عزيزي القاريء

عزيزي القاريء

حفظ الله العراق

ماذا لو أن الشاعر العراقي مهدي الجواهري - أبا فرات - يعيش بيننا اليوم? لو أنه رأى ما نمر به من تغيرات هائلة - وما تمر به أرض الرافدين بشكل خاص - لكانت أنفاسه قد تحولت - بطبيعة الحال - إلى أبيات متلاحقة من الشعر, فهذا الشاعر الكبير كان يؤمن بأنه منذور للقضايا الكبرى, قضايا الحرية وتوفير لقمة الفقراء وفك ربقة الظلم عن أي مظلوم, ولكنه كان بالتأكيد سيعاني من الحيرة التي نعيش فيها ومن إحساسنا - كعرب - بالضياع إزاء كل المتغيرات التي تجري من حولنا, وسيعاني أكثر من أن العراق - حبه الأثير - موزع النفس بين أفراح التخلص من نظام ديكتاتوري جثم طويلا على أنفاسه, ومخاوفه من احتلال أجنبي قد يترسخ في المستقبل. لم تكن الصراعات في عصر الجواهري بهذا الالتباس, كانت القضايا واضحة والعدو ظاهرا, بعيداً عن خبث الإعلام الحديث وشعاراته الملتبسة. إن (العربي) اليوم وهي تفتح بعضا من صفحاتها على المشهد العراقي الحبيب تخصص ملفا مختصرا لهذا الشاعر الرائد من خلال رؤى جديدة تلقيها على شعره, وهي تؤكد من خلال الآراء المتعارضة التي تنشرها أن الشعراء الكبار لا يطويهم النسيان, وأن أشعارهم تبقى مثيرة للجدل حتى بعد أن يرحلوا عن عالمنا. كما تبقى (العربي) داخل المشهد العراقي حين يشير رئيس التحرير في حديثه الشهري إلى العلة الحقيقية وراء الدمار الذي شهده هذا البلد وهو الطغيان, فكل ما حدث هو حصاد مر لتجربة من أسوأ تجارب الحكم التي عاشها العالم العربي بعد الاستقلال, فالديكتاتورية آفة لا تصيب البلد الذي تحل فيه فقط ولكن أطماعها وشراهتها تمتدان إلى ماحولها من بلاد حاملتين إليها الحرب والدمار, إنها محنة كبرى لأمتنا, ودرس قاس علينا أن نعيه جميعا.

وتتنوع محاور (العربي) في هذا العدد في محاولة للخروج بالعقل العربي من حصار الأزمات المتلاحقة, وهي ترحل إلى حمى مكة المكرمة التي وقع الاختيار عليها لتكون أول عاصمة ثقافية للعالم الإسلامي, ومن قبل هذا فقد اختارتها العناية الإلهية لتكون مهبطا للوحي, ومنطلقا للدعوة الإسلامية, وموطنا آمنا لبيت الله الحرام. وتواصل (العربي) رحيلها إلى قرطبة الإسبانية التي كانت يوما إحدى درر الأندلس لتلقي الضوء على مؤتمر مهم عقد في ظل الحوار الإسلامي - الأوربي بحثا عن عالم أفضل يسوده السلام. وتدخل (العربي) أيضا في مواجهة فكرية مع المفكر العربي جلال أمين يشخص خلالها وضعنا الراهن. كما تنشر تحية وداع للمستشرقة الألمانية المعروفة آنا ماري شيمل التي تعد واحدة من أكبر عشاق الثقافة العربية والإسلامية دون هوى ولا تعصب. وتتنوع القضايا التي تثيرها (العربي) وهي تعرض آخر الإنجازات العلمية والأدبية لعلها تساهم قليلا في بناء العقل العربي الذي هو ملجؤنا الأخير في مواجهة الأزمات التي تحيط بنا.

 

المحرر