من المكتبة العربية
من المكتبة العربية
طارق السيد رجب ليس سيرة ذاتية يؤرخ فيها الفنان التشكيلي طارق السيد رجب لأعماله وإبداعه بــقدر مـــا هو مرجع مهم يرصد الحياة التشكيلية وإرهاصاتها في الكويت خلال خمسينيات القرن الماضي إلى جانب أنه يصور جوانب من الحياة في الكويت آنذاك. قليلة تلك الإصدارات التي تعنى بالفنون التشكيلية في الكويت, وبشكل خاص التي ترصد نشأة الفن التشكيلي, وإرهاصات بداياته في الخمسينيات من العقد الماضي, حين كانت الكويت تتألف من مجتمع بسيط يقيم في بيئة صحراوية قاسية, قائم نشاطه على البحر, في صيد الأسماك, والبحث عن اللؤلؤ, وصناعة السفن الشراعية, وعلى التجارة البحرية. وانفتاحها على العالم كان لا يتجاوز مصر في الشمال, والهند وشرق إفريقيا في الجنوب. إن هذه الإصدارات التي تعنى بفترة الخمسينيات تكتسب أهميتها من كونها, رسمت ملامح التكوين, وشكلت الأرضية الخصبة لبذرة الفن التشكيلي كي تغرس جذورها الطرية, وترتفع أغصانها الندية, في مجتمع يصفه المؤلف بأنه (يعيش حياة شاقة, لا مجال فيها للرسم, ولم يكن فيه تراث فني (تشكيلي) أو متاحف أو صالات فنية, وحتى التصوير الفوتوغرافي كان محدوداً جداً!!). مسيرة فن ورحلة فنان من هنا يأتي كتاب الفنان الرائد طارق السيد رجب في وقت أحوج ما نكون إليه, لقراءة شهادات عاصرت مراحل التأسيس, وتلقي الضوء على طبيعة طرق التدريس التي كان يطبقها الأساتذة آنذاك, وأسلوب التدريب الذي كان يمارس في سبيل تطوير مهارات الطلبة, وأيضاً بعد نظر المشرفين القائمين على التعليم, لدور الفن التشكيلي في سبيل نهضة المجتمعات ورفعة الأوطان. حمل الكتاب عنواناً له (طارق السيد رجب وتطور الحركة الفنية التشكيلية في الكويت), ويثير عنوانه شيئا من الالتباس, حيث يستدل منه, على الدور الذي لعبه الفنان في تطور الحركة التشكيلية في الكويت! في حين أن ما سطره الفنان الرائد طارق السيد رجب في صفحات كتابه القيم, يخرج إلى إطار أوسع, ورحاب أشمل, فهو لم يتحدث عن دوره بقدر ما تناول مسيرته الفنية, وعرض تجربته الممتدة منذ الخمسينيات, واستعراضه لواقع مجتمعه, على هيئة شريط لذكريات بقيت في ذاكرته, فسعى لتسجيلها قبل أن تمحوها السنون. اشتمل الكتاب على كلمة تقديم وصفت رحلة الفنان بأنها (مسيرة من الإبداع, والعطاء الفني, وقامة متميزة من قامات الرجال في بلدي), بعدها كلمة تمهيدية قصيرة للفنان, ومن ثم عرض مختصر لسيرته الفنية في عشر صفحات, يتناول فيها سردا سريعا لمراحل دراسته وتطوره الفني, واستعراضه للظروف التي دعته للتوجه نحو دراسة الفن التشكيلي, مع تبيان للمصاعب التي واجهته في بعثته, مقابل الخبرات التي اكتسبها, وينتهي بخلاصة تجربته, وإسدائه بعض النصائح للفنانين الناشئين عن معنى الفن, ودعوته لهم للاستمرار في البحث والدراسة. كما اشتمل الكتاب - وهو من القطع المتوسط - على عرض ما يقارب التسعين لوحة, توزعت على مائة صفحة, أغلبها لأعمال مرسومة بالألوان الزيتية, وأما البقية فهي بالألوان المائية, مع بعض التخطيطات بالقلم الرصاص, وبعض الرسوم على الحجر (ليثوغراف), التي تعود لبداياته الفنية, أثناء دراسته في بريطانيا. الكويت.. نقطة الانطلاق