لماذا لا نحدد شهر الصيام فلكيا?

لماذا لا نحدد شهر الصيام فلكيا?
        

لقد تقدم علم الفلك إلى حد السعي لجعل روبوت يتجول على كوكب المريخ, فلماذا لا نعتمد على الحسابات الفلكية في تحديد بدء وانتهاء شهر رمضان?

          بعد الريادة المشهودة لعلماء الفلك العرب, يعتبر العالم الألماني جوهانز كبلر (1571-1630م) أول مؤسسي علم الفلك بمفهومه الحديث, فبالرغم من جهود سابقيه من العلماء في هذا المجال, فإنه كان أول من أدخل علم الفلك مرحلة العلم بمفهومه الحديث, عندما صاغ ثلاثة قوانين رياضية هندسية استطاعت التنبؤ بمواضع الأجرام السماوية بدقة في السماء.

          وفي عام 1667م نشر العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن (1642-1727) كتابه الشهير (المبادئ), واضعاً فيه قوانينه الشهيرة في الحركة والثقالة (تسمى خطأ بالجاذبية), فلم يكتف بتفسير قوانين كبلر الثلاثة فقط, بل أنشأ ميكانيكا كونية تسري قوانينها الفيزيائية في كل أجزاء الكون, في القمر أو المريخ أو الزهرة أو في أي مكان آخر من الكون.

          وكان أجمل ما في هذا الميكانيك الكوني أن جميع الظواهر الحركية - سواء أكانت مرتبطة بحركة كوكب حول الشمس أو بمسار القذيفة نحو الهدف, أو بسقوط التفاحة نحو الأرض - خاضعة لنفس القوانين الفيزيائية, وبأن المرء لا حاجة له كي يسهر الليالي أو يجري التجارب المضنية للتنبؤ بحركة الجسم المادي ومعرفة موضعه, بل كل ما يتوجب عليه هو أن يعرف ما العوامل المؤثرة في هذا الجسم, ثم يقوم بتطبيق القوانين الفيزيائية ليخرج بما يريد معرفته من حقائق حوله, كمعرفة موضعه في لحظة ما, أو معرفة سرعته أو شكل مساره.

          ومما زاد من ثقة العلماء بالمنهج العلمي الرياضي, إن إنجازاته قد فاقت كل توقع, إذ استطاعوا حساب مسارات الأجرام السماوية من كواكب ومذنبات, كما تنبأوا بمواعيد حدوث ظاهرتي الكسوف والخسوف لا في المستقبل فقط, بل في الماضي أيضا, كل ذلك وبدقة كبيرة. وقد أتى تتويج هذه الإنجازات في عام 1846م عندما استعان فلكيان أحدهما فرنسي والآخر بريطاني بميكانيك نيوتن لتفسير سبب اضطراب مدار كوكب أورانوس وانحراف مساره عما هو متنبأ له, فبين هذان العالمان أن مدار أورانوس يضطرب لأنه خاضع لتأثير كوكب غير معروف بعد يقع أبعد من أورانوس, وقد دعي هذا الكوكب فيما بعد باسم بلوتو بعدما رصد منحرفاً بحدود درجة واحدة عما تنبأ به العالمان.

في الدنيا والدين

          وحين كانت السفينة الفضائية أبولو متجهة إلى القمر قال بل أندرس - قائد السفينة - عندما سأله ابنه عمّن كان يقود السفينة التي تقود أباه نحو القمر: (لعل نيوتن يتولى - بقوانينه - معظم عملية القيادة الآن).

          ثم أتى العالم الألماني إلبرت آينشتاين عام 1916م ليطرح نظريته النسبية العامة التي أكمل فيها النقص الضئيل في ميكانيك نيوتن كأن صحح الخطأ الظاهري في حركة عطارد والبالغ 43 ثانية قوسية كل قرن, وهذا الخطأ أقل من عرض شعرة عندما ينظر إليها المرء وهو يحملها بيده وقد مدها بعيدا عنه. وبذلك بات الميكانيك السماوي يسير على أرضية صلبة يقف عليها الفلكيون اليوم في حساباتهم التي بلغت حدا أقرب إلى الكمال عندما أرسلوا مركبة الفضاء فواياجر2, وهي مركبة خطط لها أن تقترب في مسار رحلتها من كواكب المريخ وزحل والمشتري وأورانوس ونبتون فتستفيد من ثقالة هذه الكواكب عند اقترابها منها وتزيد من سرعتها, بمفعول يشبه تماماً مفعول المقلاع الذي يستخدمه أبطال الحجارة اليوم في الأرض المحتلة. وقد شبّه العالم الأمريكي الراحل كارل ساغان دقة تصميم وحساب مسار هذه المركبة قائلا: (إن احتمال لقاء المركبة بأحد هذه الكواكب, واقترابها منه بالقدر المطلوب وعدم ارتطامها به بعد قطعها مسارا على شكل قوس يبلغ طوله خمسة بلايين كيلومتر هو كاحتمال أن تدخل خيطا في ثقب إبرة تبعد عنك ألفي كيلومتر, أو أن تطلق رصاصة من مسدسك في واشنطن لتصيب رأس ثور يهيم على وجهه في مراعي دالاس).

          وهنا نسأل ما لابد أن يسأله كل من اطلع على هذه التطورات: لماذا لا يستفيد المسلمون من هذه التطورات الكبيرة في علم الفلك لتحديد موعد حلول شهر رمضان المبارك وانتهائه? أليس القادر على إخبارنا بموعد حدوث الكسوف الشمسي وخسوف القمر, ودرجة حدوث هاتين الظاهرتين ومكانهما على سطح الأرض كما رأينا في عام 1999 عارفاً بموضع القمر والشمس في السماء? أم أن الاستعانة بالفتوحات والمكتشفات العلمية الحديثة فيه مخالفة للإسلام والعقيدة? كيف ستبدو عقيدة الإسلام لكل من يرى التناقض في سلوكنا تجاه المعارف المكتسبة? فننكب على استهلاك معطيات التقانة الحديثة في أمور دنيانا, ولا نستعين بمبادئها في بعض أمر ديننا.هل يعقل أن ندرس أطفالنا في مدارسنا المبادئ والمسلمات العلمية التي تقول بدوران الأرض حول نفسها ودوران القمر حولها, ثم نتجاهلها في أمور حياتنا المعيشة, فنرى القمر يظهر في السعودية والعراق ومصر والمغرب دون أن يظهر في سوريا أو الجزائر? فهل قفز القمر فوق بعض الدول أم أنه اختبأ منها?

          صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصوم (لرؤية) الهلال, لكنه أمرنا بـ(الرؤية) لسببين: أولهما أن الرؤية كانت الوسيلة الرصدية الوحيدة المتاحة ذلك الوقت, إذ لم يجر اختراع المقراب حتى القرن السابع عشر, ولاشك في أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سيحث الناس على استخدام كل وسيلة متاحة لرصد الهلال والتحقق من ظهوره, إذ لا حاجة للتمسك بوسيلة النظر عند وجود وسيلة أفضل وأكثر دقة. أما السبب الثاني فهو أن أسرع وسيلة لنقل الخبر وقتئذ كانت الخيل, فإذا كلف فارس بنقل خبر حلول الشهر من المدينة المنورة إلى دمشق فإنه سيصلها والناس تتحضر للاحتفال بعيد الفطر, أما اليوم فالوضع مختلف بوجود الهاتف والتلفاز والإذاعة. كما أن ما يبرر استخدام المذياع في المساجد لرفع الأذان, واستخدام المصباح الكهربائي في إضاءتها, والاستعانة بالمكيف لتلطيف الحرارة داخل المصلى, هو نفسه ما يبرر استخدام الحواسيب المتقدمة في حساب موضع القمر, واستخدام الأقمار الاصطناعية والتلسكوبات المتقدمة التي لا تتأثر بحال الطقس, للتحقق من وجود القمر في السماء, فكل هذه وسائل لتسيير أمور المسلمين في دينهم ودنياهم.

          أما من يصر على التمسك بظاهر النص الوارد في الأحاديث الشريفة دون الالتفات إلى الغاية من ورائها, فهو كمثل رجلين في غرفة فيها نافذة, أراد الأول من الثاني أن ينجز عملاً ما عند الساعة الثانية ظهراً أثناء غيابه لكن الثاني لا يعرف كيف يقرأ الوقت, فنصحه الأول بأن ينجز العمل حين مرور حافلة أمام النافذة عند الساعة الثانية, وهو يعرف أنها تمر كل يوم في الوقت نفسه, فإذا لم تمر الحافلة الساعة الثانية ظهراً? فالغاية هي إنجاز المهمة بأي وسيلة, لا انتظار الحافلة.

          إذن لابد من وجود شكل من أشكال اللجنة المختصة تتولى أمر البت في هذه القضية البسيطة السهلة أولا, وتجنيب مئات الملايين من المسلمين لعبة الترقب والانتظار التي يعيشونها كل عام باسم الجهل والفهم الخاطئ للدين ثانيا. خاصة أن تكاليف الاستعانة بالمراصد الفلكية أو استخدام التقانات المتقدمة للتحقق من حلول الشهر الفضيل كل عام, أقل بكثير من تكلفة ساعة بث فضائية واحدة في محطة من عشرات المحطات الفضائية التي تعج بها سماؤنا.

          فهل الأمر فعلا لا علاقة له بالعلوم الحديثة? أم أن حال التشرذم والفرقة سادت حياة المسلمين بكل أوجهها? أم أن توحيد كلمة المسلمين, ولو بهذه الصورة البسيطة, سيفتح أبواباً لا يريدونها أن تفتح? أم....?

 

مروان صبحي عريف   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات