الوليد، وأذان الفجر، وصوت الديك، والأذن الحساسة الرقيقة عمرها قصير، يدمرها ارتفاع ضغط الدم، وتعليمات وزراء الإعلام، وصراخ الطفل الأول من الزوجة الأولى، وضجيج الموسيقى ذات النشاز الحديث، وانفجار القنابل، والكلام الراضخ مدة طويلة مع من تكره، أو الكلام فيما لا تحب، أو الإنصات إلى ما لا تتمنى، ولذا فإن الأذن تميل - أحيانا- إلى أشياء كثيرة يرفضها العقل، لتحدث الوقيعة بينهما، فتسمع الأذن أشياء لا علاقة لها بما يختمر في العقل، وهو انفصام يتميز به المواطن المعاصر، حالة (سرحان) يهيم فيها العقل متعالياً عما ينصب في الأذن، لكن الأذن تجبر على مراعاة لياقة الإنصات فتضطرب، تتقلص حتى تصبح أذنا لضفدع، أو تستطيل حتى تمسي أذنا لحمار، فتدفع بالدموع للعيون أو الضحكات إلى الأفواه دون اهتمام بأن ما يحدث لا يؤدي إلى ذلك، ويمكنك أن تتأكد من الأمر لو أمعنت في وجوه القوم المحاصرين في المسرح، أو الموقع الوضيع للمتعة الرخيصة، أو افتعالا للاستماع للخطب الرسمية، أو انسحاقاً تحت سطوة حاكم همام، أو انتظارا لنقود تلقي بها السماء، أو إنصاتاً لحركة شفتي قاض في حالة تأهب لإصدار الحكم.

لكن- هذه الأذن- تستطيع أن تتحرر من الواقع والذي وقع والمتوقع وقوعه، تقفز فوق العوائق والضواغط وتتسلل إلى الأمنيات العذبة فتجمعها في انسياب موسيقي بالغ الانسجام والامتزاج، وهو ما أدى إلى هبوط نسبة السمع عند أشهر مستمع موسيقي في عصرنا: الدكتور حسين فوزي، وانخفاضها- ربما لأسباب أخرى- عند أشهر روائي عربي: نجيب محفوظ، وانسحاقها تماما عند أشهر مؤلف موسيقي عالمي: بيتهوفن، ولا علاقة لذلك بحادث انتزاع الفنان التشكيلي فان جوخ أذنه وأهدائها لواحدة من بنات جزيرة هاييتي.

وإذا كانت أطول أذن نجدها في الحمار، وأعرضها في الفيل، وأجملها في الزرافة والجمل والكلاب والقطط، فإن أضخم أذن على الإطلاق هي لجهاز المخابرات الأمريكية، (وأكبر عين أيضا)، وما يتفرع عن ذلك من آذان دولية صغيرة، أو محلية، في الصحافة، والشرطة، وجماعات الغجر، والفيران، والرجل غير الموفق مع زوجته الجميلة، والوزير ذي المقعد المضطرب، والموظفين آخر الشهر، والجبان غير القادر على المواجهة، والذئاب (الأنف أقوى)، وكلاب الصيد، وباعة الصور غير المهذبة، والطيارين، والعشاق في المرحلة الأولى، والعبيد، والسياسي غير المحنك، والمسجون المتوقع الإفراج عنه.

أما أشهر أذن شعبية فهي أذن القطة: وهي طريقة تلف بها لقمة الخبز في الملوخية، وأذن الظفر: تلك الجزئية الباقية في ركن الظفر وتحدث ألماً مروعاً عند نزعها، وتطلق على من ينزعون منه أخطر أعوانه، هذا دون أن نغامر بذكر تفاصيل آذان جميلة لنساء جميلات يتألقن بها وضاءة ولو كانت خالية من الحلي.