صناديق العنف في بيوتنا

صناديق العنف في بيوتنا
        

باتت أجهزة التلفزيون في بيوتنا نوعاً من صناديق العنف, نفتحها فتنصبُّ على أولادنا وبناتنا ألوانا وأشكالا من العنف تمثل خطراً نفسياً... لابد من التوقف عنده.

          يستحيل التحدث عن العنف التلفزي دون إعطاء لمحة سريعة عن التلفزيون: أهميته وفي الوقت نفسه خطورته. إذ أصبح, اليوم, ضرورة من ضرورات الحياة اليومية عند الإنسان المعاصر الذي يقضي فترات طويلة أمامه, وبخاصة الطفل.

          ويتناول العدد الأكبر من البرامج المعروضة على شاشة  التلفاز مواضيع العنف والجريمة والجنس وكوميديا المشاكل الاجتماعية والدراما, أي كل ما من شأنه تأزيم الأوضاع وإضفاء الجو المأساوي المثير للصراع داخل نفس الطفل المتميّزة, أصلا, بالضعف وعدم الاكتمال لأنها لاتزال في طور تكوينها.

          لكن لا يعني ذلك أن تأثيراته سلبية فحسب, وأن بالإمكان التخلي عنه بل, على العكس, فإن إيجابيات تأثيره توازي سلبياته, إن لم نقل العكس, إذا ما أحسن استخدامه. ومن حسناته المتعددة نذكر:

          - المشاهدة الجماعية التي تؤمّن مجال المشاركة بين الأهل والأطفال, على مستوى المشاعر والانفعالات بوجه خاص.

          - تتكامل عناصر التجسيد فيه حيث تزيد الصورة من قدرة الصوت, والصوت يزيد من قدرة الصورة... وهما (أي الصوت والصورة) الركيزة الأساسية لتلقي الإنسان النسبة العليا من الثقافة...

          - قدرته على تجسيد الرسالة كبيرة إذ يجعلها شائقة, جذّابة وسهلة الإدراك دون الحاجة لبذل مجهود كبير من قبل المشاهد كي يفهم معانيها.

          - يمكّن من الإطلالة على العالم بأمكنته وأزمنته...

          أمّا آثاره السلبية فقد نجمت, أساسا, عن:

          - روح الاستغلال المادي التي سيطرت على المجال الإعلامي وذلك على حساب رسالته الثقافية السامية (تحقيق ثقافة إيجابية).

          - عدم ضبط الأهل الفترات التي يقضيها الأطفال أمام الشاشة الصغيرة (بخاصة في بلدان العالم الثالث).

          - عدم الاهتمام الجديّ والوافي بمسألة إعداد برامج ترفيهية, تعليمية, موجهة للأطفال بوجه خاص وتنطلق من حاجاتهم الأصلية ومميزات نموّهم تبعا لمراحل هذا النمو والتي من شأنها تقديم زاد ثقافي جليل الفائدة نظرا لغنى المادة الترفيهية على المستوى التربوي والثقافي.

          - تضمين البرامج الموجهة للأطفال, الرسوم المتحركة مثلا, الكثير من مظاهر العنف والعدوانية.

من التقليد إلى فقد الحساسية

          المسألة الأكثر إلحاحاً على صعيد المناقشة تبقى مسألة (العنف التلفزي):

          فالصورة المرئية المبثوثة عبر التلفزيون (عبر المحطات المحلية والفضائية على حد سواء) أمست مشحونة بمحتوى عنفي شديد: من نشرات الأخبار التي تفيض بالإثارة من خلال العنف الحي والفعلي في بث أحداث القتل والرعب و... الحاصلة في شتى أنحاء العالم (المليء, اليوم, بكثرة الأخطار والحروب والمآسي البشرية), إلى أفلام الحركة المشحونة بمحتوى عنفي شديد وأفلام الصور المتحركة (المفعمة, غالبا, بمحتوى عنفي كبير رغم كونها موجهة للأطفال),... إلخ.

