معضلة المياه في الشرق الأوسط

 معضلة المياه في الشرق الأوسط
        

هل صارت المياه المحرّك الرئيسي للصراعات في المنطقة العربية? وهل ستكون ندرة المياه العذبة سبباً في نشوب حروب المستقبل? ثم ما الذي ينتظر المنطقة العربية التي تقع منابع مياهها خارج أراضيها ويتطلع الصهاينة بنهم إلى مياهها, التي ربما تكون دافعاً أساسياً لتوسعات وأطماع لا تحد?

          في واقع مرير تلوح في آفاقه ملامح المعاناة من شح المياه وندرتها, يتعين على ساكني الشرق الأوسط البحث عن حلول لهذه الأزمة التي يهدد تفاقمها الحياة بمختلف مظاهرها وأشكالها. في كتابه المقتضب الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عام 2002, يتابع المؤلف خيوط هذه الأزمة خلال تتبّعه الدقيق لمؤشرات الواقع التي لا توحي بالتفاؤل, وأيّ تفاؤل فيما قدر على الوطن العربي أن يقع في منطقة مدارية جافة?

مؤشرات خطيرة

          والأكثر من ذلك تخويفاً أن 90% من مياهه تنبع وتمر بدول أخرى, فأكثرية سكانه يعيشون تحت خط الفقر المائي ويصل نصيب الفرد إلى أقل من 1000 متر مكعب سنويا.

          وفي هذه الدراسة التي تقرع أجراس الإنذار محذّرة من مستقبل مائي كئيب تبدو البلدان العربية مقبلة على موجة من الشح المائي الذي يهدد مظاهر الحياة ومسيرة التنمية في العالم العربي, وما يؤكد هذه الحقيقة نصيب الفرد العربي الذي لا يتعدى الـ744م3/سنويا فيما يصل المعدل العالمي إلى 12900م3, ومعدل هطول الأمطار في وطننا العربي يتراوح بين 5-450ملم/سنويا, بينما يصل المعدل السنوي للهطول في أوربا إلى 2000-3000ملم/سنوياً.

          ومن التوضيحات التي يقدمها هذا الكتاب - رغم قلة صفحاته - محاولته الكشف عن أسباب الأزمة المائية في الشرق الأوسط, فالعجز المائي المتوقع أن تواجهه بعض دول الشرق الأوسط في المدى المنظور وما تواجهه هذه الدول حالياً من أزمة مائية, يعود إلى سوء استخدام الموارد المائية, ومما يزيد الأمور تعقيداً أن بلدان الشرق الأوسط المعرضة للأزمة المائية الكبيرة لا تتوافر لديها التقنية الحديثة ولا الإمكانات المادية لإيجاد البدائل المائية, ويعيد المؤلف أسباب الأزمة المائية إلى:

          1- استمرار غلبة القطاع الزراعي مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى ووجود محاصيل زراعية تتطلب كميات كبيرة من المياه كالقطن والأرز والحمضيات وبعض الخضراوات.

          2- عدم توافر الموازنات الكافية لبناء السدود وتحديث شبكات المياه والمجاري.

          3- عدم توافر سياسات مائية عقلانية تحدد كمية المياه الضرورية سنوياً للفرد, وقد أدى ذلك إلى ارتفاع متزايد في كمية المياه المستهلكة سنويا.

          4- استمرار حال اللاسلم واللاحرب في منطقة الشرق الأوسط, وعدم توافر علاقات حسن الجوار والاتفاقيات الثنائية بين الدول المعنية لإقليم المياه.

          5- إن منطقة حوض الأردن منطقة ذات مناخ جاف لذلك فإن مجتمعاتها تعتمد على الزراعة كمورد أساسي من موارد دخلها القومي. وتحتاج الزراعة إلى كميات كبيرة من مياه الري.

          6- على الرغم من محدودية مصادر منطقة حوض نهر الأردن ومواردها فإن معدلات النمو الطبيعي للسكان فيها مرتفعة قياساً بغيرها من مناطق العالم.

أبعاد الأزمة

          ويمنح الكاتب الأبعاد السياسية والاقتصادية والقانونية لأزمة المياه اهتماماً كبيراً. فمن أبرز خصائص أزمة المياه في الشرق الأوسط استخدام المياه كسلاح سياسي وورقة ضغط لحل المشكلات الأخرى وذلك في ثلاث حالات. أولاها: حال المساومة والتهديد, ففي حوض النيل هناك تسع دول لاتزال غير مستقرة على عقد اتفاقية جديدة أو الاعتراف بالاتفاقات السابقة والمتعلقة بتقسيم مياه النيل. وفي السبعينيات ثارت مشكلة مياه النيل بين مصر وأثيوبيا, وفي التسعينيات انتحت مصر خط حل المشكلات سلمياً وتحسين العلاقات مع الدول الإفريقية.

          ثانيتها: حال القسر والإجبار: وينطبق على هذه الحال وضع نهري دجلة والفرات المتكون من ثلاثة أطراف, وكلما تزايد نشاط الأكراد المعارضين في تركيا على الحدود السورية - التركية زادت تركيا تشددها في مواقفها تجاه سوريا من قضية المياه, والموقف نفسه تتخذه تركيا في حال تصعيد الأكراد نشاطهم على الحدود مع العراق.

          والحال الأخيرة: حال الاستيلاء, كما هي حال استيلاء إسرائيل على كميات متزايدة من مياه الأنهار العربية المجاورة لها في الأردن ولبنان.

في ثنايا المستقبل

          ويقحم الكاتب البعد الجغرافي الجيولوجي دون الإشارة المسبقة إليه, وهذا البعد يبين أن موارد الدول العربية من المياه تتحكم بها دول غير عربية, والمناخ الصحراوي الجاف الذي تعاني منه المنطقة العربية ينعكس على مواردها المائية, واشتراك الدول العربية في المياه الجوفية مع الدول المجاورة ضمن أحواض مائية, والدول العربية هي أكثر دول العالم تزايداً في عدد السكان (4-5%), وهذا ما يزيد معادلة المياه اختلالاً.

          عن  مستقبل أزمة المياه في الشرق الأوسط يجتهد المؤلف في صوغ تنبؤات مشروطة, ولكن قبل أن يعددها يرجع إلى بحث أسباب الأزمة المائية ليوجزها في تزايد استهلاك المياه نتيجة الزيادة السكانية والتوسع الزراعي, وإلى إهمال صيانة المنشآت المائية, وإلى ضعف التنسيق بين الدول التي تشترك في موارد مائية معينة. ستفرز هذه الأسباب آثاراً سياسية واقتصادية منها أن الصراع المستقبلي سيكون على المياه, والمياه ستكون عنصراً مهماً في أي استراتيجية دولية مقبلة. وسوف يلعب هذا العنصر دوراً كبيراً في إعادة توزيع خريطة القوى السياسية في المنطقة وستكون هناك مفرزات على شكل آثار اقتصادية أيضا. فمن المحتمل أن يصير الماء سلعة تباع وتشترى كالنفط, وسوف تسعى التقنيات الحديثة في مجال تحلية مياه البحر لجعلها أقل كلفة, وسيزيد ذلك من تفاقم الأزمة الغذائية.

          ويبقى الهم الأكبر: هل سنبذل مقابل قطرة الماء قطرة دم? أم سنتدارك ما وصلت إليه هذه الأزمة, وستسعى الجهات المختصة للنظر فيها قبل فوات الأوان?.

 

غازي ربابعة   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات