المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

وليد العوضي أحلام بلا نوم

(استيقظت في الساعة الثامنة وغادرت الفندق الذي أقيم فيه بمدينة نيويورك, وسرت في (شارع كنال) وعلى الفور أدركت أن شيئا مروعا يحدث. كان معي كاميرا الفيديو وبدأت في التصوير دون سبب, ودون أن أدري لماذا أقوم بذلك. أحسست فقط بأنني يجب أن أصوّر, أتمنى لو أستطيع أن أصف ما رأيته. ولكن المشاعر التي تدافعت في داخلي لم تكن جديدة. لقد أحسست كأن بلدي يتعرض للغزو مرة أخرى. إن قومي يموتون وحريتي تؤخذ مني, ذكّرني ما رأيت بالغزو العراقي, ذلك الشعور بأنك لا تستطيع التحكم فيما حولك وأن حياتي وحريتي تسلبان مني... كنت في اليوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ولكني أحسست بأنني في الثاني من أغسطس عام 1990).

هذه بعض من كلمات المخرج الكويتي وليد العوضي وهو يتحدث عن فيلمه الوثائقي (أحلام بلا نوم) الذي تبلغ مدة عرضه 75 دقيقة, وهو الفيلم الذي وافقت الأكاديمية الأمريكية للسينما على دخوله مسابقة الأوسكار التي أقيمت في فبراير الماضي. وهو يعد بذلك أول فيلم عربي وثائقي يعرض في إطار هذه المسابقة السينمائية المهمة.

و(أحلام بلا نوم) ليس هو الفيلم الأول للمخرج وليد العوضي الذي درس الإخراج في الولايات المتحدة وتتلمذ على مجموعة من أهم مخرجيها وعاد إلى الكويت ليقدم أول فيلم وثائقي له (لحظة من الزمن) عام 1995 عن حرب تحرير الكويت من خلال لقاء بين مجموعة من الجنود الكويتيين والأمريكيين, وقد حصل هذا الفيلم على جائزة مهرجان هيوستن, وتلى ذلك فيلم (صمت البراكين) عن مشكلة الأسرى الكويتيين في السجون العراقية ثم فيلم (هاتف من الكويت) عن عالم الاتصالات التي نعيشها اليوم, وحصل هذا الفيلم أيضا على جائزة مهرجان شيكاغو. ثم دخل وليد العوضي بعد ذلك على استحياء في مجال الأفلام الروائية حين قدم الفيلم القصير (سورة) والذي تدور أحداثه في اليوم الذي تحررت فيه الكويت من آثار الغزو.والمصادفة وحدها هي التي قادت وليد العوضي إلى إنتاج فيلم (أحلام بلا نوم). فقد كان في واشنطن للاتفاق على إنتاج فيلم عن حرب الخليج, ومنها طار إلى نيويورك لإجراء بعض المقابلات قبل ليلة واحدة من أحداث سبتمبر, وغادر الفندق ومعه كاميرته قبل لحظات من إصابة البرج الأول واستطاع أن يصور الاصطدام بالبرج الثاني كاملا. لقد كانت لحظة صعبة على حد تعبيره. فقد تعلم في مدينة نيويورك وله فيها الكثير من الأصدقاء ولم يدر السبب الحقيقي وراء كل ما حدث.

في 17 سبتمبر عاد وليد إلى الكويت وبدأ يجمع المادة الصحفية التي نشرت حول الحادث, واجتمع مع وزير الإعلام الكويتي ليسأله إن كان مهتما بإنتاج فيلم حول هذا الموضوع, وقد حصل على الموافقة, وعاد في أكتوبر من العام نفسه إلى نيويورك مرة أخرى. (كان الجو مختلفا هذه المرة, كنت خائفا من كل الأحاديث التي تقال حول العرب والمسلمين, وكان الأمر جنونيا عندما عدت إلى المطار وبدأوا يطرحون علي عشرات الأسئلة حول أسباب عودتي إلى الولايات المتحدة, وقلت لنفسي إنني يجب أن أقوم بهذا الفيلم مهما حدث لي.لا يتوقف فيلم (أحلام بلا نوم) عند تصويره لوقائع هذا الحدث ولكنه يتخطاها للحديث عن انعكاس سبتمبر على نماذج من البشر الذين عايشوا هذه المأساة. هناك البشر العاديون الذين يمثلهم ذلك المهاجر اللبناني الذي جاء مفلسا إلى نيويورك ولا يعرف اللغة الإنجليزية وفوجئ بأن الأقارب الذين كان يقصدهم قد فقدوا في الهجوم. وهناك الأبطال من رجال الإطفاء مثل الذي أنقذ العديد من زملائه, وبقي ليحضر جنازات الذين فقدوا ويبكى عليهم. وهناك جندي المارينز الذي شاهد حرب الخليج ولكنه لم يتصور أن تصل الحرب إلى أبواب بيته, والعديد من القصص الإنسانية الأخرى. وكما يقول وليد العوضي: (لقد حاولت من خلال هذا الفيلم أن أحسن من صورة المسلمين العرب الذين أصبحوا منبوذين كما العبيد السود أيام اضطهادهم, ولكن بلغة سينمائية إنسانية يفهمها الإنسان العربي الذي أعرفه من خلال سنوات طوال عشتها دارسا في أمريكا).

القاهرة

رشدي صالح .. إعادة اكتشاف بعد نسيان مزمن

حين رحل الأديب أحمد رشدي صالح عن ستة عقود في 12 يوليو 1980 كان قد عمل بالتدريس, والإذاعة, والصحافة, وكتابة السيناريو, والتأليف, والترجمة, مما جعل من مسيرته سجلا حافلا بالعطاء. لكنه, رغم هذه الرحلة التي امتدت بين فنون الكتابة والإعلام جميعًا, يظل علما في ريادته لعلم الفلكلور العربي.

ويجيء التكريم لاسم الكاتب الراحل احمد رشدي صالح هذا العام, بعد نسيان مزمن لهذا الرائد الكبير, من قبل جهتين مختلفتين: لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة, ومركز البحوث والدراسات الاجتماعية بجامعة القاهرة مثيرا لسؤال محير: لماذا أحيط الرجل بكل هذا التجاهل, فاختفى اسمه تماما من الساحتين: الصحفية التي كان رئيسا لتحرير إحدى مجلاتها البارزة (آخر ساعة), والفنية, فقد كان الرجل مؤسسا لمركز دراسات الفنون الشعبية, والفرقة القومية للفنون الشعبية?

وقد تزامن التكريمان: إصدار كلية الآداب بجامعة القاهرة من خلال مركز البحوث والدراسات الاجتماعية لكتاب تذكاري عنه بعنوان (رشدي صالح والفلكلور المصري.. دراسة لأعماله وفصول من تأليفه) إعداد الدكتور محمد الجوهري ضمنه مقالات لم تخرج من قبل بين دفتي كتاب, ودراسات وشهادات بعض من اقتربوا منه, وتخصيص لجنة الفنون الشعبية التي يرأسها الكاتب فاروق خورشيد لاحتفالية دعت إليها أسرته التي بادرت بطبع كتاب ضم البحثين الفائزين في المسابقة السنوية التي حملت اسم الكاتب الراحل التي نظمها المجلس حول (رشدي صالح, رائدًا للفلكلور): الأول (رشدي صالح رائد علم الفلكلور) لإبراهيم حلمي, والثاني (اهتمامات رشدي صالح بحكايات ألف ليلة وليلة) لفادية محمد علي. ويوضح فاروق خورشيد أن المسابقة تختار ثلاثة مجالات في حقول الفلكلور لاجتذاب شباب الباحثين إليها والتأكيد على أن البحث الميداني في مجال المأثور - الذي حرث أرضه الراحل رشدي صالح - أمر حيوي لكل باحث.

وفي هذه الاحتفالية ـ التي قدمها الدكتور أسعد نجيب أستاذ الفلكلور التطبيقي بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون وصاحب مشروع المشربية, والذي تولى ترميم بيت السحيمي الأثري في القاهرة المعزية ـ تحدث الباحث عبد الحميد حواس عضو لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة مركزا على النقلة المنهجية والمعرفية التي تمثلها إضافة رشدي صالح سواء في مجال الفلكلور أو المسرح أو الرواية أو العمل الصحفي, وتوقف حواس طويلا أمام إنجازات رشدي صالح في صدر شبابه عندما أصدر مجلة (الفجر الجديد) وإسهامه في تعميق مفهوم الثقافة الوطنية. واعترف حواس أنه وجيله يعيشون حتى الآن على بقايا إنجاز رشدي صالح, ولاسيما فيما يتصل بتنميه الوعي الوطني والقومي وتأسيس ثقافة رشيدة.

وقد اتسعت الاحتفالية أيضا لتقديم شهادات بعض الكتاب ممن ربطتهم صلة الدم بالمحتفى به, ومنهم ابن شقيقته الكاتب سامح كريم. في حين بسطت الدكتورة سمحة الخولي طبيعة علاقة رشدي صالح بزوجها المؤلف الموسيقي جمال عبد الرحيم وأوضحت مدى تأثيره في تطوير الأغنية الشعبية وإدخالها الكونسير من خلال أكثر من قالب أوركسترالي. ومن لجنة الفنون الشعبية تحدث أيضا الباحث صفوت كمال معترفا بأن رشدي صالح هو الذي وجهه إلى العمل الميداني في جمع المأثور الشعبي. فيما رصد حلمي شعراوي ملامح بدايات الخمسينيات ونشوء فكرة تأسيس مركز دراسات الفنون الشعبية, الذي ضمه رشدي صالح إلى كوادره.

وقد وزع رشدي صالح اهتماماته وقلمه بين السياسة, والشعر, والقصة والرواية, والأدب الشعبي. وقد صدرت له عناوين كثيرة نذكر منها مشكلة السودان, الاستعمار البريطاني في مصر, القاهرة في ألف عام, ودراسات في تاريخ مصر الاجتماعي, والأدب الشعبي, وفنون الأدب الشعبي, مصر والفلاح والنيل, والفنون الشعبية, والحكايات والأمثال. وفي السرد: سيدة الفندق, عازفة الكمان, هل رأيتم حبيبي, الزوجة الثانية, ابن ماجد أسد البحار, ورجل في القاهرة. ومن أعماله الشعرية: الحب همسًا, غدا ألقاك وغدا أنساك, ما بعد الرحيل. وتمثل ترجمته (علم الفولكلور) للأنثروبولوجي الأمريكي ألكسندر هجرتي كراب المرجع الأساس لكثير من الدراسات المصرية اللاحقة عليه.

وفي ذكرى رحيله التي تأتي بعد أسابيع نتذكر مجلته (الفجر الجديد) التي أصدر منها 44 عددا حتى أغلقها في سنة 1946 صدقي باشا ضمن 11 صحيفة ومجلة ملغاة في حملة على قيم الحرية التي كان يدعو إليها. نتذكر هذا الفجر, ونتمنى أن يبزغ مستهديا بدأب هؤلاء الرواد.

مصطفى عبد الله

الشارقة

ملتقى الإبداع لشاعرات الإمارات

تتبنى الشاعرات في الإمارات برنامجاً طموحاً وفكراً متجدداً, فإلى جانب النتاجات الإبداعية التي تعكس مستوى الشعر النسائي في الإمارات, يقمن احتفاليات شعرية متميزة, ترفد الحركة الأدبية والثقافية, وتفتح قنوات للتواصل مما جعل لبعض هؤلاء الشاعرات اللواتي تدرجن على كتابة الشعر, وانغمسن في الحياة الثقافية في سن مبكرة حضورهن في الداخل والخارج.

ويعتبر الملتقى الشعري الوطني الأول لشاعرات الإمارات الذي أقيم في أندية الفتيات بالشارقة برعاية قرينة حاكم الشارقة الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى للأسرة في الشارقة والرئيسة الفخرية لرابطة أديبات الإمارات متساوقا مع هذا الاتجاه الذي يؤكد الدور الذي تلعبه المرأة في إثراء الساحة الثقافية, ومساهمتها المتميزة, وإبداعاتها اللافتة.

وقالت القاصة شيخة الناخي رئيسة الملتقى إن هذا الملتقى يأتي حافزاً ومشجعاً للكاتبة الإماراتية للتعبير عن نفسها, وإيصال صوتها إلى مجتمعاتها من خلال إبداعاتها الأدبية, حيث تم تسليط الضوء على كوكبة من الشاعرات الإماراتيات على مستوى الدولة واللواتي يبلغ عددهن عشرين شاعرة.

وأضافت أن الملتقى يأتي من ضمن سلسلة الملتقيات التي دأبت رابطة الأديبات على تنظيمها سنوياً منذ تسعة أعوام, إلا أن الملتقى الحالي يركز على أهمية مشاركة الكاتبة الإماراتية المبدعة في مجالات الشعر بعدما كان تنظيمه يتم على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي, حيث ارتأت رابطة الأديبات أن يتم تسليط الضوء على الإبداع الإماراتي الأنثوي.وقد تم تقديم أشعار جميلة حيث توازنت الألوان بين الشعر الشعبي والفصيح والقصيدة التقليدية والحديثة القائمة على وحدة التفعيلة أو القصيدة المنثورة مما يعني مواكبة الشاعرة الإماراتية لمثيلتها في دول المنطقة, وتأثرها بحركة الإبداع الشعري,ومتابعتها لما يصدر عنها من مطبوعات شعرية جديدة.

وبالإضافة إلى الأمسيات الشعرية فقد أقيمت ندوة طرحت فيها ورقتا عمل نقديتان الأولى للدكتورة أمينة حسين من جامعة الإمارات بعنوان (العاطفة والوطن في الشعر الإماراتي) والثانية للشاعرة علياء جوهر بعنوان (الشاعرة الإماراتية بين الفصيح والشعبي).

أما ضيفة الملتقى فهي الشاعرة الشيخة لولوة خليفة سلمان آل خليفة من مملكة البحرين والتي شاركت بإحياء أمسية شعرية في الملتقى في يومه الأول.

وضمن فعاليات الملتقى الشعري التاسع أقيم معرض بالإصدارات الشعرية لشاعرات الإمارات, مثل صالحة غابش, عائشة البوسميط, خلود لمعلا, جويرية الخاجة, ميسون صقر القاسمي, كلثم عيدالله, كلثم الشيباني, أسماء الزرعوني, وغيرهن. والهدف من المعرض هو تعريف الجمهور بالشاعرات الإماراتيات المكرسات على الساحة.

هذا, وأصدر الملتقى بالمناسبة السيرة الذاتية للمشاركات وبعض أعمالهن الشعرية, وملخصاً عن أوراق العمل, إضافة إلى تخصيص قسم الكتب للشاعرات الناشئات تحت عنوان (على طريق الإبداع).

أحمد خضر

بيروت

الفنان رفيق شرف... وداعاً

كان أصدقاء الفنان التشكيلي الكبير رفيق شرف, ومنهم زملاؤه في كلية الفنون بالجامعة اللبنانية, يُعدّون للاحتفال بعيد ميلاده السبعين, خاصة وقد بدا لهم أن المرض العضال الذي أصيب به في السنوات الأخيرة لن يمهله فترة طويلة, وأنهم قد لا يحتفلون معه بعيد ميلاد آخر. ولكن هذا الاحتفال لم يحصل في الواقع بسبب وفاته, فأقاموا بدلا منه احتفالا تذكاريا في قصر اليونسكو ببيروت حيث تحدث زملاؤه وإخوانه عنه كفنان أصيل كان من بين مَن عادوا إلى الجذور اللبنانية والعربية واستلهموها. ومن الجدير بالذكر أن من أولى اللوحات التي رسمها في مطلع حياته لوحة اسمها (استيلاء الثوار على سرايا بعلبك) التي قد لا تكون من أنضج ما رسمه, ولكنها تؤشر إلى هوية ومسار عُرف بهما رفيق شرف على مدار حياته الفنية التي امتدت حوالي نصف قرن. فهو فنان ذو اتجاه عروبي واضح يشهد على ذلك اهتمام لا يفتر بجوانب من تراثنا الفني والوطني. وليس أدلّ على ذلك من أن المرء إذا ذكر اسمه, بينه وبين نفسه, أو في مكان عام, تداعت إلى الذهن رسومه عن عنترة والخيول التي قد لا يختلف بعضها عن رسوم عنترة التراثية أو عن تلك الرسوم الشامية القديمة عن الخيول التي يمتطيها الفارس العربي القديم. فكأن رفيق شرف عندما كان يعود إلى ذاكرته التاريخية يستوحيها, أو يستلهمها, إنما كان يعود إلى أصله يغني هذا الأصل, تماما كما فعل المتنبي وهو يتغنى بـ(التجازر في زيّ الأعاريب).

والواقع أنه كان في رفيق شرف من قلق المتنبي, ومن قلق الشخصية الشكسبيرية بوجه عام, الكثير. ومن عرفه عن قرب, لمس فيه أصالة أهل البادية وأهل الريف عموما, وهي أصالة لن تفارقه بعد ذلك وهو يتحول إلى إحدى الشخصيات الفنية اللبنانية الأكثر التصاقا بالحاضرة, وهي هنا ببيروت. ومن يؤرخ للنشاط الفني والثقافي لبيروت, وبخاصة لبيروت قبل الحرب, سيجد رفيق شرف بشخصه وبرسومه التراثية المتوترة والقلقة حتى تخوم التوتر, جزءا غير قابل للانفصال عن المشهد الثقافي اللبناني الذي كان يمور بالحيوية في ذلك الوقت. ومن يزر الآن بعض المقاهي البيروتية القديمة, أو الجديدة, فسيجد صورا قديمة له, أو للوحاته, لاتزال معلقة إلى اليوم, كما لو أنها الأكثر تعبيرا أو تمثيلا لمرحلة أو لروح أو لسمت خاص كان يمثله رفيق شرف.ولكن على الرغم من أن رفيق شرف كان جزءا من ثقافة بيروت في أزهى عهودها الحديثة, وهو عهد ما قبل الحرب, فإن قتامة ما, أو سوداوية ما, كانت تطبع لوحته. فاللوحة تعمر بالشكوك لا باليقين, بالخيبة أكثر مما تعمر بالفرح أو بالتفاؤل. ومع أنه جاء زمان تسرّب فيه الأمل إلى هذه اللوحة, وقد بدا ذلك في الموضوع كما بدا في اللون والمعالجة, فإن النفس القلقة المتوترة لم تشف شفاء تاما من أوصابها وقروحها. ولاشك أن رفيق شرف كان في ذلك صورة لجيله ولطموحات هذا الجيل ولعثرات طريقه في آن.يمكن أن يوصف رفيق شرف بالفنان التجريبي استناداً إلى سيرة فنية حافلة بمخاضات كثيرة. فقد جاء وقت سادت لديه المنمنمات التي سيطرت على مسطحات لوحاتها الأقنعة والعلامات والإشارات السحرية, واستخدام الكولاج اللغوي, أو امتزجت فيها الألوان بقطع الحديد والخشب والحبال. ولكن الفنان الراحل سرعان ما طوى لاحقا مرحلة التجريب إلى رحلة العمل المنجز المستكمل لشروطه, والذي يضع صاحبه في منزلة رفيعة بين أقرانه.درس ابن بعلبك الفن التشكيلي في إسبانيا في الخمسينيات في القرن الماضي وعرف غرناطة وقرطبة وإشبيلية حيث امتزج في نفسه عبق التاريخ بحضارة الغرب الحديثة. ولكنه ظل باستمرار مشدودا إلى تراثه وتطلعاته الذاتية وطموحات جيله. والاحتفال الذي أقامه له أصدقاؤه وزملاؤه في قصر اليونسكو, إنما كان بمنزلة التحية لصفحة نضرة شديدة الحيوية في تاريخ الفن التشكيلي العربي المعاصر.

جهاد فاضل

عمان

مقتنيات (خالد شومان) الفنية

ضمن مشهد بانورامي غني بتفصيلات اللوحات والخزف والتصوير قدّمت دارة الفنون الأردنية المعرض الدائم لمجموعة خالد شومان والتي ضمت خمسمائة عمل فني لتسعة وستين فناناً يمثلون عدداً من الدول العربية.

لقد تميز المعرض بكونه الأول الذي يضم مجموعة للفنون العربية الحديثة يتم عرضها عربياً في مركز فني خارج المتاحف والأماكن الخاصة, متتبعاً سيرة ما يزيد على ثلاثين عاما من عمر الفن التشكيلي.

إن مجموعة (خالد شومان) تجسّد المسار الفني العربي على مدى زمني طويل, إذ تضم أعمال الفنانة فخر النساء زيد منذ عام 1940 بدءاً من واقعيتها الفنية إلى منهجها التجريدي الذي انتهجته في الخمسينيات ثم البورتريهات ومجال الطباعة والرسم على الزجاج الملون, كما أتاح المعرض التعرف على بعض أهم مشروعات الفنانين من خلال مجموعة (متتالية الرءوس) للفنان السوري مروان باشي والمكونة من تسعة وتسعين عملاً جرافيكياً, ومجموعة (سرة الأرض) للفنان كمال بلاطة المكونة من اثنتي عشرة لوحة زيتية كبيرة مستوحاة من قبة الصخرة والحرم الشريف في مدينة القدس. ولأول مرة يتم عرض مجموعة من رسومات الفنان الأردني علي الجابري, والتي تضم ثماني لوحات تصور (خربة النوافلة) وما فيها من نبض الشرق العربي.