          كل ذلك دفع بالاختصاصيين للتساؤل حول مدى مسئولية التلفزيون عن سلوكيات الأطفال العدوانية ومحاولتهم القيام بدراسات (بحوث) تتناول هذا الموضوع.

          ستنطلق مناقشتنا التالية من النتائج التي تكشفت عنها بعض الدراسات, لكن لابد, قبل ذلك, من تحديد سيرورات تمثل العنف المنقول عن التلفزيون وهي, حسب المركز الدولي للطفولة, أربعة:

          - التقليد: يتماهى الطفل بالشخصيات التي يقلد تصرّفاتها أو يتبنى آراءها, تكون عملية المحاكاة, هنا, إرادية.

          - التشبّع: حيث تكون عملية التقليد غير واعية (لا يختار الطفل بطله).

          - تبدد الكبت (الكف): حيث تشجع صور تلفزيونية معينة انتقال الطفل من حال المشاهدة السلبية إلى حال الفعل.

          - تبدد الحساسية: حيث يبطل تأثر الطفل بأحداث العنف فينظر إليها على أنها طبيعية وعادية نتيجة تكرار مشاهدته لها, (وهذه أوالية دفاعية نفسية لاواعية تلجأ إليها الأنا لتتحمل مشاعر الخوف والقلق التي تتكبدها).

          وبالعودة إلى مسئولية التلفزيون عن سلوكيات الطفل العدوانية سنتناول, بادئ ذي بدء, مسألة تقليد الطفل للعنف الذي يشاهده واحتمال انتقاله من التقليد إلى الفعل:

          ينظر أطفال مختلف الأعمار إلى التلفزيون ويفهمونه بأشكال مختلفة تبعا لـ: طول فترة انتباههم, طريقة تكوّن نسق (سيرورة) الاستعلام عندهم, كمية الجهد الذهني المبذول من قبلهم والخبرة الحياتية الخاصة بهم. هذا وينبغي الاشارة, هنا, لوجوب أخذ كل المتغيرات هذه بالاعتبار إذا ما شئنا فهم كيفية تأثير العنف التلفزي على الأطفال عبر مختلف مراحل نموهم:

          بعمر الـ18 شهرا وما فوق, بإمكان الأطفال الانتباه لمشهد تلفزيوني خلال فترة قصيرة من الزمن, لكن هذا الانتباه يتطلب منهم بذل مجهود كبير. والمعلوم أن أطفال هذه المرحلة يهتمون عادة بنشاطاتهم الخاصة (اليومية) أكثر مما يهتمون بما يجري في الخارج. لذا, تبقى تجربتهم مع التلفزيون, وإن وجّهوا اهتمامهم إليه بشكل مباشر, مقتصرة على الصوت والصورة لا على محتوى البرنامج, كما هي الحال مع الراشدين.

          ليست هناك دراسات فعلية محققة حول كيفية تأثير المحتوى العنفي في أطفال هذه المرحلة, إنما يمكن القول, بشكل بديهي, أن بإمكانهم تقليد سلوك معيّن شاهدوه على التلفزيون حين يقدم هذا السلوك بطريقة: بسيطة, غير معقدة وتثقيفية (تعليمية).

          قبل عمر السنتين ونصف السنة, لا يصبح الأطفال قادرين على تحقيق مشاهدة فعلية للتلفزيون, لكن نموهم يشهد مرحلة تمهيدية سابقة حيث: يبدأ اهتمامهم به حين يشغل, كما تنمو عندهم قدرة محدودة جدا على استخراج المعنى من المحتوى التلفزيوني: يقلدون ما يرونه ويسمعونه فحسب. ولذلك تأثيرا بغاية الأهمية في المراحل اللاحقة من نموهم وتطورهم. ثم إن تقليدهم يذهب لأفلام الصور المتحركة, بخاصة تلك المتميزة بسرعة الحركة.

