لعل مسجد الخليفة الذي يقع في حي الشرق من أقدم هذه المساجد وهو مازال
قائمًا حتى اليوم, ويقال إن من أسسه رجل فاضل يدعى خليفة بن دعيج الخليفة, وكان ذلك
ـ على الأرجح ـ في العام 1737 ميلادية; أي قبل 266 عامًا. وربما يرجع نسب الاسم إلى
خليفة بن محمد آل خليفة, وآل خليفة هم حكام البحرين, كما يرجح عدنان بن سالم بن
محمد الرومي في مؤلفه (تاريخ مساجد الديرة القديمة) الذي نشره في 1988م.
وكان مسجد الخليفة وقت إنشائه صغيرًا حتى زاده الشيخ مبارك الصباح, في
زمن السلطان عبد الحميد (خليفة المسلمين آنذاك), وسماه الحميدي. وكان ذلك خلال
التجديد الأول في العام 1901م. أما التجديد الثاني فكان في العام 1955م وتكلف
154999 روبية; كما في سجلات دائرة الأوقاف. وكان هذا المسجد الواقع على ربوة تطل
على شارع الخليج العربي, والذي يتسع لحوالي مائتين من المصلين, هو المسجد الرسمي
لدولة الكويت, وتنقل منه صلاة العيدين, حتى افتتح مسجد الدولة الكبير.
وقد تأسست دائرة الأوقاف العامة في 1949م, وقدر عدد المساجد وقت
تأسيسها بـ 54 مسجدًا, وفي 1957 أصبح عدد مساجد الكويت 101 مسجد, منها 60 مسجدًا
داخل مدينة الكويت. وبعد أقل من ستة عقود من إنشاء هذه الدائرة وصل عدد مساجد
الكويت إلى ألف ومائتي مسجد, تزيد قيمة الأوقاف المخصصة لها عن 115 مليون دينار
كويتي. وإذا كان بعض المساجد التراثية لم يبق منها سوى اسمه, أو موقعه, بعد أن بني
بشكل جديد ومواد جديدة, فإن ما بقي منها ويبلغ الخمسين مسجدًا يخضع بشكل مستمر
لمشروع إعادة تأهيل المساجد التراثية, الذي يشرف على صيانتها وترميمها, وقد حظي
المشروع بثلاث جوائز من جمعية المهندسين. ولا تزال أغلب هذه المساجد تحتفظ
بميزاتها المعمارية: أسقف من خشب الجندل, وأبواب ونوافذ خشبية يعلو مدخلها قوس من
الحجر فارغ إلا من قوائم حديدية أو لوحات خشبية. فضلا عن زخارف المحاريب البسيطة
والمنارات القليلة والمتوسطة الارتفاع.
إعادة التأهيل
وتبنى خطة دعم المساجد على الحماية من العوامل الجوية, حتى لا يتسرب
المطر إليها, والعودة بمنسوب الأرض حول البناء إلى سابق عهدها الأول للحماية من
الرطوبة, وإلغاء دورات المياه في المساجد على أن تنشأ خارجها كيفما تيسر ذلك, ورفع
الإنشاءات المعدنية وبناء أسوار محكمة, ورقابة دورية فنية, إضافة للاستعانة
باليونسكو التي أرسلت مندوبها أكثر من مرة للمسح الشامل ووضع الخطط العاجلة والآجلة
للترميم.
ومن الأعمال الضرورية في إعادة المساجد التراثية إلى هيئتها الأولى
إزالة الأسقف الزائفة وكشف السقف التقليدي وخاصة المصنوع من الجندل, حتى لو كان ذلك
يعني تغيير نظام تكييف الهواء, حيث تعامل هذه الأسقف التقليدية (من أخشاب الجندل
والبواري وطبقات الطين والرماد) بما يحافظ على كفاءتها الإنشائية وقدرتها على تصريف
مياه المطر. وتزال أبواب وشبابيك الألومنيوم, وإعادة تنفيذ ما يستحيل ترميمه منها
تبعا للأشكال والتصميمات والخامات القديمة. حيث يراجع المعماري المصمم بيت البدر
ومجمع بهبهاني وبعض المساجد التراثية الأخرى التي ما زالت تحتفظ بالأبواب والشبابيك
على الطراز القديم. وحماية الخشب القديم ووقايته من هجوم حشرة الأرضة. أما
الدهانات, فيستخدم لها مواد غير مصنعة كيميائيا, وبالنسب التقليدية على مساح
طيني.
ومن المساجد التراثية التي شيدت في القرن الثامن عشر مسجد محمد
الجلاهمة المعروف باسم مسجد بن خميس (تأسس في 1772م), ومسجد بطي الجلاهمة, ويعرف
باسم مسجد النصف, وتأسس في العام 1776م, ومسجد عبد الله بن علوان, الذي يعرف باسم
مسجد سعود, وهو الحي الذي يوجد به, وقد تأسس في 1788م, وهو من أوائل المساجد التي
هدمت قبل أن تعيد الدولة تأسيسه محافظة على اسمه القديم في منطقة الخالدية. ومن
المساجد الأولى بالكويت مسجد عبد الرزاق الذي تأسس في 1797 وجددته الدولة مرتين,
كانت الأولى في الثاني من يناير 1954م, بتكلفة 173667 روبية, قبل أن تعيد بناءه على
الطراز الحديث وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في العام 1980م, وأيضا مسجد مبارك
الذي شيد في 1782م.
تاريخ بالشعر
أما المساجد التي تأسست في القرن التاسع عشر فمنها مسجد النومان
(1807م), ومسجد القطامي الذي أسسته في العام 1834م ملكة بنت محمد الجبر الغانم بقرب
منزلها كي يتسنى لزوجها محمد بن صقر بن غانم بن جبر الغانم الصلاة فيه, وذلك بعد ما
زاد وزنه بسبب السمنة. ومنها أيضا مسجد الحمدان (1844م) والمطوع (1870م). وقد استند
الرومي في تأريخه لهذا المسجد إلى أبيات من الشعر قالها الشيخ محمد بن حسين بن محمد
بن عبد الله التركيت, حيث يقول:
يَا داخلا بيت الكريم مُصليًّا |
|
حافظ على الصلوات والخيرات |
إن الصلاة عماد دين محمد |
|
قَوِّمْ عماد الدين
بالصلوات |
كفر ذنوب السابقات بفعلها |
|
بإتيانها تزداد في الحسنات |
واذكر تحيته ولازم حقه |
|
والاعتكاف يعدُّ في القربات |
أن ليس للإنسان إلا ما سعى |
|
وقل إنما الأعمال بالنيات |
فالمخلصون تنعموا في خلدهم |
|
سكنوا العلا في أرفع
الدرجات |
قد أخلص البنيان لا اترك به |
|
حتى يقال أتى بنعم الماتي |
إن المساجد للإله فعظموا |
|
بيت الكريم فجنبوا الهجرات |
إن رمت تاريخه يا صاح قل |
|
يسر مؤسسه على
الطاعات |
يقول الرومي: ففي الشطر الأخير التاريخ بحساب الجمل هو يسر مؤسسه على
الطاعات : 502 + 173 + 612 = 1287 هجرية الموافق للعام 1870م.
وضمن المساجد التي رصدتها (العربي) خلال تنفيذ مشروع إعادة تأهيلها
مسجد بشر الرومي, في حي شرق, وكانت مساحة المصلى في باديء الأمر صغيرة فلا تتسع إلا
لثلاثة صفوف فقط, وقد بني لأول مرة من طين, وكسي بالجبس. وفي حين يختلف حول تاريخ
تأسيسه بين عام 1917 م وعام 1914م وعام 1920م, فإن هناك اتفاقا على اسم مؤسسه من
ماله الخاص بشر بن يوسف بن أحمد الرومي. وكان تجديد هذا المسجد للمرة الأولى قبل
أكثر من خمسين سنة حين أنشأ الحاج عبد الله بن ناصر البناي منارته الحالية والتي
اقتبس منها مهندس أبراج العوضي ـ القريبة من المسجد ـ أقواس البناية, فاكتملت
لعمارة البناء بهاء الشكل.
مسجد المطران
ومن المساجد التي شيدت في القرن التاسع عشر (1892م) وسجلت ترميمها
(العربي) مسجد المطران, وقد أسسه محمد بن عبد الله بن يوسف بن سيف العتيقي, في حي
المرقاب بالكويت العاصمة, وقد سمي بالمطران نسبة لقبيلة سكنت حوله. وقد تصدع
المسجد بعد تسعة وعشرين عامًا فجدده في 1921م عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف
العتيقي بمشاركة عبد العزيز الحمد العتيقي, قبل أن تجدده للمرة الثانية وزارة
الأوقاف بمبلغ 87727 روبية في يناير 1982م.
وقد بني المسجد على الطراز القديم, وسط منطقة الأسواق لذا كان قبلة
لتجمعات المصلين من التجار. وقد غطيت أعمدة الخرسانة التي تم تجديده بها بالجص
لتعيد لرواق صحنه شكله القديم, فيما ظل السقف على حاله, وهو مصنوع من خشب الجندل
الذي كان يصل الكويت من الشرق الإفريقي. أما خلوة المسجد فذات حجم متوسط وتتسع
لأكثر من أربعمائة مصل. ومن بين أئمة المطران علي بن راشد أبو فرسن, وظل إمامًا 23
عامًا, فيما استمر يؤذن بالمسجد خمسين سنة كاملة.
في 1900م أراد صالح فضالة أن يسكن حي المرقاب, فاشترى أرضا من ماله
الخاص, وبنى فيها بيتا كبيرا (يحتل مساحته اليوم المتحف العلمي بالكويت), وخصص
مكانا للمسجد خلف بيته. لكن روايات أخرى تروي أنه كان وكيلا على مال دفعته إليه
امرأة لبناء المسجد.
وبينما كان المصلون يستعدون لصلاة الجمعة وصلت للمسجد - الذي كان يتسع
لأكثر من ألف مصل - أكثر من جنازة, وفي أثناء دخول النعوش إلى صحن البناء بأعمدته
الثمانية عشر, تدافع المصلون الذين اتخذوا أماكنهم فوق سطحه لمراقبة المشهد, فانهار
جزء من السقف المصنوع من خشب الجندل, وأصيب كثيرون. وكان تجديده الأول من مال
الفضالة بعد هذا الحادث في 1908م. ولم يقل المصلون به إلا بعد التنظيم وهدم المساكن
حوله, وانتقال الأهالي إلى مناطق أخرى, حتى رفعت منه صلاة الجمعة في 1971م.
وفي حي المرقاب أيضا مسجد براك الدماج الذي اشتهر باسم مسجد هلال
المطيري, وتأسس في العام 1908م. وقد أرخ أحد الشعراء للمسجد ومؤسسه عزران الدماج
بأبيات قالها في يوم تجديده الأول عام 1918م:
مسجد أسس على التقوى المبين |
|
لجلال الله رب العالمين |
مسجد قد أسست أساسه |
|
من هلال الخير بدر الآمنين |
نطق السعد لدى تاريخه |
|
أسس البيت على التقوى
المبين |
وتم تجديد هذا المسجد مرتين بعد ذلك, عام 1925, على يد هلال بن فجحان
المطيري, وعام 1953 بواسطة وزارة الأوقاف بكلفة بلغت 152711 روبية. ومن مساجد
المرقاب كذلك مسجد الشايع الذي تأسس في 1907م. وإذا كان التجديد الأول (1948) قد
حافظ على عمارة المسجد الأصلية, فإن التجديد الثاني (1952) قد أطال من مئذنته
القصيرة, أما التجديد الثالث (1986) فقد أعادت فيه دائرة الأوقاف بناء المسجد من
جديد!
كانت المساجد جزءا من نسيج المدينة الإسلامية العربية فهي تستجيب
للظرف الاجتماعي لتخطيط هذه المدن وتندمج في حياة البشر, ولا يعدو المسجد إلا أن
يكون مرآة للتجمع البشري, وقد أقيم مسجد الشايع في حي مزدحم بالسكان وليس له على
الشارع إلا ثلاث جهات, حتى أزيلت البيوت حوله, إلا المنازل التي أوقفها المؤسس
للمسجد. وقد أوقف محمد بن حمود الشايع بيتا جنوب المسجد على المؤذن وآخر يقع شرق
المسجد للإمام وثالث يقع شمال المسجد على ما يحتاج إليه المسجد من فرش وحبل ودلو
وسراج وما يحتاج إليه المسجد والبيوت الموقوفة من تعمير, وإذا زاد شيء من أجرة
البيت الثالث يصرف لفطور الصوام في رمضان, وذلك بموجب الوثيقة العدسانية الصادرة من
قاضي الكويت: محمد بن عبد الله العدساني المؤرخة في شهر محرم الحرام 1331 هجرية.
وقد راعى معماري المسجد الحفاظ على تهوية فضائه فجعل له عشر نوافذ وسبعة أبواب,
وكانت خلوته 27 مترًا طولا, وأكثر من ستة أمتار عرضا. وهي نفس مساحة الليوان. وإذا
كان للخلوة سبعة أعمدة وسقف من خشب الجندل, فإن الليوان كان له 12 عمودًا.
والأعمدة كلها من الخشب.
ملامح معمارية
وقد احتفظ التراث المعماري للمسجد الكويتي بمعظم الملامح المعمارية
للعالم الإسلامي التي تأثرت به الكويت, وتمت استعارة بعض الخصائص المعمارية من
الأبنية الموجودة في آسيا وإفريقيا, وبالبلدان التي عرف أبناء الكويت بحارة وتجارًا
السفر إليها. ورغم ذلك فإن معظم المساجد القديمة التي بقيت ظلت تحتفظ بهيئة المرحلة
الأولى لتصميم المسجد التي انقسمت إلى حرم مغطى, وفناء مكشوف, وجدران تسورهما,
ومنارة ـ لا توصف بالطول ـ كعلامة على المكان. ونجد في المساجد الكويتية اليوم
مراحل التطور في معمار المساجد فمنها ما احتفظ بذلك التصميم الأولي, ومنها ما
استلهم عناصر خارجية صهرها ليجمع بين البساطة والزخرف المقتصد, ومنها ما تحول أو
يكاد إلى نسخ من مساجد آسيوية وأفريقية, مما يشي بتنوع معماري واسع التأثر, وانفتاح
على الآخر ولو معماريا. وتلعب زخرفة المسجد الخارجية ذات اللونين دورًا في تمييز
جدران المساجد, التي كانت قديما جنبا إلى جنب مع البيوت فاحتاجت لمثل هذا التمييز.
وغالبا ما تسجل واجهة خشبية أعلى بوابته اسم مؤسسه وتاريخ التأسيس وكأنه دفتر
توقيع, خاصة أن بيوت الله ـ معظمها ـ كان مؤسسوها في بادئ الأمر من المواطنين.
ويلاحظ أن البوابات لم تكن متسعة اتقاء للهيب الصيف وبرد الشتاء.
ونلمح في المساجد نقاطا تصميمية مشتركة, ومن المميز ذلك الجزء المخصص
لصلاة النساء في المساجد الجامعة, ويفتح بابه على جهة مغايرة. وكانت المنارة, بجانب
وظيفتها كعلامة للمكان, مرتقى للمؤذن المنادي إلى الصلاة. ويذكر الرومي في
كتابه(تاريخ مساجد الديرة القديمة), فمسجد الرومي في حي الشرق كان يؤذن فيه مؤذن
جهوري الصوت هو ربيعة الرومي فيسمع صوته من كان منزله قرب السيف.
وإذا كان المسجد قد نالت وظيفته في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة
تغييرات, فقد أصبح المسجد في الكويت دار درس. وكثيرا ما تقدم المساجد دروسا في
القرآن واللغة للفتية والشباب. ومن المميز أيضا وظيفة الإعلام التي أصبحت من مهام
المسجد الكويتي حيث تطبع ملصقات تشير إلى مواعيد الدروس الدينية. ومن المهم
الإشارة إلى أن بعض المساجد تعلن عن إقامة صلاة الجمعة بلغة غير عربية في أماكن
الأسواق التي تؤمها بكثرة جنسيات آسيوية عاملة بالكويت.
وتعود ملكية المساجد التراثية في الكويت إلى الأمانة العامة للأوقاف
برئاسة الأمين العام للشئون الوقفية وعضوية ممثلين عن بلدية الكويت والمجلس الوطني
للثقافة والفنون والآداب (الجهة المعنية بالآثار), واختيرت خمسة مساجد بعد زيارة
خبير اليونسكو للبدء بمشروع الترميم, وكانت مغلقة لسوء حالتها, وهي: مسجد سعيد
بالقبلة, والصانع في حولي, والخليفة بالشرق, وعبد الإله ومكي جمعة بالشرق, وهي
بداية مشروع صيانة وترميم المساجد في الكويت. وقد أصدرت حكومة الكويت (في 1957م
وقبل قيام الدولة) كتابًا يحكي تاريخ دائرة الأوقاف العامة, باسم (تاريخ دائرة
الأوقاف العامة. الكويت ـ بلاد العرب), يوثق لما أنجزته منذ إنشائها في 1949م وحتى
صدور الكتاب, وضمته صورًا نادرة لبعض المساجد التراثية, سواء من الخارج, أو أثناء
إقامة الصلاة بها, بالإضافة إلى وضع الشيوخ لحجر الأساس لعدد من المساجد, التي أصبح
عمرها اليوم أكثر من خمسين عامًا.