هذا واشتمل المعرض على أعمال نحتية متنوعة, وكُتب فنية مثل كتاب (أمة في المنفى) الذي أصدرته دارة الفنون وجمع رسومات الفنان الجزائري رشيد القريشي وقصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش وخطوط حسن المسعودي.

لقد جسّد معرض (خالد شومان) تظاهرة فنية جمعت فكرة الاقتناء الفني بالنوعية, والإيمان بأن الفن ثروة قومية إنسانية, حيث تنوعت الأعمال بين النحت والخزف والرسم, كما تنوعت الموضوعات التي تناولتها الأعمال الفنية بين مشاهد الطبيعة والجوانب الإنسانية والسياسية في حياة المواطن العربي عبر لغة فنية راقية ومتنوعة, تراوحت بين الواقعية والحروفية والتجريدية بكل مدارسها وأساليبها التعبيرية والرمزية.

من الجدير بالذكر أن دارة الفنون التي تم إنشاؤها عام 1993 بدأت نشاطها بإقامة المعرض الدائم الذي حمل اسم (فنانون عرب ومعاصرون) بهدف إتاحة الفرصة للتعرف على الفنانين وتجاربهم الإبداعية ومقارنتها بأبرز التجارب التشكيلية العالمية.

توفيق أبو بكر

تونس

مهرجان لجمع شمل الكتّاب

شكّلت الدورة الخامسة عشرة لمهرجان مرآة الوسط الثقافي التي انتظمت أخيراً بمدينة سيدي بوزيد (وسط تونس) مناسبة اجتمع فيها شمل الأدباء والكتّاب التونسيين من قصاصين وروائيين وشعراء وكتّاب صحفيين, إلى جانبب زهاء السبعين كاتبا شابا من مختلف أنحاء الجمهورية التونسية جاءوا لعرض آخر ما كتبوا من نصوص قصصية وشعرية بحثاً عن فرصة للتميز والتألق إلى جانب الأدباء الكبار.

وقد تحول المهرجان إلى محفل أدبي كبير, أنشد فيه الشعراء ما شاءوا من قصائدهم أمام جمهور غفير العدد جاء ليستمع إليهم وليشجع برنامج المهرجان الذي تواصل على امتداد يومين اشتمل على أمسيات شعرية, وندوة دراسية تناولت مميزات النص الروائي عند الكاتب التونسي عبدالقادر بلحاج نصر الذي يعدّ أحد كتّاب الرواية الكبار في تونس.

وقد صدرت له سبع روايات, آخرها رواية (مقهى الفن) ومن رواياته أيضا (قنديل باب المدينة), (امرأة يغتالها الذئب), (الإثم), (البرد), (صاحبة الجلالة), (الزيتون لا يموت), الى جانب سبع مجموعات قصصية منها (عجمية) و(عجائب زمن) و(صلعاء حبيبتي).

كما كتب للمسرح وكتب للتلفزيون ثلاث مسلسلات تلفزيونية هي على التوالي: (الحصاد) و(الحمامة والصقيع) و(الريحانة) وانتهى أخيراً من كتابة مسلسل تلفزيوني رابع.

وقد اشترك في هذا المجلس بتقديم ورقات عن المحتفى به الكاتب يحيى محمد والكاتب التهامي الهاني والناقد محمد المي والكاتب محمود الحرشاني.وقد تحدث الكاتب يحيى محمد عن علاقته بالكاتب عبدالقادر بلحاج نصر منذ بداية تردده على نادي القصة في الستينيات موضحا منذ البداية أن عبدالقادر بلحاج نصر كاتب يستمد أحداث رواياته وقصصه من واقع المجتمع. وبيّن أن تجربة عبدالقادر بلحاج نصر الروائية تعد من أنضج التجارب التونسية وأقواها. أما الكاتب التهامي الهاني فقد أبرز أنه تعرف على الكاتب منذ حوالي عشر سنوات, وأنه وجد في قصصه ورواياته خيطا يعلن بواقع بيئته المحلية حتى في أسماء أبطال رواياته.

ثم تحدث الكاتب محمد المِيْ, ومنذ البداية طرح هذا السؤال, هل يمكن حقا أن نتحدث عن مميزات نص روائي عند عبدالقادر بلحاج نصر, وقال إنه تعرف على هذا الكاتب وتردد عليه في مجلسه الأسبوعي وكذلك في بيته, وهو بحق كاتب يحرص على أن يغمر نصه القارئ بعديد العواطف.. فلا يترك القارئ هذا النص إلا بعد أن يغوص فيه إلى الأعماق.

أما محمود الحرشاني فقد تحدث عن تذوقه لنص عبدالقادر بلحاج نصر وقال: أجد فيما يكتبه متعة كبيرة, سواء كتب قصة او رواية او مسلسلا تلفزيونيا. وقال إن علاقتي بعبدالقادر بلحاج بدأت منذ أن قرأت روايته الأولى (الزيتون لا يموت) فحصلت على جائزة في مسابقة للأدباء الناشئين منه ثم قرأت بعد ذلك مجموعته القصصية (صلعاء يا حبيبتي) فوجدت أن الرجل قريب مني, يكتب عن أناس أعرفهم, فسعيت للتعرف عليه, ومنذ ذلك الحين بدأت صداقتنا, ولدي رصيد هائل من رسائله أعتز بها.

وفي رده على هذه التدخلات, بدا عبدالقادر بلحاج نصر متأثرا إلى حد بعيد, وقال بأنه سعيد بتكريمه مرة أخرى في سيدي بوزيد وهذا التكريم يشعره بأنه قدم شيئا مفيدا وبأنه لم يضيع وقته في ما لا ينفع. وقال إنه كان حريصاً دائماً على عدم الدخول في متابعات أدبية لا مخارج منها, وقد كان هاجسه الأساسي دائما الالتزام بقضايا الوطن والإنسان.

ولم يكن الشعر غائبا عن المهرجان, بل إن هذه الدورة شهدت مشاركة أكبر عدد من الشعراء التونسيين في فعالياتها, ومن الشعراء الذين أتوا وأنشدوا في رحاب المهرجان الشعراء: فوزية علوي ابنة السباسب وعبدالرزاق الحمزاوي وعبدالسلام لعيلع, وسون عبيد, وصلاح الدين الحمادي, والهادي العبدلي, وخيرالدين الشابي, وجلال باباي, وشكري السلطاني, والشافعي السليمي, وقد انتظمت أمسية شعرية ضخمة تولى تنشيطها الوجه الإذاعي والتلفزيوني المعروف (حبيب جغام) الذي أبدع في تنشيط الأمسية والتعقيب على قصائد الشعراء, بتلميحات طريفة وذكية وموحية.

كما اشتمل المهرجان على تنظيم ورشات للقصة والشعر, وذلك بهدف إتاحة الفرصة للأدباء الفتيان من كتّاب القصة والشعر لتقديم إنتاجهم, وقد أطّر ورشة القصة الكاتب يحيى محتد والكاتب إبراهيم بن سلطان وحضرها كضيف شرف الكاتب عبدالقادر بلحاج نصر, وفي هذه الورشة مجموعة من النصوص القصصية حوالي (22 نصا).

أما ورشة الشعر فقد أطّرها الشعراء شكري السلطاني وخيرالدين الشابي وعبدالرزاق الحمزاوي وقدم خلالها حوالي (17 نصاً) شعرياً.

محمود الحرشاني

لندن

معرض للثقافة الإيطالية: بنات الاسباجتي!

لا يستطيع بلد أن يضع ثقافته في صحن حضاري واحد سوى إيطاليا, والسبب هو ذلك الكيان المصنوع من العجين: المكرونة! ستصفها ألف مرة, وهي تطول وتقصر, وتدور وتستقيم, وتنثني أو تنحني, مع الجبن أو الصلصة, بالبهارات أو الفلفل الحار, في الشوربة أو خارجها, إنها الباستا أو الاسباجتي وأخواتها المشتقة من كلمة إيطالية تعني الخيط. (وما دمنا في إطار الفن نقول مثلما اشتقت ألوان الباستيل من تلك العجينة الطليانية أيضا).

هذا الخيط الرفيع (أو السميك), المصمت (المجوف أيضا في أحيان), كان موضوعا لمعرض تشكيلي يحمل اسم: الباستا -الثقافة الإيطالية في طبق, وهو معرض يعتمد على أكثر من كتاب, القاسم المشترك بينها جميعا ذلك الفن الذي يوحد بنات الاسباجتي.

موضوع المعرض جعلني أتأمل قليلا في أحوال مطبخنا (المصري), وهل يمكن أن يحظى بلقب ملك ثقافة المحشي (مثلا), أو تكون ثقافة الفول أقرب? الأمر لا يمثل أي طرافة, إنما العجيب أنه رغم مرور نحو القرن على رحلة الفن المعاصر في مصر, لم أجد لوحة تشكيلية تمجد المحشي, أو تشير إليه من بعيد, بينما استطاع قدر (قدرة) الفول وطبقه الحضور بقوة في أعمال الكثير من الفنانين.

ولكن إذا كانت باستا الطليان قد حظيت بالرسم والتوثيق والظهور على بطاقات البريد وإعلانات الصحف فإن الفول الخجول بقي سجين إعلاننا الداخلي عن بساطة العيش. وباتت التنويعات الطاهية للفول في أكثر من شكل تمجد لنوع خاص من الفن, فول اسكندراني, وآخر بالخلطة, وثالث بالطحينة, أو بالليمون والكمون والزيت الحار, مثلما لدينا فول عجمية وكزبرية وبصارة والنابت المسلوق في مياه النيل المغلية.

مدرسة كاملة من الفوليزم الذي يمكن أن يتحول بقدرة قادر إلى طعمية (فلافل الاسم الحركي للفول), وأقول - قبل أن أعود إلى بنات الاسباجتي - أنني أضيف إلى فن صورته التي يعاد تشكيلها في كل طبق فن القول في نداءات باعته.

من بين الكتب التي قدم المعرض بعض مقتطفاتها Cucina Futurista أو نصوص مطبخ المستقبل, وألفه كاره للمكرونة هو فيليبو مارينتي الذي يرى في عشق الطليان لها نوعا من ديانة الأكل التجريدية!

المهم أننا نرى صورة لمارينتي - بعد انهيار الحركة المستقبلية في الفن وخلال عام 1930م - جالسا في مطعم ميلانو الشهير BIFFI الذي لا يزال حتى اليوم قائما, يلتهم صحن الاسباجتي. وتصاحب نصوص أخرى صور المعرض أخذت من كتاب إليزابيث ديفيد طعام البحر المتوسط (1950) والباستا في الكتاب تعني - وتترادف - مع الاسباجتي, وحين تكتب إليزابث (الطعام الإيطالي) بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ, تصل بوصفات الباستا إلى الثلاثين.

سنعثر في المعرض على صور للباستا في المطبوعات التي قدمتها شركة باريللا في (بارما), إحدى أكبر شركات صناعة الاسباجتي الإيطالية بين عامي 1916 و1960م. غرام الإيطاليين بالشكل نكتشفه من خلال تقديم اللوحة المعجونة في مئات الصور, ولكن بطعم واحد.. أو ثلاثة على الأكثر. الأشكال هنا تمثل مكونات اللوحة, فيما يمكن أن تسمي الطبق بإطار اللوحة, وما تعدد أشكال الباستا إلا لتتفق مع الطبق.

ويتساءل إمبرتو إيكو في مقالة له بعنوان (الظاهرة البانورامية في فنون التصميم الإيطالية): كيف لا يتأتى أبدًا للأزمات الاقتصادية, والمافيا, والحكومات غير الرشيدة أن تقوض إيطاليا وتحولها إلى دولة أطلال? والإجابة مع رعاة بنات الباستا, يقول إيكو:

انظروا إلى الفنان البسيط - والمجهول - الذي ابتكر مجموعة عملية وجميلة من أدوات خشبية لصنع الباستا في القرن التاسع عشر. ففي كل مدينة إيطالية يولد هؤلاء (اللامصممون) ليدعمو الصناعات الصغيرة التي من بينها الباستا, والتي حققت للمواطن الإيطالي ذلك القدر من أسلوب الحياة الإيطالي المنعم, حتى حين تواجه الشركات الوطنية الكبرى الأزمات.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




المخرج الكويتي وليد العوضي





لقطة من فيلم أحلام بلا نوم





الراحل رشدي صالح





الإمارات: حفاوة بالتراث





الفنان داخل مرسمه





الفنان رفيق شرف في أيامه الأخيرة





من أعمال رفيق شرف





من أعمال رفيق شرف





من اللوحات المشاركة للفنان قويدر التريكي من تونس





مهرجان مرأة الوسط بتونس





قاطعات الباستا, صورة من النصف الأول للقرن العشرين