          وفي العمر ما - قبل المدرسي (3 إلى 5) يبدأ الأطفال بمشاهدة التلفزيون بـ(طريقة استكشافية): يبحثون, بشكل خاص, عن المعنى في المحتوى, لكن انجذابهم للتلفزيون لايزال موجها نحو البرامج (الإنتاجات) المميزة بـ(سرعة الحركة), (سرعة التغيير في المشهد) و(حدة الصوت والأشياء) أو (عنصر المباغتة: عدم توقعهم لها) (للصوت وللأشياء).

          وبما أن العنف التلفزيوني يتميز, عموما, بهذه المواصفات, فيمكن القول بالتالي إن أطفال ماقبل العمر المدرسي يبدون معرّضين للاهتمام بالعنف: ذلك المتمثل في الصور المتحركة (أفلام الكرتون) بشكل خاص, إنما, لابد من الاشارة إلى أن انجذابهم هذا لا يرتبط بالعنف, بحد ذاته, بل بما يرافقه من مواصفات (سرعة الحركة, سرعة التغيير بالصوت والصورة...إلخ), لكنهم, بفعل تفضيلهم لهذه الأفلام, يتعرضون لعدد كبير من تأثيرات العنف في مشاهداتهم اليومية رغم كونهم عاجزين عن فهم المحتوى والإطار, ومع ذلك, تبين أنهم يصبحون أكثر عدائية بعد مشاهدتهم لمحتوى فيلم حركة تلفزيوني ذي محتوى عنفي.

بين الطفولة والصِّبا

          مرحلة الصفوف الابتدائية (6 إلى 11 سنة): تعتبر مرحلة حرجة بالنسبة لفهم تأثيرات العنف الناجم عن التلفزيون على الأطفال, فبهذا العمر ينمّي الطفل انتباها خاصا (فترة معينة من الانتباه) وقابلية معرفية مميزة بخصوص مسألة: متابعة المؤامرات الجارية, محاولة ربط معطيات المحتوى الكامن لفهمه, معرفة الدوافع والنتائج المميزة للنشاطات المتعاقبة أمامه. لكن, غنيّ عن القول, هنا, بأن كل ذلك يبقى سطحيا ومحدودا إنما بغاية الأهمية إذ يمهّد لفهم أعمق خلال المراحل التالية.

          لعمر الـ8 سنوات, ضمن إطار هذه المرحلة, أهمية خاصة: فبهذا العمر, يصبح الطفل أكثر حساسية لمحتوى التلفزيون وتأثيراته: لكنه لا يصبح أكثر عدائية (بعد مشاهدته له) إذا تمثل العنف الذي يشاهده بصورة شيطان, أو إذا أحدث الألم عند الناس, أو إذا كان نتيجة لقصاص أو, باختصار, إذا كان غير مرغوب به, وعلى العكس, أي أن تأثير العنف يكون شديدا: إذا اعتقد الطفل أن العدوان الممثل للعنف يعكس واقعا حياتيا, أو إذا تماهى ببطل يحبه وهو يتصف بالعنف (خصوصا عند الصبي), أو إذا انخرط في هوامات عدائية.

          ثم إن مرحلة الصفوف الابتدائية (من 6 إلى 11 سنة) هذه تتميز, أيضا, ببذل الطفل مجهودا ذهنيا أقل من السابق بالنسبة للتلفزيون, لكنه, بالمقابل, يتوجه نحو: الاستقلالية, الجنس والرومانسية. يفضّل الموسيقى, أفلام الرعب وأفلام البورنو بشكل عام (خصوصا عند الصبي).

          أما المرحلة المتوسطة والعالية (من 12 إلى 17 أو 18) فتتميز بشك الطفل بواقعية المحتوى التلفزيوني (بقدرته على التعبير عن الواقع), وبالتالي, يبقى تماهيه بمواصفات الشخصيات التلفزيونية أقل من ذلك المميز لطفل المرحلة السابقة. لكن, هناك نسبة مئوية قليلة تبقى على اعتقاد بواقعية التلفزيون وتتماهى بأبطاله ذوي المواصفات العدائية العنيفة: هذه النسبة هي الأكثر تعرّضا لتأثيرات العنف السلبية ومهيأة لتصبح عدائية, بخاصة إن استمرت الهوامات عندها بخصوص موضوع اتصاف البطولة بالعدوانية المرتفعة. هذا ويمكن القول بأن ارتفاع قابلية المراهق للتجريد العقلاني وميله لتحدّي السلطة العرفية (المألوفة) يجعلان منه إنسانا حسّاسا تجاه مسألة تقليد بعض أنواع العنف: الجريمة وصور الانتحار, لكن هذا التقليد ينحصر بنسبة صغيرة من المراهقين.

          لاختصار تأثيرات العنف التلفزي على الأطفال نقول: لقد أظهرت الدراسات النفسية أن للعنف تأثيرات عدة على سلوك الأطفال, وفي مختلف الأعمار. وهذه التأثيرات تشتمل على: تقليد العنف والجريمة التي يرونها على التلفزيون, تحرير النزوات العدائية ومن ثم تغيير وجهة النشاطات (الأنشطة الاجتماعية التي تضمهم إلى أمثالهم وتلك التفاعلية القائمة بينهم وبين الراشدين, مثلا), حيث يتعلمون أن هناك طرقا أخرى غير العنف لحل الصراعات.

          للعنف, أيضا, تأثيرات انفعالية على الأطفال, بمعنى تبلّد الحساسية عندهم تجاه العنف الملاحظ في الواقع الحياتي, رؤية العالم مكانا مخيفا أو توقع أن يلجأ الآخرون إلى العنف الجسدي لحل الصراعات.

          ولقد بيّنت بعض الدراسات أنه من الممكن أن تؤدي مشاهدة العنف التلفزي لتحرير النزوات الهدّامة عند بعض المشاهدين, لكن هذه الملاحظات تبقى مجرد فرضيات أكثر منها نتائج مثبتة في ضوء الوقائع.

          هذا وتجدر الإشارة إلى أن أيا من التأثيرات المشار إليها أعلاه لم يتبيّن أنه يميّز عمرا معيّنا دون عمر آخر, فبعض الدراسات (9 من 300 دراسة تم تحليلها عام  1986 وتشتمل على أطفال بعمر  9-10 سنوات) أظهرت أن بعض أطفال ما قبل المدرسة يميلون للعدائية الجسدية, في حين يميل آخرون لسلوك معارض للمجتمع anti-social تحت تأثير مشاهدة العنف التلفزي وذلك بشكل أكثر ارتفاعا عندهم مما هو عند الأكبر منهم سنا. وفي مرحلة المراهقة, يزيد تأثير العنف التلفزيوني عند الصبيان وينخفض بشكل مهم عند البنات.

          أخيرا, ينبغي الاشارة إلى واقع وجود اختلافات أخرى متعددة بخصوص تأثير العنف على الأطفال, في مراحل العمر المختلفة: هذا ما كشفت عنه دراسة كيفية تأثير العنف وتحليله, وهذه الاختلافات ترتبط بـ: محتوى ما يشاهدونه, الإطار الذي يشاهدونه من خلاله, طريقة مشاهدتهم له, معنى ما يجدونه فيه (ويرتبط ذلك بخبرتهم السابقة: الشخصية والعائلية والتربوية... إلخ), يضاف إلى ذلك, اختلافهم من حيث خبرتهم بخصوص العالم وبخصوص اعتبار التلفزيون كوسيط لمعرفة هذا العالم.

          يستحيل, بالتالي, تأمين فهم, واضح ومتكامل لتأثير العنف التلفزي على الطفل إن لم تؤخذ كل هذه العوامل بالاعتبار, وهذا يردّنا لمسألة فرادة كل شخص وكل عائلة, للعائلة (للأهل, بالدرجة الأولى), في الواقع, دور مهم في خفض تأثير العنف التلفزي على الطفل أو, على العكس, في رفعه (زيادته).

