عزيزي القاريء

عزيزي القاريء
        

رمضان.. الحضارة والتاريخ

          تحتفي (العربي) بشهر رمضان هذا العام بطريقة مميزة , فهي تحاول أن تغوص خلف أبعاده الحضارية والإنسانية لتقدم صورة لما صنعه هذا الشهر في العقل المسلم, وهو لا يقل في أثره عما تركه في وجدانه. ولعل أول درس تعلمه المسلم منذ أيامه المبكرة هو تحديد الوقت بدقة حتى تكتمل عدة هذا الشهر الفضيل, ولا تحدد ذلك الإشارات الأرضية بقدر ما تحدده حركة الأفلاك في عرض الفضاء. ويمكن القول إن رمضان قد علم الفرد  المسلم أن يرفع رأسه إلى أعلى وان يرى ويرصد وأن يتفكر أيضا , وليس غريبا أن تنشأ وظيفة (الميقاتي) في الحضارة العربية الإسلامية وأن تكون المهمة الاساسية لشاغلها هي رصد بداية شهر رمضان ونهايته , وقد كان آخر هؤلاء الميقاتيين هو مؤرخنا العظيم عبد الرحمن الجبرتي. إن ملف (العربي) في هذا العدد يعيد طرح قضية التوقيت هذه بجميع جوانبها, وهو إذ يتذكر (ابن الشاطر( العالم العربي المسلم الذي كان رائدا لنظرية النظام الشمسي , يستعرض أيضا الآراء المعاصرة حول هذه القضية لعله يصل فيها إلى قول فصل.

          ولا تبتعد (العربي) بذلك عن قضايا واقعنا المعاصر أو تتعمد الهرب منها, فرمضان الذي جُعِل شهرا للتسامح والغفران يذكرنا دوما بالواقع العربي المؤلم الذي نعيش فيه, وهي القضية التي يطرحها رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي,عندما يلاحظ ان ظاهرة العنف والقتل تعود لتصبح اكثر تجسيدا وحضورا في شهر التقوى والقرآن,الأمر الذي يجعلنا ننتبه لظاهرة التعصب التي يمكن أن تعصف بنا جميعا.

          وتواصل (العربي) رحلتها في جوانب الروح أيضا حين تتوقف عند بيوت الله, أو بالأحرى مساجد الكويت القديمة التي تراكمت على تراب هذا البلد منذ فجر الإسلام وحتى اليوم  وكانت خير شاهد على هويته وعروبته, كما تصعد (العربي) شمالا إلى تركيا التي تعد أكبر قلعة إسلامية في أوربا لتستعرض من خلال منظار بالغ الحساسية  تلك التحولات التاريخية التي شهدها قصر يلديز ـ والتي هي في الوقت نفسه تحولات التاريخ التركي ـ من قصر للخلافة العثمانية إلى مركز للثقافة الإسلامية.

          ويحفل العدد أيضا  بالعديد من القضايا الفكرية والثقافية, فنحن لا ننسى أنه في هذا العام تمر الذكرى الثلاثون على حرب رمضان المجيدة, وهنا يقدم شهادته واحد من المطلعين على صناعة قرار هذه الحرب. كما نستعرض البدايات الأولى لواحد من أهم المخرجين العرب هو يوسف شاهين. كما نطرح قضية المعرفة وكيف انها تحولت لتكون صناعة المستقبل. ولا ينتهي الزاد العقلي الذي تحاول (العربي) ان تقدمه في هذا الشهر الفضيل, فهي تدرك أن الجوع ليس فقط هو الذي يرهق الصائم في رمضان  ولكن ذلك الطوفان من البرامج والمسلسلات التي سوف تنهمر عليه من المحطات الفضائية, لذلك فإن (العربي) تلجأ إلى مخاطبة ذلك الركن الهادئ من العقل العربي الذي يريد ان يفكر ويتأمل بعيدا عن كل هذا الصخب الموسمي.

 

 

المحرر