نحن وطفلنا الخجول

نحن وطفلنا الخجول

(إن تجربة الخجل لا يمكنها أن تتم إلا عندما ينشأ لدى المرء إحساس بقيمة ذاته, ويولد عنده احترام لهذه الذات), هذه مقولة للكاتب والباحث (ماك دوجال), لكنها تقف عند حدود الشق الإيجابي للخجل, فماذا عن الشق السلبي.

الخجل - بحد ذاته - يكون في مرحلة الطفولة المبكرة (2 - 6) سنوات, مرتبطاً بالخوف, وفي مرحلة الطفولة الوسطى (6 - 9) سنوات, حيث يظهر الخوف تجاه الجنس الآخر, ويظهر العداء بدلاً من الخجل, وأما في مرحلة الطفولة المتأخرة (9 - 12) سنة, فيأخذ العداء الظاهري في الاختفاء ليحل إحساس بالتقدير الشديد تجاه الجنس الآخر, وبالتالي تظهر علامات الذكورة وعلامات الأنوثة.

وللطفل الخجول سمات: حيث يحمل- الطفل الخجول - في طياته نوعاً من ذم سلوكه, ولعل السبب يعود إلى الخجل, لكونه حالة عاطفية أو انفعالية معقدة, تنطوي على شعور بالنقص, وينبه العالم الفرنسي (فيليب زمباردو) في كتابه (الولد الخجول) إلى وجود 12 حالة سلبية لدى الطفل الخجول, تمنعه من النمو الصحيح, أولها, امتناعه عن مخالطة الناس, خاصة الوجوه التي لا يألفها, وهذا عائق.. لذا, من المتوجب أن يشارك الصغير الآخرين ليصبح اجتماعياً, وهناك أيضا ما يمكن أن يتعرض له الطفل الخجول, عند دخوله المدرسة من متاعب عديدة, تبدأ بالتهتهة وتردده في طرح الأسئلة, وإقامة حوار مع زملائه, أو المدرسين, فلا يحصل على المعلومات التي يرغب فيها, ويتخلى عن حقوقه وينكمش, فلا يستطيع التعبير عن مشاعره الحقيقية.. هذا من جانب, وعزله عن رفاقه وألعابهم وتجاربهم من جانب آخر, في حين أنه بأمس الحاجة لهم بغية المشاركة التي تساعده على النمو العاطفي والفكري الصحيح من جانب ثالث.

وإضافة إلى ما سبق, يشعر الطفل الخجول - دوماً - بالنقص, ويتسم سلوكه بالجمود والخمول في الوسط المدرسي أو البيئي عموماً, وبذلك ينمو محدود الخبرات, غير قادر على التكيف السوي مع نفسه, أو مع الآخرين, وهو ما يؤدي في نهاية الأمر الى اعتلال صحة الطفل النفسية أيضاً, يبدو الطفل الخجول أنانياً في غالبية التصرفات, وحساساً وعصبياً, وكثير الحركة, وقلقاً متشائماً, حذراً متمرداً, وأحياناً متمارضاً لجذب الانتباه إليه.

جينات ومكتسبات

وللخجل أسباب: وأهمها, أن (الجينات الوراثية) لها تأثير كبير على خجل الطفل من عدمه, وهذا ما يؤكده البروفسور جيرام كاغان ومجموعة من علماء النفس من جامعة (هارفارد), وذلك من خلال المتابعة والمراقبة لمئات الأطفال حديثي الولادة, وتصوير حركاتهم بكاميرا خاصة, لاسيما من تحريك يده بشكل عصبي, كمن يطلب النجاة.

وتفيد الدراسات, أن الجينات تنقل الصفات الوراثية من الوالدين إلى الجنين, وتؤثر بنسبة (50%), وإن وجد في الأسرة الواحدة, طفل خجول وآخر جريء, ولكن هذا لا ينفي بالقطع عامل الوراثة, ومدى تأثيره في صفة الخجل, لأن الطفل يرث بعض ما عند والديه فقط, ويدع البعض الآخر, وما قد يدعه الطفل من صفات يرثها أخوه, وهذا ما ينطبق على صفة الخجل, وبالتالي هذا ما يفسر ظاهرة (الفروق الفردية) بين الإخوة, ويوجد فيما بينهم من نقاط التبيان والاختلاف.