          في عالم يبدو العنف التلفزي, ضمن إطاره, كواقع مفروض لا كخيار يمكن للفرد تجنّبه كما يبدو تعرّض الأطفال لتأثيراته كبيرا جدا, لا غرو أن يلعب الأهل دورا مهما يمكن تسميته بـ (الدور الوسيط) بين الطفل وما يشاهده.

          يأخذ هذا الدور أشكالاً متعددة ومتنوعة إنما متكاملة: بدءا بتحديد مدة ونوع تعرض الطفل للعنف التلفزي وصولا لمناقشة تتم حول البرامج. تبدو الاستراتيجيات التي بإمكان الأهل, بالتالي, استخدامها متعددة وتتلاءم مع مختلف الأعمار:

          - تحديد مدة تعرض الطفل للعنف التلفزي أو لأي صور خطرة يمكنه تقليدها (أي مدة مشاهدة الطفل للتلفزيون: بخاصة عند صغار السن).

          - تفحّص وتنظيم ما يشاهده الطفل من برامج.

          - تفحّص وتنظيم ما يشاهدونه هم نظرا لتأثر الطفل بعادات أهله.

          - رؤية المشاهد المخيفة مع الطفل, التعليق على محتواها, تأمين الترفيه والراحة له حين يبدو خائفا, تشجيعه على ممارسة السلوك المرغوب , والذي قلّده على التلفزيون وشجب السلوك غير المرغوب فيه.

          - في حين يبدو تحديد مدة المشاهدة والبرامج المرغوب له بمشاهدتها فعّالا كاستراتيجية تتبع مع صغار السن, يصبح من الأفضل اتباع استراتيجية أخرى مع الأكبر سنّا مثل: مناقشة, شرح وتحديد المضمون التلفزي مع الطفل إذ يساعده ذلك على القيام بتأويل مادّي (محسوس وملموس) لتأثير ما يشاهده, من مضمون عنفي على وجه الخصوص, على مواقفه وسلوكياته فيتمكّن, من ثمّ, من تجاوزه.

          - دفع الطفل لبذل مجهود ذهني أكبر تجاه المشاهد التلفزيونية, الأمر الذي يجعله أكثر قدرة على نقد هذه المشاهد وعلى تحليلها.

          - مع المراهق: تشجيعه بشكل خاص على التعبير عن آرائه, على التحليل وعلى طرح الأسئلة بخصوص المحتوى إذ يشكل بمنزلة استراتيجية فعّالة بإمكان الأهل استخدامها, خصوصا لخفض مخاوف ولدهم المراهق وعدائيته: لهذه الاستراتيجية الفعالية المميزة نفسها لاستراتيجية مساعدته على تحسين مقاربته النقدية تجاه البرامج كما تجاه البيئة المحيطة به. وبجمع الاثنتين, ترتفع درجة الفعالية.

المعلّم والمعِدّ

          وإلى جانب الأهل, فإن للمعلم دورا لا يُستهان به في مضمار مساعدة الطفل, والمراهق بشكل خاص, على تجاوز آثار العنف التلفزي على نفسيته, لا بل على تحويل ذلك إلى تأثيرات إيجابية تساهم ببلورة طاقاته, لذا, من الضروري:

          - ألا يهمل هذا المعلم ما تقدمه البرامج التلفزيونية من وسائل تساعده على أداء مهمته التربوية وإيصالها إلى الهدف المنشود (خلق مواطن مُدرك لأهمية دوره في تفعيل المجتمع وتطويره).

          - تعويد الطلاب على حسن إدراك, ومن ثم استثمار ما توصله إليهم أجهزة الإعلام (التلفزيون خصوصا) فلا يضيعون في متاهاتها.

