أرقام

أرقام

ذاكرة (سبتمبر)

(سبتمبر) في الذاكرة العربية يعني رحيل عبدالناصر, وثورة اليمن, والانفصال بين مصر وسوريا, لكن (سبتمبر) في الذاكرة الأمريكية لابد أن يكون شيئا آخر يبدأ بالرقم (11) وسقوط مبنيي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون, ففي هذا التاريخ من عام (2001) جرى ما جرى واستيقظت أمريكا على ما لم تره عين أو تسمع عنه أذن, حتى أنه وبعد شهور من الحدث - أي في منتصف عام 2002 - كانت الإدارة الأمريكية قد انتهت لتوّها من رفع الأنقاض, وعجزت - في الوقت نفسه - عن حصر الضحايا وقالت إن سلطات نيويورك لم تنته بعد من هذا الحصر, وإن كان الظن أن الضحايا - وعلى غير ما قيل في البداية - ثلاثة آلاف شخص... بخلاف الجرحى.

وقد مضت الشهور, وبعد نحو عام من الحدث أطلت علينا الأسئلة من جديد, ماذا جرى به... ومَن المسئول?

وهل كان رد الفعل الأمريكي الذي تحول إلى حرب عالمية من طراز خاص, متناسبا مع الفعل مهما كانت بشاعته, أو متناسبا مع الظاهرة والتي تمثلت في (33) منظمة اتهمتها الولايات المتحدة بأنها تمارس أنشطة إرهابية وبعضها لا يتجاوز أفراده المئات, ولا تتجاوز وسائله: قنبلة يدوية أو بعض الأسلحة الصغيرة?

(الأرقام) قد تجيب عن بعض هذه الأسئلة, وبصرف النظر عن الخلاف الذي نشأ حول تعريف الإرهاب والذي اعتبره تقرير (الإرهاب في العالم) الصادر عن الخارجية الأمريكية في مايو (2002): (كل عنف متعمّد, يجري بواقع سياسي, وتتم ممارسته خارج ميادين القتال), بصرف النظر عن خلاف مع التعريف الذي ألغى المقاومة المشروعة للمحتل وطلب حلفاً دوليا ضد حركات التحرير, فإنه مع التجاوز تظل الأرقام الرسمية الأمريكية ذات دلالة لا تخطئها العين.

... الأمريكتان في المقدمة

كانت أمريكا اللاتينية هي الأعلى من حيث عدد الحوادث الإرهابية لسنوات عدة, وكان الفاعل: جماعات يسارية ذات أهداف سياسية, كما كانت أعمال الخطف تتم في كثير من الأحيان من أجل الحصول على فدية مالية.

ولكن وفي العام موضع تقرير الخارجية الأمريكية, وهو عام (2001) أصبح البطل في قضية الإرهاب هما الأمريكتين معا, وإن وجد ذلك امتداده في إرهاب مضاد مارسته واشنطن ضد أفغانستان واعتبرته افتتاحية حرب طويلة في مواقع مختلفة.

في ذلك العام (2001) سجلت العمليات الإرهابية رقماً قياسياً فارتفع عدد الضحايا إلى نحو تسعة أضعاف ما كان عليه في عام (2000) أي أن الرقم للقتلى قد ارتفع من (409) قتلى إلى (3547) قتيلا بينهم ثلاثة آلاف في حادث (11) سبتمبر, وبما يجعل الولايات المتحدة على رأس الذين أضيروا من الإرهاب في ذلك العام.

أيضا, وفي الوقت نفسه كان عدد العمليات الإرهابية (348) عملية بينها (194) عملية في أمريكا اللاتينية تلتها آسيا (68عملية) ثم إفريقيا (33 عملية) فالشرق الأوسط (29 عملية). وكانت أوربا, والتي تضامنت في حملة الإرهاب خارج نطاق العمليات تقريبا فلم تشهد طوال اثنى عشر شهرا أكثر من (17) عملية.

أمريكا إذن وحدها هي التي تلقت معظم الضربات سواء من حيث عدد الضحايا, أو من حيث عدد العمليات التي توجهت ضد دولة, فبين (194) عملية في أمريكا اللاتينية كان هناك (178) عملية تفجير لأنابيب نفط في كولومبيا وهي أنابيب مملوكة لشركات متعدية الجنسية تسيطر عليها الولايات المتحدة, أما الفاعل - والذي يستهدف واشنطن - فهو - طبقا للتقرير: القوات المسلحة الثورية, جيش التحرير الوطني, قوات الدفاع الذاتي وكلها تنظيمات تمارس العنف في كولومبيا.

و... تمضي رحلة الأرقام لتقول إن الوسيلة المفضلة لدى التنظيمات الإرهابية هي التفجير بالقنابل, فقد كان عدد المرات التي جرى فيها استخدام هذه الوسيلة (253) مرة, بينما لم يتجاوز استخدام الهجوم المسلح (41) هجوما, والحرائق ثماني مرات والخطف نحو أربعين مرة.

القنابل هي المفضلة, والإدارة الأمريكية عندما عجزت عن تصنيف نوع الهجوم الذي تم بطائرة مدنية يوم (11) سبتمبر أدخلته فيما يسمى هجوما بالقنابل والمتفجرات.

وتستمر الأرقام لتوضح لنا أن الدعوة التي انتشرت على هامش ما يجري في الأرض الفلسطينية المحتلة والتي تحصر العنف المشروع في دائرة الأهداف العسكرية... هذه الدعوة قضية حق يراد به باطل, فبالرغم من مشروعية الهجوم على وحدات عسكرية تمارس الاحتلال فإنها دائما صعبة المنال, فها هي أرقام (2001) تقول إن العمليات الهجومية قد تمت ضد (397) مؤسسة ومبنى للأعمال وضد (13) مبنى حكوميا و(18) موقعا دبلوماسيا, لكنها لم تمتد - وطوال العام - إلا لأربعة مواقع عسكرية, وهذه هي طبيعة الأمور, فالمواقع العسكرية - ورغم ما أصاب البنتاجون - محصّنة ضد العدوان.

وبطبيعة الحال فإن الأرقام هنا والتي أحصت ما فعله تنظيم القاعدة (وفق الرؤية الأمريكية), كما أحصت ما فعلته تنظيمات فلسطينية للمقاومة في الأرض المحتلة, هذه الأرقام لم تتناول أمرين:

الأول: عدد الذين سقطوا من قتلى أو جرحى في حرب أفغانستان, والذين جرت إصابتهم من الجو أو من أسلحة برية ثقيلة على طريقة حملات اصطياد الجراد, والتي ينتشر فيها المبيد بالجو ليقتل مَن يقتل دون إصابة قطيع بعينه أو عدد بذاته.

الأمر الثاني: أن الأرقام قد تجاهلت إرهاب الدولة في إسرائيل وعدد شهداء فلسطين الذين سقطوا برصاص العدو الذي يحتل الأرض.

أعرض التقرير الأمريكي والذي يذيعه مكتب المنسق لأنشطة مكافحة الإرهاب بالخارجية الأمريكية عن ذكر كل ذلك ليبرز أن أمريكا, وربما إسرائيل من ضحايا الإرهاب(!)

وكما أغفل ذكر (ضحايا الآخرين) الذين اغتالهم إرهاب الدولة, فقد أغفل الأسباب التي تقف وراء الإرهاب والتي تجيب عن السؤال المهم: هل هي قضية أمريكية أم قضية عالمية?!

... التدويل... لماذا?

وقفة أمام ما جرى في الأعوام الأخيرة, وما تم حصره من أسماء منظمات تضمنتها عريضة اتهام أمريكية تقول: إن الغالبية الساحقة من الأعمال الموصوفة بالإرهاب كانت لأسباب سياسية, فهذا تنظيم يريد استقلال أرضه كما فعلت أمريكا في حربها للاستقلال من الجيوش البريطانية والفرنسية, ومثلما هو الحال مع أي تنظيم فلسطيني للمقاومة, وهذا تنظيم يطلب الانفصال من الدولة الأم مثلما هو الحال مع (الباسك) الإسباني أو جماعة أبو سياف في جنوب الفلبين...و... هذا تنظيم يعارض النفوذ الأمريكي في الجزيرة العربية والعالم الإسلامي مثلما تقول أدبيات تنظيم القاعدة.

العنف إذن ارتبط بأسباب سياسية, وكان في معظمه ضد السياسات الأمريكية وحدها فلم يتجه تنظيم القاعدة الذي يرفع راية الإسلام إلى إيطاليا أو فرنسا, ولكنه - اتجه وغيره من تنظيمات أمريكا اللاتينية - للمصالح الأمريكية حتى أن كثيرا من مفكري أمريكا وفي أعقاب (11) سبتمبر قد أثاروا السؤال: (لماذ يكرهون أمريكا)?

القضية إذن - ورغم وجود عنف تتعامل معه الحكومات هنا وهناك - أمريكية بالدرجة الأولى, ولكن تمت عولمتها تحت حجة أن العالم في خطر, وأن الحضارة الإنسانية مهددة, وأن الديمقراطية تنهار... أيضا, تمت العولمة بحجة أن التنظيمات التي تستخدم العنف باتت ذات طابع دولي بفضل تقدم وسائل الاتصال (وربما بسبب انتشار المصالح الأمريكية, فالجغرافيا كانت حاكمة للصراع).

اتجهت أمريكا لعولمة حرب الإرهاب وأذاعت في مايو (2002) حجم المساهمات الدولية في حرب الإرهاب, فقال التقرير السابق الإشارة له:

- إن هناك (136) بلدا قدمت مساعدات عسكرية.
- و(89) بلدا سمحت بمرور الطائرات.
- و(23) بلدا وافقت على استضافة القوات المشتركة في حرب أفغانستان.
- و(55) بلدا قدمت خبراء.

وذلك بخلاف التعاون الواسع للحيلولة دون مرور المتهمين بالإرهاب عبر أي حدود, وللحيلولة دون مرور أموالهم...و... كان التعاون المخابراتي على أوسع نطاق, كما امتدت المساعدات الأمنية والبشرية في هذا المجال لعدد من الدول بينها: جورجيا - اليمن - الفلبين.

وقد كان للتدويل أهميته بالنسبة للولايات المتحدة, فهو وحده الذي أعطى غطاء شرعيا للحملة الأمريكية التي تستهدف ما هو أبعد كثيرا من مطاردة بضع مئات أو آلاف ينتشرون في بقاع الأرض, وهو أيضا الذي يتيح لواشنطن أن تعيد رسم الخرائط, وتضرب حركات التحرير تحت دعوى محاربة العنف.

هكذا تبرز الأرقام والتي تقول لنا إن العالم قد توقف في حكاية الإرهاب أمام النتائج, ولم يتقص الأسباب والمظالم التي أوصلتنا لهذه النقطة, وأن العالم قد نسي مشاكل أضخم مثل الجوع والفقر والتخلف من أجل خطر محدود في النهاية (اللهم إلا بالنسبة للولايات المتحدة).

تبرز الأرقام أيضاَ أن صحيفة الادّعاء التي قدمتها الولايات المتحدة كانت بلا أدلة كافية, لكنها باتت دستورا تأخذ به الدول والمنظمات العالمية وتتحرك على أساسه الجيوش.

و...خلال ذلك تأكدت هيمنة دولة واحدة هي الولايات المتحدة وتراجعت حقوق السيادة عند كثير من الدول, فواشنطن تراقب الآن حركة الأشخاص, والأموال, والأفكار, وخبراؤها يقترحون على دول العالم الإسلامي: (لا داعي للمعاهد الدينية.. فلتكن جزءاً من تعليم مدني).

يقولون ذلك وكأن الإرهاب نبت إسلامي, وليس فعلا شيطانياً ساهمت أمريكا في زرعه وسقيه ورعايته سنوات طويلة.

والقصة ممتدة, فنحن أمام حرب اللامكان واللازمان, إنها أجندة مفتوحة تعيد عسكرة العالم وتدفعه لحال توتر يشحذ معها الجميع أسلحتهم, ويستدعون مصانع السلاح: (هيا.. ابدأوا... لقد وجدنا بديلا للحرب الباردة)

ورقـــم
مـسـتـقـبـل الـنـفـط

كم تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي لتمتلك صناعة نفطية متقدمة ولتحافظ على موقعها النفطي البارز?

السؤال كان مطروحاً منذ السبعينيات حين ارتفعت أسعار النفط وتنازع العوائد مجموعة من الأنشطة والاهتمامات.

كانت الحقبة النفطية فرصة لاستكمال بناء الدولة بذراعيها: المدني والعسكري.. حياة البشر وبناء الرفاهية وقضية الأمن وما تحتاج إليه الجيوش, إلى جوار نظرة للمستقبل من خلال مشروعات تنموية تضيف للاقتصاد وتعمل على تنويع مصادره حتى لا يكون أسيراً لمصدر واحد هو: النفط.

المجالات الثلاثة تنازعت عوائد النفط التي مثلت الجزء الأعظم من الناتج القومي فحدثت فورة تنموية, وجرى بناء بعض القدرات العسكرية وتحسنت الخدمات, وذهب الفائض للاستثمار خارج البلاد.

ولكن, وعندما أتت التسعينيات وبرز التحدي الأمني بعد حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت), وتراجعت عوائد النفط, عندما حدث ذلك بات التنافس شديدا بين أغراض الحرب وأغراض التنمية, وبات سؤال المستقبل محل شك, فبلا تنمية اقتصادية مطردة فإن (الغد) يصبح مهددا...و...وفقا لدراسات جرى تقديمها لمؤتمر أعمال الخليج في دبي, والذي انعقد في أوائل عام (2002) فإن دول مجلس التعاون تحتاج إلى (250) مليار دولار للاستثمار في قطاع الغاز والطاقة خلال عشر سنوات, وهو ما يعني نحو (25) في المائة سنويا من عائد النفط الذي بلغ (91) مليار دولار عام (2002) (حسب التوقع).

تنويع الاقتصاد هو ما ينقذ الخليج من ذبذبات قطاع النفط, ولكن تجنيب ربع الدخل لإعادة استثماره ضروري أيضا لضمان تقدم هذا القطاع.

هل يستطيع الخليج, أم تمتص الضرورات الدفاعية والحياة اليومية كل شيء?.

 

محمود المراغي