جديد النوم والأرق

جديد النوم والأرق

يقولون إن النوم سلطان, وهو سلطان طيِّب يريح الأجساد ويعيد ترميم النفوس. لكن السلاطين, حتى الطيبين منهم, لا يعدمون ما يعكِّر صفو ممالكهم... وممالكنا!

قد لا يأتي النوم من تلقاء ذاته. هناك 20% من الناس يعانون الأرق في مختلف المجتمعات نتيجة لضغوط الحياة المتعددة. وهذه النسبة ترتفع أكثر بين سكان المدن. ونشير إلى أن حاجة الجسم إلى النوم هي حوالي 8 ساعات تقريباً عند الراشد ولكن هناك أشخاصا يكتفون بأربع أو خمس ساعات فقط. إن الحاجة إلى النوم ترتبط أيضا بالعمر. فالرضيع يحتاج إلى 16 ساعة يوميا مقابل 12 ساعة للطفل في عمر الرابعة و10 ساعات في عمر العاشرة. وينخفض عدد ساعات النوم كلما تقدم الإنسان في العمر. وباختصار, يشكل النوم حاجة فسيولوجية, فهو يوفر الراحة ويشحن الطاقة لليوم التالي, كما أن نسبة هرمون النمو ترتفع أكثر في بداية النوم وأثناء فترة النوم العميق. وهذا شيء مهم جدا لتأمين النمو عند الأطفال.

لقد كشفت الأبحاث الحديثة في السنتين الأخيرتين (في جامعات جنيف وليون وستانفورد) عن وجود خلايا عصبية مثلثة (نيورونات أو عصبونات) قابعة في القاع السفلي من الدماغ. وهذه الخلايا تحمل معها مفتاح النوم والأرق. وقد توصل حديثا فريق من الأطباء والباحثين الفرنسيين والسويسريين (بجامعتي جنيف وليون) إلى القول إن المنطقة السفلى في عمق الدماغ هي المسئولة عن النوم وحالات الأرق. وبعد أن أحدث الباحثون جروحاً في المنطقة المذكورة عند الفئران المخبرية, اكتشفوا أن هذه الحيوانات قد أصيبت بحالة من الأرق الشديد والدائم. ومن نتائج الدراسة أيضا أن المنطقة المذكورة تحتوي على عصبونات مثلثة بنسبة 68%, بينما الخلايا المتبقية تكون ذات شكل مغزلي. ويبدو أن الخلايا المثلثة هي التي تحمل معها مفتاح النوم.

العاصفة الدماغية

من الخطأ الاعتقاد بأن الإنسان يغط فوراً في نوم هادئ وعميق, فهناك أربع مراحل مختلفة للنوم, وبعض هذه المراحل يترافق مع ما نطلق عليه العاصفة الدماغية التي تلي فترة النوم العميق. وخلال هذه العاصفة, تحدث حركات سريعة في العينين واضطراب في التنفس وضربات في القلب وارتفاع في الضغط الدموي ونشاط كهربائي في الدماغ يتجاوز الحد المعروف في حالات اليقظة, بالإضافة إلى ذلك, تظهر الأحلام أوالمنامات. ويصف العلماء حالة النوم هذه, بالنوم المضطرب أو المتناقض (Paradoxal).

والسؤال: لماذا هذه العاصفة الدماغية وما فائدتها?

يفيد العلماء بأن هذه المرحلة تعتبر بمنزلة تشكيل أو برمجة عصبية - نفسية شبيهة بعملية تنظيف للمواد المضرة والسامة في الجسم, والتي إن بقيت, تودي إلى أمراض مختلفة. ومن حسنات العاصفة الدماغية, أنها تؤدي إلى إعادة تنظيم عملية التواصل بين النيورونات (الخلايا العصبية) لتصبح جاهزة للعمل والنشاط في اليوم التالي.

المشكلة وعلاجها

إن أكثر من 50% من حالات الأرق تعود إلى تراكم الضغوط والمشكلات النفسية: الخلافات الزوجية, النزاعات والأحقاد في مجالات العمل والعلاقات مع الآخرين بالإضافة إلى الهموم وانشغال البال والآلام الجسدية. وهناك أشخاص عصبيون وانفعاليون بطبيعتهم لا يمكنهم أن ينعموا بنوم عميق وهادئ (عامل تكويني ووراثي). وبحكم استمرار التوتر والضغوط المختلفة, فإن الأرق يصبح مزمنا مما يدفع بالمرء إلى تعاطي المهدئات والمنومات في شكل عقاقير أو مواد أو مشروبات مخدرة للسيطرة على القلق واضطراب النوم.

ويظهر هذا الاضطراب بأشكال عدة: فهذا رجل عصبي وعدواني يصرّ أسنانه أثناء النوم, وهذا رياضي, يستيقظ ليلا بسبب التشنجات العضلية, وهناك آخر ينهض من سريره مذعوراً, وهذا طفل يبكي ويصرخ بسبب الكوابيس... إن هذه الأمور ليست خطيرة بحد ذاتها ولكنها تشير إلى حالة نفسية أو صحية غير سوية.

هل يمكن أن نعيش دون أن نأخذ قسطاً من النوم?
إن النوم حاجة طبيعية, ويبدو أن المرء يستطيع أن يسهر عدّة ليال ولكنه يصبح فيما بعد عاجزاً عن بذل الجهد والتركيز.

وتفيد الدراسات عن الجنود الذين يحرمون من النوم بسبب مهماتهم الميدانية, بأنهم يغرقون في النوم بعد طول العناء, مهما تكن الضغوط الخارجية. فالشخص المحروم من النوم يصبح متوتراً وعدوانياً وعاجزاً عن التركيز والتفكير. وفي عام 1965 بقي الشاب الأمريكي GARDNER 11 يوما متواصلا دون نوم, وقد بقي محافظا على هدوئه ونشاطه, كما ظهر ذلك في المؤتمر الصحفي. ولكن لم يعرف أحد إن كان الشاب المذكور قد تعاطي المنشطات أم لا, وماذا كانت عواقب هذه المخاطرة على جهازه العصبي.

المشكلة القائمة بشأن المنومات والمهدئات هي أنها لا تعالج عملية النوم بصورة مباشرة لكنها تساعد على وقف حالة اليقظة والتوتر. لذا, فهي غير كافية تماما, تضاف إلى ذلك حال الاعتماد التي تخلقها لاحقاً عند الشخص. صحيح أن المهدئات من مركبات Benzodiazepine (مثل الإتيغان واللوكز تيانيل) تساعد على النوم والهدوء ويلجأ إليها ملايين البشر في العالم, ولكن مشكلة الأرق تبقى قائمة, وكذلك مشكلة الاعتماد وزيادة الكمية.

إن المهدئات المذكورة لا تعمل مباشرة على مستقبلات Gaba الخاصة بالنوم وبالنيورونات المثلثة. لذا, حاول بعض العلماء اليوم أن يدرسوا مادة الهستامين التي قد تلعب دوراً ما في ميكانيزم اليقظة. وكما نعلم, فإن الأطباء يصفون غالبا أدوية مضادة للهستامين من أجل معالجة الحساسية. ومن الأدوية الحديثة في هذا المجال, نذكر Melatonine. ويبدو أن العديد من الأمريكيين يتناولون هذا الدواء لمقاومة الأرق لأنه لا يتطلب وصفة طبية. وهذا الدواء يعتبر موازيا لهرمون تفرزه الغدة النخامية وهو يساعد على النوم وتنظيم الساعة البيولوجية.

وبعيداً عن العقاقير وقصورها وآثارها الجانبية هناك وسائل أخرى غير الدواء يمكن استخدامها للتخفيف من حالة الأرق. ومن هذه الوسائل نذكر:

- الغذاء: امتنع عن تناول القهوة والشاي والكولا وما شابه, وكذلك عن اللحوم الحمراء, في الفترة المسائية, ولتكن وجبة العشاء خفيفة تحتوي مثلا على الزبادي (الروب أو اللبن) قليل الدسم والفاكهة مثل التفاح أو العسل, وليكن ذلك قبل النوم بساعتين.

أما الكحوليات فإضــافة إلى تحريمـها فهي ضارة بالنـــوم على عكس ما يتـــصور البعض إذ تؤدي إلى نوم مضــطرب غير مشبع ومليء بالكوابيس.

- تجنب الجدل والشجار والنقاش الحاد مع الآخرين في الفترة المسائية, وحاول أن تكون هادئاً وتعلم أن تؤجل التفكير بهمومك إلى الغد. وأنت ممدد على سريرك, حاول أن تغمض عينيك, وتضع همومك في كيس, وعليك أن ترمي به في مجرى النهر (تخيّل ذلك المشهد وكأنه حقيقي يجري أمامك).

- لا تقرأ كتباً علميّة أو صعبة أو مزعجة, ولا تمارس الرياضة العنيفة في الفترة المسائية لأن ذلك يثير الجسم ويحول دون تحقيق النوم والراحة. حاول أيضاً أن تذهب إلى الفراش في ساعة محددة, فهذا الأمر يساعد الجسم على ضبط الساعة البيولوجية.

- تجنب الضوضاء والوسادة السميكة أو الصلبة. ويبدو أن المرء يستطيع أن يتكيّف مع صوت المكيّف ويعتاد عليه, بعكس صوت الدراجة النارية التي تلهب الأعصاب. ومن الناس من يعتادون الضوضاء, وقد يجدون صعوبة في النوم في جوّ من الصمت والهدوء.

- تعلّم الاسترخاء, فهو يساعدك على إزالة التوتر والأرق, ولكن الاسترخاء الجسدي وحده لا يكفي, هناك الاسترخاء النفسي الذي يعني السلام داخل النفس وطرد الهموم والتوكل على الله.

- وأخيرا, ينصح أخصائيو العلاج النباتي باستخدام بعض الأزهار والأعشاب لمقاومة الأرق والتوتر مثل زهرة الناردين وزهرة الكافا... ويوجد في صـيـدلـيـات أوربـا الـــعـديد مـن هـذه الأعــــشاب والأزهـار الـتـي أظـهـرت فـائـدتـهـا والـتـي تـخلو من الآثار الجانبية.

 

غسان يعقوب







 





الدراسات المعملية تكشف خبايا موجات رسم المخ





 





النوم ضرورة للنمو