          - ملاءمة مواقفهم مع ما يستقونه من أجهزة الإعلام, طبعا ضمن حدود التلاؤم مع معطيات الشخصية الثقافية الخاصة بالمجتمع: هنا يكمن الخطر الأكبر إذ إن أطفالنا ومراهقينا يشاهدون العديد من البرامج المعروضة كما تم استقاؤها من الخارج (أي معدة بالتلاؤم مع معطيات الشخصية الثقافية الخاصة بمجتمعها) دون أن تتم ملاءمتها مع معايير المجتمع الذي تم نقلها إليه ودون أي تعليق, فيتماهون بمواصفات شخصياتها بـ(الأبطال) التي لا تتلاءم بالضرورة مع المعايير الثقافية الاجتماعية المرغوب لهم بالتقيد بها... وهكذا يضيعون في متاهات تعدد المعايير الثقافية وتناقضاتها.

          يبقى, بالإضافة إلى دور الأهل والمعلم, دور مهم يرتبط هذه المرة بمعدّي البرامج (أو ما يسمى بالصناعة التلفزيونية): تأتي, بالدرجة الأولى هنا, مسألة خلق برامج مخصصة للأطفال وتأخذ بالاعتبار:

          - اهتمامات كل مرحلة من العمر وطرق المشاهدة التلفزيونية الخاصة بها.

          - إعداد برامج تكون أكثر تثقيفية مع الصغار بحيث تنخفض احتمالات تعرّضهم للمحتوى العنفي فيستفيدون منها فيما بعد.

          - مع أطفال ما قبل المدرسة, من الضروري أن تتضمن البرامج مميزات الإنتاج الحي لتكون فعّالة: أي جُمل بسيطة, يتم نطقها ببطء, عودة إلى الأشياء المعروضة كمراجع, التكرار,.... إلخ, سيلفت ذلك انتباههم وفهمهم... هذا, ومن الممكن الاستفادة من ذلك للتركيز على محتوى البرنامج وعلى الأحداث الانتقادية.

          - أطفال المرحلة الابتدائية يبدون الأكثر نسيانا بالنسبة للبرامج التلفزيونية الهادفة, مع العلم أن من شأن إعداد برامج خاصة بهم مساعدتهم على تجنب العنف نظرا لتميّزهم, في هذا العمر, بالانجذاب نحو التنوع والإيقاع أكثر منه نحو العنف, والملاحظ أن ميزة القوة عند البطل, لا عنفه, هي التي تجذبهم إليه.

          والبرامج المعدودة فعّالة بالنسبة لهم هي تلك التي تأخذ بالاعتبار (القوة), (الإيجابية), (البعد عن القولبة) التي تجذب انتباههم كمواصفات تلفزيونية وتعادل بفعاليتها, بالنسبة إليهم, صفة العنف عند الأبطال.

          - وفي مرحلة المراهقة, من الضروري تجنب البرامج الهزلية التي تعتمد على مواصفات عنفية,..., وإعداد برامج تهم المراهقين وتتلاءم مع حاجاتهم ليشاهدوها فيجنبهم ذلك مخاطر التحول نحو أفلام البورنو والعنف.

          ملاحظة تجدر الإشارة إليها: بمقدار ما يصح القول بتأثير العنف العدائي الناجم عند الطفل من التلفزيون, يصح القول أيضا بأن بعض الأطفال هم أكثر تعرضا من غيرهم للتأثر بالعنف المرئي في التلفزيون وهؤلاء هم المهيئون, أكثر من غيرهم, ليصبحوا عدوانيين.

          كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن العنف التلفزيوني واقع لا يمكن تجاهله وإنكاره: يكفي القول بأن من يتعرض له يبدو أكثر عدوانية ممن لم يتعرض له, هذا ما أثبتته نتائج العديد من الدراسات, بخاصة عند من يملك استعدادا خاصا للتأثر السلبي بالعنف أو بأي مظاهر سلبية أخرى.

 

كريستين نصار   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات