إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

المــرأة.. وروايـتـهــا الـمـفــقــودة

قد يكون من المشروع طرح السؤال أولاً عن معنى رواية المرأة في الأساس.

فهل تدل هذه العبارة على نتاج موصوف بخصوصية موضوعاته? أو أسلوبه? أو نضجه? بحيث يمكن الفصل نوعياً بين ما تكتبه النساء وما يكتبه الرجال. لقد أنفق الكثير من الوقت في الجدل الدائر بين المدافعين والمدافعات عن وجود رواية نسائية والمنكرين والمنكرات لوجودها.

ولقد اعتقدت المرأة منذ وقت طويل أن تحررها يمر بردم الفارق المعبر عن الدونية التي وضعها فيها الرجل, فكان التأكيد على خصوصية الرواية النسائية مرحلة من مراحل التحرر. فما يدعم خصوصية روايات المرأة هو الأنا المتفجرة في النصوص, وربما مالت المرأة إلى الرواية لأنها تتسع للتعبير عن الباطن, ويختلط فيها العقلي بالخيالي, ويكثر فيها وصف الداخل وتأخذ فيها ذات الكاتبة دور البطولة. وقد يدعم هذه الخصوصية اختلاف المرأة والرجل في تحديد سلم الأهمية, فالمرأة لا تعطي دائماً أهمية لما يعطيه الرجل, ولا يتشابه شعورهما بالحياة وفي تقدير مفاهيمها, ولا في الإحساس بالزمن لأن الإيقاع البيولوجي عندها دوري وعلى شيء من الرتابة بخلاف الرجل. وأسلوب الكتابة النسوية وثيق الصلة بصوت الأم, وبالتالي بالتقليد الشفهي, مما يمنح النص النسائي المكتوب شيئاً من حيوية الكلام المحكي.

ولكن الرواية النسائية, كما تكتب اليوم, لم تحقق بعد هذه الخصوصية المفترضة. فالتشابه بينها وبين روايات الرجل مازال شديدا بل يصعب التمييز الحقيقي بينهما, لأن الموضوعات الخاصة بالنساء لا تخرج اليوم عن إطار الجسد, ولأن معايير الإبداع مازالت واحدة لدى الجنسين, وكذلك تأثير العامل الاجتماعي في الخلق الفني.

لهذا ليس هناك بعد رواية نسائية بل كتابات نساء. فرواية المرأة لا يصنعها تراكم النتاج ولا جودته الفنية ولا قيمة موضوعاته بل جوهره المتميز.

لم تكتب المرأة بعد روايتها الخاصة. فمازالت كتاباتها تتأرجح بين رواية المواجهة التي تقاضي الرجل على دهور من القهر ورواية الرغبة المتمردة على الكبت الذاتي والخارجي. إنها كتابات عصر التحول من العبودية إلى الحرية.

لقد خلق الرجل الرواية على صورته ونماها وفق ميوله ووضع لها القواعد التي وافقت تفكيره. فالرواية اليوم هي روايته, تدون تاريخه وترسم أحلام مستقبله, وتصور الواقع كما يريده, وتشي بقناعاته وأوهامه واستيهاماته, وتعكس طبيعته وطبعه وانطباعاته. وما تكتبه المرأة اليوم لا يخرج عن هذا الإطار المرسوم.

ليس هناك بعد رواية المرأة بل روايات نساء. والرواية التي ننتظرها هي رواية على صورة المرأة تعكس وجه المرأة الحرة لا المتحررة.

حين تختم المرأة صراعها مع الرجل, وترسخ وجودها في وعي المجتمع ككائن مساوٍ للرجل في الجوهر, وتؤمن بقدرتها على الإبداع, وتصور عوالم نابعة من داخلها, من أنوثتها, من حساسياتها, من نظرتها الخاصة إلى المرئيات والغيبيات, ستولد الرواية النسائية الحقيقية.

 

لطيف زيتوني