ولد الفنان طارق السيد رجب في الكويت عام 1935م, وتربى في بيت علم ودين, حيث جده (لأمه) السيد عمر عاصم, أول ناظر لأول مدرسة نظامية في الكويت, وهي مدرسة المباركية التي تأسست عام 1911م, التي تلقى بها تعليمه في الخمسينيات, وبها تعرف على مادة (الرسم) التي كانت تدرس إلى جانب المواد الأخرى, وتتم طريقة تدريسها من خلال نقل التلاميذ ما يرسمه الأستاذ من أشكال بسيطة على السبورة, مثل بطة أو دجاجة, ومن ثم يطلب من الطلبة نقلها على الكراريس, لتدريبهم على الرسم. وأما تطور تعلقه بالرسم, أو بالفن تحديداً, فيشير إلى أنه بدأ معه من خلال مشاهدته لبعض رسومات السفن الشراعية, التي يقوم برسمها البحارة على الجدران بواسطة الفحم, وما ينجزه النجارون المهرة في بناء السفن, وصناعة الأبواب الخشبية الجميلة ذات الزخارف الهندسية الدقيقة, وأيضاً من خلال اطلاعه على المجلات العربية التي كانت تصل للكويت في تلك الفترة. إلى جانب إعجابه الشديد بهيئة الأشكال المختلفة المرسومة على زجاج الخزانة الخشبية الهندية في بيتهم, لبعض الطيور كالطاووس, والمناظر للحدائق والزهور, ودفعه ولعه بتلك الرسوم, إلى قضاء وقت طويل في محاولة تقليدها, ومعرفة كيفية رسمها, عدا عن ذلك, اطلاعه على المخطوطات في مكتبة جده, المكونة معظمها من المصاحف, وبعض الكتب الدينية. تعود أول محاولة له بالرسم, عندما كان في الخامسة عشرة من عمره عام 1950م, أنجزها على غلاف قصة (تراجر آيلند), نظراً لعدم توافر المواد اللازمة كالقماش وغيرها, وتمثل منظرا طبيعيا لمراكب شراعية في بحر أزرق, تحيطه الجبال والأشجار, نتيجة ولعه بقراءة الكتب الإنجليزية المصورة, وتمعنه في رسومها في محاولة منه لتقليدها. ويشير المؤلف إلى أنه في عام 1953م, شهدت ثانوية الشويخ معرضاً فنياً كبيراً, لحصيلة الأعمال التي قام بإنجازها الطلبة في نهاية السنة الدراسية, مثل: الطباعة على القماش, الأعمال الخشبية المختلفة, الرسم بالزيت, والطباشير الملونة, واعتبر حدثاً كبيراً لم تشهده الكويت من قبل, أقيم تحت إشراف أستاذين كان لهما الفضل الكبير لمسيرة الفنان طارق السيد رجب, الأول شريف الخضرا وهو فلسطيني متخصص في تدريس الأشغال اليدوية, وفي التدريب على أسس الرسوم الهندسية في الزخرفة العربية ذات الأشكال الملتوية. أما الثاني فهو الأستاذ معجب الدوسري (21 - 1956م), ويعد أول مدرس كويتي يدرس مادة الرسم, تخرج في القاهرة, والتحق بدورات وقام بزيارات للمتاحف في بريطانيا لمدة عام, وكان يقوم بتدريب الطلبة على الرسم بالألوان الزيتية, حيث كان له الدور الكبير في تشجيع الطلبة, وفي تنمية مواهبهم, من خلال توفيره المجلات والكتب الفنية من مكتبته الخاصة, كما قام بتأسيس أول (جماعة للرسم) شكلها من طلبته, وكان من ضمن أعضائها الفنان طارق السيد رجب. ومن طريف ما ذكره عن أسلوب معجب الدوسري في طريقة تدريبه لهم (قمنا برسم الطبيعة الصامتة, وكنا كلما أشرفنا على الانتهاء من إنجاز اللوحة, نقوم بحك الألوان الزيتية التي لم تجف بالسكين, ثم نبدأ الرسم مرة أخرى!! مما جعل إنجاز اللوحات يسير ببطء شديد), فمن الواضح أن معجب الدوسري حاول التغلب على نقص المواد اللازمة, ولكن بطريقة شاقة أجهدت الطلبة, بحيث يصعب رصد تقدمهم ومقارنة أعمالهم فيما بعد. منعطف جديد ولم يكن المعرض المدرسي حدثاً على صعيد الكويت فقط, ولكن كان أيضاً نقطة تحول لمسيرة الطالب طارق السيد رجب, الذي أنجز أغلب أعمال المعرض, ففاز بالجائزة الأولى عن استحقاق, وفي ضوء الإنجازات التي حققها, قرر (مجلس المعارف) إرساله إلى بعثة دراسية, ولحسن حظه - كما يشير - كانت إلى بريطانيا. ولم يشر المؤلف إلى مصدر متخذ قرار البعثة, هل هو ناتج عن رغبته في استكمال تعليمه في الفن التشكيلي?, أم توسم المشرفين فيه, نظراً لإبداعه الملحوظ وموهبته اللافتة للنظر?, كذلك لم يذكر من وراء فكرة إيفاده لبريطانيا بدلا من مصر?, وإن بدت كأنها بإيعاز من الفنان والمربي معجب الدوسري, نظراً لكونه أنهى دراسته الجامعية في مصر, وأمضى بعدها سنة في بريطانيا, فأدرك الفارق بينهما, حيث الكليات الفنية المتخصصة, والمتاحف, والنشاط التشكيلي الدائم. ويعترف الفنان, بأنه ألقيت على عاتقه مسئولية كبيرة وصعبة, بعد أن وقع عليه الاختيار, ليكون أول مبعوث كويتي يرسل لبريطانيا في بعثة أكاديمية فنية متكاملة, بهدف دراسة فن الرسم والإلمام بالفن الأوربي, وبأساليب التربية الحديثة, والتي طالما شعر بها - حجم المسئولية - واعتز بحملها, وأخلص لها, وتأكيده بقوله: (فشكلت تلك البعثة نقطة تحول مركزية في حياتي, بقدر ما كانت انعطافاً في الرؤية الفنية التشكيلية, في نقل هذه الرؤية من إطار البدايات البسيطة إلى الآفاق الأكاديمية العلمية المتطورة). سحر الغرب! يعد يوم الحادي عشر من شهريوليو عام 1953م, يوماً محفوراً في ذاكرة الفنان طارق السيد رجب, يوم أقلعت به الطائرة, لأول مرة في حياته, من عالم البحر والصحراء, إلى عالم الحقول والغابات, وقد قدم وصفا جميلا لهذا الشعور الإنساني, بعبارات تختزل معاني وأحاسيس في غاية الجمال, ودقة الوصف, وهو يستذكر كيف كانت مدينته الكويت في ذلك العهد. (... يوم ركبت فيه الطائرة, لأول مرة, لتنقلني فجأة من عالمي البسيط المحدود في الكويت, بشوارعها الترابية, وبيوتها ذات الدور الواحد التي أحرقتها الشمس, ومن بلد أمن وسلام, وهدوء ونظافة, فلم تعرف القمامة, ولم تلوث وسائل النقل الحديثة هواءها النقي, وسماءها الزرقاء الصافية, وحيث تمتد خارج أسوارها الصحراء المترامية والسواحل الرملية الناعسة, تعانقها مياه الخليج العربي النظيفة, وفي موانئها ترسو السفن الشراعية العملاقة, أو تمخر عباب مياه الخليج ناشرة أشرعتها البيضاء الكبيرة في رحلات بحرية فيما وراء البحار, إلى بلاد بعيدة خارج حدود أفقنا... الضيق!!). ويستطرد واصفاً شعوره في أحضان مدينة أكسفورد, وفي أعماق الريف البريطاني, حيث ينزل لدى عائلة كي يتقن اللغة الإنجليزية (كنت أهيم في الغابات الكثيفة المحيطة بالمنزل الكبير, الذي أقطنه, لقد كنت أسبح في الأمطار المنهمرة,أرشف قطراتها, وأقبل الأنسام الباردة بنشوة, وحبور وسعادة, لقد انتابني تغيير سحري, لقد كنت أشعر, وكأنني أغرق في البحر المتلاطم من المروج المترامية الخضراء في الريف البريطاني الساحر!!). ومن حسن الحظ, أن طارق السيد رجب سكن لدى عائلة تهتم بالفنون, حيث اللوحات التي تغطي جدران المنزل, وكذلك تهتم بالثقافة, حيث تقيم المحاضرات في العلوم والفنون والآداب, ومنتدى يرتاده المثقفون والأدباء في نهاية كل أسبوع, مما ساهم بمساعدة الرواد بما أحاطوه من عناية واهتمام, في تمكينه من إتقانه اللغة الإنجليزية بفترة قصيرة, وفي سرعة اندماجه في المجتمع الإنجليزي, عدا عن ذلك اكتسابه الخبرات الفنية من خلال زياراته للمتاحف والمعارض في أكسفورد ولندن. ومثلما تجاوز عائق تعلم اللغة الإنجليزية, تمكن من الالتحاق بكلية (هيستنج وإيستبورن) بجنوب بريطانيا, واستطاع أن يحصل من أول اختبار رسمي له على تقدير امتياز, بالرغم من الفارق في التحصيل الفني والخبرات التي لدى الطلبة الإنجليز, الذين تعلموا الفن على أسس متينة وسليمة منذ الصغر, وكانوا مهيأين لممارسة الرسم, بخلاف الطالب القادم من الكويت الذي لم يتدرب على الرسم بالشكل الأكاديمي, ولم يعرف - كما يحدثنا - من الفن إلا ما أنجزه خلال سنة دراسية واحدة!! استغرقت الفترة التي قضاها بكلية الفنون أربع سنوات, وكانت الكلية تولي للأساليب الأكاديمية الدقيقة أهمية كبيرة في التعليم, وكانت تجربة الرسم بقلم الرصاص من الموديل الحي, أول عائق تجاوزه باقتدار, وأفادته بأنه (سرعان ما اكتشفت ميلاً طبيعياً لهذا النوع من الرسم, وأصبحت مرتبطا به ارتباطاً قويا), ومن ثم تعلم الرسم من الطبيعة للمناظر, وفي رسم الأشخاص التي أحبها كثيرا - وهذا ما نلاحظه في تجربته - وأيضاً تعلم كيفية التعامل بمادة الصلصال (الخزف), والطباعة الحجرية (ليثوغراف). وبعدها أمضى سنة دراسية أخرى أنهاها في جامعة (بريستول), للحصول على دبلوم في التعليم وشهادة في التربية, وبعدها عاد إلى الكويت لمزاولة مهنة التدريس بمدرسة صلاح الدين, ولكن لم تدم فترة تدريسه سوى عام, بعدها اختير للإشراف على الحفريات الأثرية التي كانت تقوم بها بعثة دنماركية في جزيرة (فيلكا), وعيّن مديراً للآثار والمتاحف, وقد أمضى عاماً واحداً لدراسة شئون المتاحف والآثار في الدنمارك (60 - 1961م), وظل مديراً لمتحف الكويت الوطني حتى عام 1969م, بعدها استقال وأسس أول مدرسة ثانوية تتـــبع النــظام البريطاني في التـــعليم في الكويت. نحو الفن الإسلامي عندما نستعرض مسيرته في الفن والحياة, لا بد من التوقف عند أهم وأعظم إنجازاته على الإطلاق, ألا وهو إنشاء متحف (طارق السيد رجب للفنون والآثار الإسلامية) عام 1980م, الذي يعد من أهم المتاحف الخاصة التي تعنى بالفنون الإسلامية, ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب, ولكن في العالم. ولنتعرف على قصة الحلم الذي راود الفنان طارق السيد رجب, منذ أن كان طالباً, ودفعه عشقه لتراثه المجهول بالنسبة له, إلى إنشاء المتحف وفاء لمجتمعه ووطنه, مؤمنا كما يقول (بأن إنارة شمعة أكثر فائدة وجدوى من الانتظار). فيكشف عن سر اهتمامه بالفنون الإسلامية, الذي يعود بالفضل فيه الى أستاذه روبرت تافنر, الذي وجهه نحو الاهتمام بالفنون الإسلامية, والتراث الإسلامي العريق الذي كان يجهله, عندما كان طالباً بالبعثة في بريطانيا, ويذكر ذلك بصراحة تامة (لقد كان يشجعني على زيارة المتاحف المهمة, التي تزخر بمجموعات نادرة من التحف الإسلامية, وكان أستاذي يستغرب جهلي بالفن الإسلامي, وجهلي حتى بوجوده, وأنا المسلم, ومن بلد إسلامي.. إنه لم يكن يعرف شيئا عن مجتمعنا الكويتي, وأن جل ما كنا نعرفه عن الإسلام, تعلم أصول الدين, وأركانه. أما أن يكون هنالك رسم, أو مبان, مخطوطات, وتراث, فهذا لم نكن نعرفه). أسرار الكتاب الكتاب لا غنى عنه للباحث في تاريخ الفن التشكيلي في الكويت, حيث يعد مرجعاً أساسياً لتوثيق مرحلة مهمة, رسمها وكتبها وشاهدها عنصر شارك في مرحلة التحول, بل وكان من (طليعة أدوات هذا التحول الفني, من البدائية والعفوية إلى الدراسة الأكاديمية). ولا غنى عنه للفنان الناشئ, ففيه يجد ضالته, ويتلمس طريقه نحو الإبداع, من خلال النصائح التي ختم بها المؤلف, ودعوته للفنانين الناشئين بالتدرج في الرسم, وعدم القفز على الأساليب الفنية, وأن الفن بناء, له قواعد وأساس, (بدءاً بدراسة علم التشريح, وطريقة الرسم, الكلاسيكية, وأساليب إعداد المواد, ومزج الألوان, ودراسة تأثير الضوء في تكوين اللوحة (..) وأن على الفنان أن يستمر في البحث, والدراسة لأن اللوحة الفنية, لا ينتهي الفنان من رسمها مطلقاً, وإذا اعتقد أنه أنجز عمله كاملاً, فمعناه أنه سريع الاقتناع بما يؤدي, ولا يستطيع التطور!). ويضيف, وقد أصاب كبد الحقيقة في نقده لبعض الفنانين الناشئين, بألا يحاولوا مواكبة الحركات الفنية الدارجة,وأن (.. لا يولى الموضوع أهمية أكثر من الدافع الرئيسي إلى الرسم, حيث يعتقدون أن مجرد احتواء اللوحة على شيء من مفردات البيئة, كقطعة من السدو, أو سفينة شراعية, تؤهلها كي تكون لوحة فنية)! ولكن تبقى هناك بعض النواقص, كان من الممكن تلافيها, مثل عدم تذييل أغلب اللوحات بتواريخ إنجازها, وأبعادها القياسية, وترتيبها حسب سياقها الزمني, مع كشف لبيان المعارض التي شارك بها في بداياته... والأهم من هذا وذاك, لم يبين الفنان أسباب تأخر صدور الكتاب طيلة هذه الفترة, وكذلك أسباب غيابه عن المشاركة في المعارض الفنية منذ السبعينيات, ليلعب دوره في الفن التشكيلي الكويتي كما لعبه في بدايات تاريخ الفن التشكيلي في الكويت. وفي الختام, لا يمكن التعليق على تجربته الفنية التي احتواها الكتاب, فذلك يتطلب مساحة أكبر, وعرضا تحليليا يليق بفنه وبمكانته, خاصة إذا علمنا أن الأعمال المنشورة لا تمثل مجمل ما رسمه, وهو ما تـــــوزع لمجمـــوعات خاصة, لكن نستـــطيع أن نجـزم بأن الفنان طارق السيد رجب,يعتبر من أبرز جيل الرواد - على الإطلاق - مهارة في الرسم, وسيطرة على النســب, ودقــــة في التـــشــريح, ومتــــانة التكوين, فهو ينتمي للمدرســـة التأثيـــرية في معالجته للون, وفي اهتمامه الشديد بتأثيرات الظل والضوء. إن ما يميزه عن باقي الفنانين ليس اختياره لمواضيعه التي تميل نحو الواقعية في التصوير, ولا في معاصرتها لزمانه ومكانه, وإنما رسومه الناتجة عن رؤيته للجماليات, التي يبحث عنها, ومن ثم يكتشفها, ويشعرنا بها - قطعاً ليس من باب الحنين للماضي والتوثيق - وهذا ما نتلمسه برسمه لوجوه الأصدقاء والبسطاء, ولرقص النساء, وحركة الناس في الأسواق, ورسمه المنازل بعمارتها الطينية البسيطة, والسفن الشراعية وهي راسية على الساحل أو في لجّة البحر
|