خطة النجمة الصغيرة


خطة النجمة الصغيرة

رسوم: ريما كوسا

نامت كل الطرقات, لم يبق صاحيًا إلا أضواؤها المبعثرة هنا وهناك, أما القمر الذي كان يخفي نصفه خلف الكرة الأرضية, فكان يضع كفه على خده ويجلس متكاسلاً من شدة الملل, وهو يراقب هذا الكون الساكن, بينما كانت تدور الكثير من الأحاديث الجانبية بين النجمات, بعضها كان يتحدث عن جمال الربيع في تلك البقعة حول البحر العريض, وبعضها كان يتحدث عن تلك الانفجارات, التي تزهق الأرواح وتقتل الجمال, وبعضها كان يتحدث عن الشمس التي تجبرهم على النوم كل يوم, وحدها شجرة السنديان التي كانت تسكن تربة قمة الجبل, كانت حزينة لا تنام. لقد سمعت صاحب البستان يتحدث مع رجل ضخم الجثة, وقد اتفقا على قطعها ورفيقاتها في اليوم التالي ليبني مكانهن منزلاً صيفيًا ومزرعة. تأملت الشجرة أغصانها, كانت خضراء, بل رائعة الخضرة, وجذعها مايزال ريّان. وهي ماتزال شابّة, وكذلك رفيقاتها, وهي تحب الشمس والعصافير والنسمات الجبلية الندية التي تأتيها كل يوم من البحر وتروي لها حكايات الصيادين والمسافرين ثم تأخذ منها الأكسجين الطازج, وتذهب به إلى المدينة لتوزعه على طرقاتها المختلفة, وتحب العصافير التي تعشش آمنة على أغصانها جيلاً بعد جيل, كما تحب الأطفال الذين يربطون فيها الحبال ويتأرجحون, وعندما وصلت إلى ذكرى الأطفال, سالت دموعها بحرقة, هل ستراهم مرة أخيرة قبل أن يجتثوا منها الحياة? ثم تنهدت بعمق, ورفعت رأسها إلى السماء علها تجد من تشكو إليه.

وجدت الجميع منشغلاً بحاله, فأخذت تهتز علها تلفت نظر أحدهم, وكان لها ذلك, فقد تنبه القمر إليها, فحدّق فيها, ثم أرسل إليها حزمة من نوره الفضي ليستطلع الأمر.

شكت السنديانة أمرها لنور القمر الذي حزن لحزنها, ثم صعد إلى القمر وأخبره بقصتها.

أطلق القمر إنذارًا, فتنبّهت النجوم واصطفت تلبية للقمر, شرح القمر قصة السنديانة, فتعالت همهمة جدية بين النجوم لدقائق, حتى صاح القمر:

- لا وقت لدينا, يجب أن ننقذ السنديانة.

بدأت الأفكار تنهال على القمر من النجوم, ولكنها لم تكن مجدية.

حل الفجر دون أن يحصل القمر على حلّ مناسب, فقرر رفع الأمر إلى الشمس, أرسل إليها خطابًا مع حزمة من ضوئه, ثم ودّع السنديانة ومعه النجوم, وذهبوا إلى نوم لا يستطيعون ردّه.

حزنت الشمس أيضًا على السنديانة الشابة ورفيقاتها, ولكنها لم تجد حلاً أيضًا, فقررت إجبار الرجل على تأجيل إعدام الشجيرات فترة من الزمن, فنزلت إلى البحر وهمست له بخطتها, هزّ البحر موجه موافقًا, وأخذ يتبخر بهمّة ونشاط, حتى شكّل طبقة سميكة من الغيوم حمّلها تعليماته, ثم همس إلى الرياح فحملت الغيمات إلى رأس الجبل حيث شجرة السنديان ورفيقاتها.

أخذت الغيمات تصطدم ببعضها بقوة محدثة برقًا ورعدًا مخيفين, وهطلت بغزارة مما جعل الصعود إلى الجبل متعذرا لأيام, وهكذا نجت الشجرات, ولكن إلى حين.

في الليل, عاد القمر ليجتمع بالنجمات للبحث في خطة جديدة, ولكن دون جدوى.

وقبيل الفجر, صرخت نجمة صغيرة كانت تقبع صامتة في آخر السماء:

- لقد وجدت الحل!

استمع الجميع للحل الذي قدمته النجمة الصغيرة, صفق لها القمر بسعادة, لقد كانت خطة جيدة, فنادى على الريح التي جاءته مسرعة, لقنها الخطة, فطارت سعيدة إلى السنديانة وبحثت معها سبل تنفيذ خطة النجمة الصغيرة.

سعدت السنديانة ورفيقاتها بالخطة ووضعنها في التنفيذ.

عندما وصلت الشمس من رحلتها اليومية, كان في انتظارها بريد مستعجل من القمر, يطلعها فيه على خطة النجمة الصغيرة, ابتسمت الشمس وبدأت تتهيأ للقيام بحصتها من الخطة.

اقتربت الشمس من المدينة التي يسكن فيها الرجل الذي يريد قطع شجيرات السنديان, فكان يومًا حارًا خانقًا, لدرجة أن أحداً لم يستطع الخروج من بيته.

بينما كانت الريح تنظف مساحة لابأس بها قرب نبع الماء القريب من الشجيرات, اقتلعت كل الأعشاب اليابسة, وسيّجت بها الشجيرات, فبدت قطعة الأرض هذه مكانًا نموذجيًا لإقامة منزل صغير, ومزرعة صغيرة تحدّها تلك الشجيرات الطيبة.

في الليل, كان حديث الشجيرات هو الحديث الوحيد الدائر بين النجمات, أما شجيرات السنديان, فلاتزال خائفة وقلقة, ماذا لو تابع الرجل خطته ولم يرض بخطة النجمة الصغيرة?

لذلك فقد احتطن للأمر, وأخذن يودعن أعشاش العصافير, ذرات الأكسجين, نسيمات البحر, وذكرى الأطفال.

في الصباح, حضر الرجلان, ومعهما معدات معقدة وحبال كثيرة.

دهش الرجل من ذلك المنظر.

- كيف ومتى تم هذا?

وأخذ يدور حول نفسه مرات عدة بدهشة, ثم قال بفرحة:

- نعم, هكذا أفضل, ستكون مزرعتي هنا, وستبقى شجيرات السنديان سوراً لها, وهذه الأعشاب المحشورة بين جذوعها ستمنع الوحوش من الوصول إلى مزرعتي, ولا يحتاج الأمر إلا لبعض الأسلاك الشائكة أمدّها حولها.

ضحكت السنديانات بمرح حتى سالت دموعها وطارت عصافيرها تزقزق بسعادة, ذهل الرجل من كثرة العصافير التي حلقت فوقه تغني وكأنها تشكره, فإنشاء بيت له على جثة شجيرات السنديان كان سيدمر لها بيوتها.

فهم الرجل كل ذلك, فابتسم بخجل, هو لم يفكر بأنه لو قطع تلك الشجيرات سوف يؤذي أحدًا!

بعد عام, أنهى الرجل بناء مزرعته الصغيرة, وجاء بأولاده إليها, عندما ترجل الصغار من السيارة صاحوا بصوت واحد كأنه زقزقة العصافير:

- ما أجمل هذه الشجيرات...سوف نعلّق فيها أرجوحتنا.

ضحكت السنديانات بسعادة, وهزت أغصانها فرحًا, وتطايرت عصافيرها وفراشاتها تلاعب الصغار.

ابتسم الرجل, وهو يضمّ كتف زوجته بحنان:

- كم كنت أحمق عندما فكرت بقطع هذه الأشجار!

 

 


 

خديجة مصطفى الأطرش