تيسيان (صورة الدوق أندريا غريتي)

تيسيان (صورة الدوق أندريا غريتي)

أفضل مدخل للحديث عن هذه اللوحة هو من جهتها الخلفية.. حيث لاتزال تحتفظ بالختم الخاص بملك إنجلترا شارل الأول, ونص صغير يقول: (تمّ شراؤها في إيطاليا لحساب صاحب الجلالة سنة 1626). فما الذي دفع بملك إنجلترا إلى شراء الصورة الشخصية لدوق البندقية, بدلا من أي لوحة ذات موضوع عام?

إنها من أفضل اللوحات التي تظهر عبقرية الرسام البندقي تيسيان في مجال التلوين. فعلى خلفية خضراء ورمادية داكنة, نرى صورة رجل مهيب, يطغى على ملابسه اللونان الذهبي والأحمر الداكن, ونجح الرسام في تقريبهما كل منهما من الآخر باللون البني المتدرج.

غير أن العبقرية تتجلى في الموضوع بوضوح أكبر وأعمق مما هو في الشكل. فقد كان الدوق غريتي من أقوى حكام البندقية في القرن السادس عشر. وفي عصره صارت هذه (الجمهورية) ذات رهبة دولية على صعيد السيطرة على التجارة البحرية وطرقها.وفي الداخل, بلغ ازدهارها الاقتصادي أوجه في عهد هذا (الطاغية) الذي كان في الوقت نفسه راعياً للفنون, وخاصة للرسام تيسيان.

نجح تيسيان في هذه اللوحة في إظهار زبونه كرجل مهيب بلحيته البيضاء, قوي الشخصية إلى أقصى حد ممكن من خلال النظرة الصارمة, والفم المطبق بشدة, والالتفاتة قليلاً صوب اليمين بشيء من الخيلاء, والإيحاء بالسيطرة على ما حوله.

ولمزيد من الأبهة والرهبة الملكية, لجأ الرسام إلى بعض الحيل الذكية - إذا جاز التعبير - مثل تضخيم حجم الصدر ومساحته, يساعده على ذلك طراز الرداء الذي يرتديه الدوق. أما اليد اليمنى والضخمة التي تمسك بالرداء وكأنها ترفعه عن الأرض, فتجعل المشاهد يشعر وكأن الدوق يمشي في موكب أو وسط جو رسمي.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مقاييس هذه اللوحة هي (133*103سم) يمكننا أن نقول إنها تظهر النصف الأعلى من الدوق بمقاسه الطبيعي تقريباً.

وعندها يمكننا أن ندرك مدى المهابة التي يشعر بها المشاهد أمامها.

إن صفات الدوق غريتي كما تظهر في اللوحة هي كل ما كان ينقص شارل الأول ملك إنجلترا الذي كان لضعفه أشبه بورقة هزيلة تتلاعب بها العواصف السياسية الداخلية في بلاده. ومن المرجح أن هذا ما كان وراء تعلقه بها, وشرائها لحسابه.

تبقى الإشارة إلى أن اليد الممسكة بالرداء, تكاد أن تكون نسخة عن اليد التي نحتها مايكل أنجلو في أحد أشهر تماثيله في روما. ولكن تيسيان لم يذهب إلى روما قبل سن السبعين, وعندما رسم هذه اللوحة لم يكن قد رأى التمثال. غير أن نحاتاً بندقيا يدعى جاكوبو سانسوفينو كان قد شاهد تمثال مايكل أنجلو, وصنع نسخة من هذه اليد, حملها معه إلى البندقية, ومن المرجّح أن هذه النسـخة هي ما رآه تيســــيان وقلّده.

 

عبود عطية







صورة الدوق أندريا غريتي (1535م) تيسيان (1477 - 1576) من مجموعة الثري الأمريكي صاموئيل كريس