الدواء السحري

الدواء السحري

كانت امرأة تعيش في ضواحي غوجام. كانت تعيسة لأن زوجها لم يعد يحبّها مثلما كان من قبل. عندما تزوجا, كان دائماً لطيفاً جداً معها, وكان يقلق عليها كلما تعبت قليلاً, ويقدم لها هدايا صغيرة كلما عاد من السوق. وكان يحب كل الطعام الذي تطبخه له, ولم يؤنبها قط.

ولكن, لسوء الحظ, منذ مدة قصيرة, صار يعود إلى البيت متأخراً يوماً بعد يوم بحجة قطع الخشب أو زيارة الحقل. أصبح يعود إلى البيت دون أن يجلب معه أي قطعة قماش أو أي هدية صغيرة من الفضة, وغالباً ما راح يأكل في بيت أهله أو عند أصدقائه, وإذا تعشى في البيت كان يقول إن طبخها بلا طعم وليس طيباً.

لم تكن هذه المرأة تعرف ما العمل كي يعود زوجها كما كان من قبل. وتذكرت أن شيخاً حكيماً يقرأ في الكتب ويهتم بالتمائم يعيش في مكان غير بعيد. قالت لنفسها إنه ربما يعطيها تميمة تساعدها على استعادة محبّة واهتمام زوجها بها.

ذات صباح, ذهبت للقائه, استقبلها الشيخ الحكيم في بيته واستمع إلى حكايتها بانتباه. ولما انتهت من الكلام, سكت لحظة ثم قال لها:

- سأعد لك دواء يعيد زوجك مثلما كان من قبل, ولكن من أجل ذلك يجب أن تحضري لي ثلاث شعرات من شارب الأسد. أنصحك بالحذر والانتباه! يجب أن تأتي بها من شارب أسد حيّ وبيدك أنت.

- ولكن, صرخت, كيف سأفعل ذلك? أولاً, أين أجد أسداً?

- قال لي فلاحو الأراضي المنخفضة إن هناك أسداً يتردد إلى النهر في أسفل الوادي.

كانت مجرد فكرة النزول إلى الأراضي المنخفضة ترعبها, فكيف الحصول من شارب أسد على ثلاث شعرات...!

- وكيف يجب أن أتصرف لأقترب من هذا الأسد? سألت:

- هذا ما لا أعرف عنه شيئاً, أجاب الشيخ العجوز! أنا أفهم في الطب السحري, وليس في الأسود.

عادت إلى بيتها متسائلة عمّا ستفعله. كانت تحب زوجها وتريد أن يحبها أيضاً كما كان في السابق: لابد أن يكون دواء الشيخ الحكيم مفيداً وفعّالاً جداً. في اليوم التالي, نزلت إلى ضفاف النهر وأخذت معها سلة من اللحم. كان الطقس حارّاً. ولما سمعت زئير الأسد, وضعت اللحم على صخرة وهربت راكضة.

في اليوم التالي, عادت إلى المكان نفسه, مع أول زئير من بعيد, وضعت اللحم في المكان نفسه, لكنها هذه المرة لم تهرب, بل ذهبت للاختباء خلف شجرة غير بعيدة عن المكان. رأت الأسد يتقدم ببطء: كان ضخماً. هزّ عفرته وفتح فمه المخيف. ولما وصل إلى اللحم, نظر حوله بحذر, ثم راح يأكل, ولما انتهى من الطعام, عاد من حيث أتى بهدوء, ورجعت المرأة إلى بيتها مسرعة.

في اليوم الثالث, نحو نهاية بعد الظهر, نزلت إلى الأراضي المنخفضة, ووضعت اللحم في المكان نفسه, ثم ذهبت نحو الشجرة, لكنها لم تختبئ خلفها هذه المرة. وبقيت ساكنة دون حركة تترقّب قدوم الأسد.

وصل الوحش, نظر إلى المرأة وزأر, واقترب من اللحم وبدأ يأكل وهو ينظر إليها, وعندما لم يبق إلا العظم, رجع ثم توقف بعد بضع خطوات ونظر إلى المرأة, ثم تابع طريقه نحو الأدغال.

في اليوم التالي, بعد أن وضعت اللحم على الصخرة, لم تبتعد سوى بضعة أمتار, كانت آنذاك قلقة ومتلهّفة لرؤية الأسد. وصل الوحش أخيراً, بلا صوت تقريباً. توقف أمام اللحم, ولكن لم يلمسه. ولم يبدأ بالأكل إلا بعد أن نظر طويلاً بعينيه الصفراوين إلى المرأة تارة, وإلى اللحم تارة أخرى.

ولما انتهى, تقدمت المرأة خطوة, ثم خطوة أخرى, وبقي الأسد متمدداً, ساكناً, ولم ينهض إلا بعد أن أصبحت على بعد خطوتين منه. أخذ قلبها يخفق بقوة, وفتح الأسد فمه, ولكن بدلا من أن يزأر, تثاءب, وعاد من حيث أتى مثلما فعل في الأيام السابقة ملتفتاً مرات عدة إلى الوراء.

في اليوم التالي, عندما وصلت حوالي الوقت نفسه, كان الأسد هناك, متمدداً على صخرة اللحم. تقدمت نحوه بهدوء. واقتربت كثيراً منه, وأخرجت بعض اللحم من السلة ووضعته أمامه. ولما بدأ يأكل, جلست بجانبه وأخذت تنظر إليه, وعندما انتهى من الطعام, مدت يدها بخوف قليلاً وداعبت رأسه بلطف, فأخذ يطلق صوتاً يشبه هرير قطة ضخمة. وقدمت له اللحم الذي بقي في السلة قطعة قطعة, حتى شبع, أغمض الأسد عينيه قليلاً وفتحهما, وتنهّد, ثم نام.

مدّت المرأة يدها إلى وجه الوحش وانتزعت من شاربه ثلاث شعرات بخفة. نخر بصوت ضعيف, وتحرّك قليلاً, لكنه استمر في النوم.

وضعت كنزها الثمين في قبضتها وأغلقتها بقوة, وانسحبت بهدوء وصعدت إلى أعلى الوادي, لم تعد إلى بيتها, بل ذهبت في الحال إلى بيت الشيخ.

- أحضرت لك ما طلبته مني, قالت له: هاهي ثلاث شعرات من شارب الأسد.

نظر إليها العجوز الحكيم مدهوشاً.

- احك لي ماذا فعلت? سألها.

ولما روت له كيف وصلت إلى هدفها, نظر إليها لحظة ولم يقل شيئاً.

- حسناً, قالت له: تستطيع الآن أن تعد لي ذلك الدواء الذي سيعيد لي محبة زوجي.

- عن أيّ دواء تتحدثين? أنت التي ليّنت طبع الأسد وكسبت مودة هذا الوحش المخيف, ألا تستطيعين أن تقومي بالشيء نفسه مع زوجك? هيا افعلي مثلما فعلت مع الأسد بشجاعة, ولطف وعذوبة, وصبر! ليس هناك سحر آخر.

في الواقع, عرفت كيف تختار لزوجها الكلمات الرقيقة, والأشياء الجميلة, التي أدتها بصبر ولطف وعذوبة, وكذلك الأطباق الشهية, فعاد إليها كما كان, وعاشا بحب وسعادة.

 


 

قنسطنتين كايتريس