ويضيف البروفسور كاغان: ثمة أطفال حديثو الولادة مصابون بداء الخجل وتصل هذه النسبة إلى (20%), وتحدث لهم أعراض لا يعاني منها الطفل العادي.. ومن جملة الأعراض التي تصيب هؤلاء الأطفال المصابين بداء الخجل, كأن يدق القلب أثناء النوم بسرعة أكبر عن مثيله, وأن يخاف الطفل كل جديد وهو في الشهر الرابع, ولا ينام نوماً عميقاً أثناء الليل, ويكون شديد الانفعال وكثير الشكوى عندما يكبر, وينتابه الخوف عندما يواجه موقفاً جديداً, وتتسع حدقتا عينيه, ويختنق صوته.

ونتساءل: هل تؤثر الظروف الصحية والنفسية للأم, وما يحيطها من عوامل بيئية على الجنين?!.

إن أي تغير في كيمياء الدم عند الحمل, ينتقل إلى الجنين في رحم أمه, وذلك من خلال المشيمة والحبل السري, لذا... أكدت الدراسات, أن العناء الانفعالي الطويل عند الأم أثناء الحمل, يؤدي إلى ولادة أطفال على مستوى حركي عال, وهذا يعطي مؤشراً للتأثير السيئ الذي يحدث للطفل, ناهيك بتأثير الوسط الاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه الفرد من علاقة الطفل بوالديه, ونوع المعاملة التي يتلقاها, وطبيعة علاقته بإخوته, ونوع التعلم الذي أتيح له, وطبيعة الخبرات التي تعرض لها, والنمط الثقافي العام الذي عاش في ظله, إضافة إلى معتقدات سلبية من قبل الأبوين, مثل اعتقادهما بالحسد, مما يجعلهما يعمدان إلى إخفاء ابنهما عن أعين الزائرين أو يلبسانه لباس البنات, وما شابه ذلك.

داخل المنزل.. وخارجه

تلجأ بعض الأسر إلى تطبيق المعاملة المتميزة للطفل الوحيد, في حين أنه لا يجد مثل هذه المعاملة خارج المنزل, سواء في الحي أو النادي أو المدرسة, وهذا يؤدي إلى شعور الطفل بالخجل الشديد فيما إذا قوبلت رغباته بالصد, وإن عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ.

ويحضرني في هذا الصدد, بعض أخطاء الأمهات من تعويض الطفل الخجول بأنفسهن, فيأخذن دور الأصدقاء, ويشاركن الطفل الخجول في اللعب... وهذه الحالة بالذات (حالة قيام الأم بالمساعدة) تعتبر تأكيداً لوضع خاطئ, والبديل له هو أن تعلمه بعض المهارات وتجعله يشارك بها رفاقه.. وعلى الوالدين تشجيع الطفل على الخروج من دائرة الذات والأنانية بأن يشارك بالحياة الاجتماعية, واللعب مع من هم في مثل سنه, والاشتراك بالأندية, وعلى الأم تعويد الطفل البشاشة, لأن الابتسامة, سلوك مكتسب يتربى عليه الصغير, كما أن الوجه المبتسم - دائماً - مقبول, أما الوجه العبوس, فينفر منه الأطفال المحيطون به.

لذا, يترتب علينا متابعة تصرفات الطفل بابتسامة هادئة, والسعي جاهدين بغية تشجيعه على الاستمرار في محاولته إذ فشل مرة سينجح في المرات القادمة... فإذا شعر الصغير - الطفل - بأنه غير مندمج مع أصدقائه, على الأم في هذه الحالة أن تشجع طفلها الصغير, مع التأكيد على أنه محبوب, وأن رفاقه الصغار يحبونه, وعليها - أيضاً - احترام قدرات ابنها واستحسانها لمواهبه.. وتعويد طفلها الاعتماد على نفسه, وتمرينه على الأكل بيديه, ولا سيما استقلاله في ارتداء ملابسه وحذائه, والعمل على جعل الصغير يعتمد على ذاته عند الاقتراب من سن المدرسة, خصوصاً توفير الوسائل التي تجعله يثق بذاته, والسعي إلى عدم مراقبته (محاصرته), أي عدم فرض قيود تمنع الطفل من التصرف تلقائيا عند اللعب مع رفاقه, حتى نحصل على طفل سوي.

 

عبدالحميد غزي بن حسن

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات