أطفالنا بين الخوف والخجل

أطفالنا بين الخوف والخجل

لعل الخوف والخجل يكونان وجهين لعملة واحدة في حقل المعاناة النفسية للأطفال, وهذا ما يستوجب التأمل في الوجهين معا, وإن في معالجتين منفصلتين.

خوف الصغار

عندما يخاف صغارنا نجد أنفسنا نتفاعل مع مخاوفهم إما بتهوين, أو بتهويل, فما الموقع الصحيح لهذا التفاعل?

لا شك في أن سلوك الطفل هو نتاج تفاعل العديد من العوامل التي ترجع إلى فترة ما قبل الحمل وخلال فترتي الحمل والولادة, ثم ما بعد الولادة, ونواتج تفاعلات مع البيئات المحيطة حضارياً وثقافياً واجتماعياً.

ومن أهم المشاكل السلوكية لدى الأطفال ما يعتريهم في كثير من الأحيان من (المخاوف) التي ترجع إلى أسباب غامضة بالنسبة للأهل.

وقد أجمع علماء طب نفس الأطفال على أنها تنشأ نتيجة الصراع القائم بين تطور شخصية الطفل الذاتية وشخصيات وانطباعات الأهل والمدرسين والنظراء والقرائن المحيطين بالطفل. كما أن هناك عوامل طبيعية جسدية تلعب دوراً بارزاً في سلوك الطفل وصراعه مع الأحداث واستعداده للتعلم ورد فعله تجاه الحياة من حوله.

مخاوف الأهل أولاً

لابد قبل التحدث عن مخاوف الأطفال أن نتحدث قليلاً عن مخاوف الأهل أنفسهم التي تؤدي بالضرورة إلى هذا الشعور لدى أطفالهم. فالكثير من الأمهات يسيطر عليهن الخوف من إفساد أطفالهن فيلجأن إلى القسوة والشدة والتخويف لردع أطفالهن.

وقد أثبت العلم خطأ هذه الاعتقادات, وأكد بشكل قاطع أهمية شعور الطفل بالأمن والطمأنينة في سنوات حياته الأولى, لينشأ بصورة سوية.

ونستطيع القول إن معظم الأطفال الطبيعيين لديهم مخاوف, وتلك المخاوف لها جانب كبير من النفع إذ إن الطفل الذي لا يعاني المخاوف يكون أكثر تعرضاً للحوادث. والأطفال المصابون بالأنواع المتأخرة من التخلف العقلي لا يعانون الخوف مطلقاً. فالمخاوف في حقيقة الأمر تلعب دوراً دفاعياً فطرياً بالغ الأهمية لدى الأطفال الطبيعيين. إلا أن المبالغة في المخاوف إلى الحد الذي يثير القلق هو الذي يبعث على الأذى لدى الأطفال. ومن الصعب وضع خط فاصل بين المخاوف الطبيعية والمخاوف المرضية.

فالخوف بصفة عامة يمثل نوعاً من الانفعال الذي يشعر به كل منا في حياته, فيبدو في مظاهر تتفاوت بين الحذر والرعب والهلع.

وبوسعنا أن نحكم على ما يعتري الطفل من شعور بالخوف مقارنة بمخاوف الأطفال الآخرين ممن هم في مثل سنه وظروفه وبيئته.

فالطفل في عامه الأول يظهر نوعاً من الخوف تجاه الضجيج المفاجئ, أو السقوط المفاجئ, وحينما يعايش بعض الأحداث الجديدة التي لم يكن يتوقعها.

والطفل ذو ستة الأشهر يبدي خوفه من الغرباء. وما بين العامين الثاني والثالث تبرز مخاوف الطفل من بعض الأشياء العادية اليومية: كالكلاب, والسيارات, وآلات التنظيف في المنزل وكذلك الظلام. كما يبدي الطفل في تلك المرحلة خوفه الشديد من أن تهجره أمه, لأن هذه المرحلة يصاحبها تعلق بالغ من الطفل بوالديه.

والمخاوف العادية لا تمثل أي مشكلة في الأعوام الثلاثة الأولى من عمر الطفل. ولكنها قد تصبح مشكلة حقيقية إذا زادت على الحد وتحولت إلى أحد دواعي الشعور بالخطر وانعدام الأمان إزاء بعض التصرفات الخاطئة من الأهل.

وتتوقف حدة الشعور بالخوف ومدى الانفعال به على جنس الطفل وطبيعة شخصيته.فالإناث أكثر ميلا لإظهار الخوف من الذكور.

وتختلف طبيعة التأثر بالخوف من طفل إلى آخر. ومن العوامل المهمة في ذلك أيضاً قدرة الطفل على التصور والتخيل والتي قد تزيد لديه الشعور بالخوف.

ويرى بعض العلماء أن جميع المخاوف ترجع إلى الإيحاء وليس التجربة.. بمعنى أن الطفل قد يستقي تلك المخاوف من أهله أو ممن يخالطونه من الكبار عن طريق الإيحاء. ويشمل ذلك الخوف من السيارات والحيوانات والنار والأشياء الساخنة.

وبعض الأهل قد يبدون مخاوفهم من الظلام مثلاً فينتقل هذا بالتبعية إلى الطفل عن طريق الإيحاء أو من خلال غريزة المحاكاة والتقليد.

وقد ينشأ الخوف عن طريق التهديد بالعقاب إذا لم يستجب الطفل للتغذية, أو نتيجة لتهديد الأم بترك طفلها وحيداً.

كما أن للأساطير الشائعة عن الوحوش والغيلان دورها البارز في تفاقم الشعور بالخوف عند الأطفال, خاصة هؤلاء الذين يتميزون بالخيال الخصب والقدرة الفائقة على التصور.

وغالباً ما تدهم الطفل تلك المخاوف عندما يكون بمفرده, وتتلاشى بمجرد وجوده مع أمه.

لا توجد دلائل قاطعة لدى العلماء على أن المخاوف ترجع في أصلها إلى عوامل وراثية. بيد أن نوع الشخصية من حيث الخجل أو القابلية للتصور يرجع في الأصل إلى صفات تحتل الوراثة فيها مكاناً بارزاً.

المواجهة

بوسعنا أن نزعم أن القضاء على الخوف بصورة نهائية أمر أقرب إلى المستحيل. كما أننا يجب ألا نغفل الجانب الإيجابي من وجود الخوف.

ولكن بوسعنا إلى حد كبير أن نتجنب المخاوف المبالغ فيها أو غير المرغوبة عن طريق التوقف عن الإيحاء بها للطفل.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن من العوامل الأساسية في ذلك منع الشعور بالخطر وعدم الأمان من التسلل إلى داخل الطفل. والمخاوف قد لا تذهب عن أطفالنا بمحاولة إثبات عدم مبررها أو تجنبها من ناحيتنا, فليس من السهل على الأطفال نسيان مخاوفهم أو السيطرة عليها.

ومن الانطباعات الخاطئة التي قد يلجأ إليها الأهل إظهار غضبهم أو استيائهم إزاء مخاوف الطفل, أو التخلي عنه في لحظات المحنة التي يعتمل الخوف فيها بداخله, وذلك بدعوى القضاء على مخاوفه. لأن من شأن هذه الانطباعات الخاطئة أن تعمق مشاعر الخوف لديه.والطفل إذ يلجأ لأهله طلباً للحماية فيجدهم يمعنون في خذلانه وإصابته بخيبة الأمل, يحتدم في نفسه الإحساس المرير بأنه حتى في كنف أهله لا يستطيع أن يجد الأمان من مخاوفه, فيضاعف ذلك من تهويله لمخاوفه حتى في كنف أهله, ويتجسم لديه الشعور الدائم بالخطر.

ومن هنا, فإننا دائما ما ننصح الأهل في هذه الحالات بأن يغمروا الطفل بالعطف والحب والحنان, ويحاولوا تدريجياً أن ينزعوا تلك المخاوف عن طفلهم بإحدى الطرق الآتية:

1 - إذا كان الطفل يخشى النوم في الظلام, فلا مانع من ترك إضاءة خافتة إلى جواره, ومداعبته عن طريق اللعب بالإضاءة أثناء الظلام, ورويداً رويداً سوف يتلاشى ذلك الشعور وتزايله المخاوف من الظلام.

2 - إذا كان الطفل يخشى الكلاب مثلا, فمن الممكن أن يريه أهله صور أطفال آخرين يتعاملون مع الكلاب ويلاعبونهم, وبالتدريج سوف يقتنع الطفل بذلك من تلقاء نفسه ويفارقه الخوف.

3 - إذا كان الطفل يخشى من بعض الآلات الكهربية كالمكنسة مثلا, فيمكن أن ندربه على اللعب بإحدى قطعها, حتى يعتادها شيئا فشيئا وتصبح مألوفة لديه فلا يبدي بعد ذلك أي خوف منها.

وعلى الأهل أن يتذكروا دائماً قدرة الطفل على التخيل والتصور والمحاكاة, وأن يفيدوا من هذا في جعله يرى أطفالاً آخرين يمارسون اللعب واللهو مع الأشياء التي قد تصيبه هو بالخوف.

وفي النهاية, أود أن أطمئن الأمهات إلى أن المخاوف في أغلب الأطفال ليست سوى ظاهرة عابرة, ومع التفاعل المناسب معها من قبل الأهل والمتعاملين مع الأطفال فلا خطر منها على الإطلاق.

 

أحمد الشرقاوي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات