آلة العظماء

آلة العظماء

اشتاق سمسوم إلى المعرفة واستغلال وقت فراغه في شيء مفيد, وعلى الفور تسلل من أصدقائه, وذهب إلى (آلة العظماء) وهي آلة مسحورة توجد في حديقة مهجورة بطرف المدينة وضغط على أحد أزرارها فإذا به في ورشة وكأنها لحداد, لما فيها من عدد وأدوات وتروس واسطوانات وأشياء لا يعرفها (سمسوم) من قبل, ويتوسط كل هذه الأشياء رجل في الستين من عمره يرتدي لبس الشيوخ والقضاة العرب, وله وجه يبعث الراحة والوقار ذو لحية وشارب, ويعمل في هدوء ولا يشعر بدخول سمسوم إلى أن اصطدم بأحد التروس فاحدث صوتا, انتبه عليه هذا الشيخ فنظر له نظرة يلمؤها الدفء والحنان ثم ابتسم سائلا:

ـ من تكون أيها الصبي?!

ـ أنا سمسوم

ـ ومن تكون يا سمسوم?!

ـ ليس المهم من أكون, ولكن المهم من تكون أنت? فأنا الذي آتيت حبا في المعرفة.

وهنا ابتسم الشيخ ودعاه ليجلس بجانبه, وبدأ (سمسوم) يتخطى الأشياء حتى وصل إلى جوار الشيخ الذي حياه, ودعاه للجلوس مستندا إلى حائط حجري قديم, وعلى الفور بدأ (سمسوم) يتعجل المعرفة..

- هيا قل لي أيها الشيخ من أنت? وماذا تفعل? وما كل هذه الأشياء?

ـ مهلا مهلا.. المعرفة تكون خطوة خطوة..

فأنا محمد بن معروف القاضي الشهير بـ (تقي الدين) أبو التكنولوجيا

ـ أبو التكنولوجيا?!

ـ لقد سميت أبو التكنولوجيا لأني أول من اكتشف الدفع بقوة البخار فلقد صنعت وأنا في العشرين من عمري آلة شواء عن طريق دفع البخار من عنق ابريق به ماء وأسفله نار, موجها عنقه إلى ملاعق مقعرة بأطراف مروحية, وهذه المروحة مثبتة في عمود رأسي به ترس نحاس يتحرك فيحرك ترسا آخر متعامدا عليه ومثبتا في عمود السيخ الأفقي فيدور السيخ بما عليه فوق النار, وكان أول اختراعاتي وتم تنفيذه بقصر شيخ الإسلام بتركيا, عندما ذهبت إلى هناك لتعييني قاضيا بعد نجاحي بالأزهر الشريف..

ـ آلة شواء! هل هذا كل ما إخترعته?!

ـ في هذا الوقت لم يكن أحد يعرف شيئا عن قوة الدفع بالبخار ولا الحركة الميكانيكية ولا تنس أني قلت إنها أول اختراعاتي ولم أقل كل اختراعاتي.. فهمت!!

ـ فهمت.. فهمت..

ـ أنا قمت بعمل ساعات ميكانيكية متعددة الأغراض, كحساب الساعات والدقائق والأيام والشهور ومنازل القمر والشمس وسميتها (لعبة القمر).

هذه الساعات مازلنا نستعملها بأسلوب أكثر تطورا, وكلنا في الغالب نظن أنها اختراع غربي!! هذه حقيقة.. وهناك أيضا الرافعة, أو ما يسمونه اليوم (الونش) فلقد قمت بعمل أكثر من نوع لها فمنها ما يعمل بالبكر والحبل ومنها بالحلزونة والثالث باندفاع الماء.

ـ يا للفخر.. الونش أيضا اختراع عربي.

ـ وأيضا المضخة التي ترفع المياه من الأعماق دون أن تحركها يد بشر أو حيوان كنت أول من اخترعها وأيضا بعدة طرق, ولكن أهم هذه المضخات المضخة ذات الأسطوانات الست والمكبس, وهي التي مهدت لاختراع المحرك البخاري الحديث على يد (نيوكومن) بعدي بمائة وسبعين سنة!!

ـ أنت عظيم يا جدي, وأنا فخور بك, ولكن أين نشأت ومتى?

ـ أنا ولدت عام 1525 بدمشق, ونشأت بمكة حيث كان يعمل أبي قاضيا, ثم رحلت إلى مصر للدراسة بالأزهر الشريف وأنا عمري عشر سنوات, وتعلمت فيه الشريعة والفقه حتى صرت قاضيا, وتعلمت الرياضيات والفلك وعلم الحركة وباقي العلوم من بائع الكتب القديمة بحي الأزهر حتى صرت مخترعا, وتوفيت عام 1585م.

ـ أنا الآن أشعر أني أعظم طفل في العالم لأني عربي مثلك...

ـ المهم يا (سمسوم) أن تحاول أنت أيضا أن تكون رجلا عربيا مفيدا للعرب والإنسانية.. ولا تنس أني بدأت في سن العاشرة..

والآن اسمح, لي بالانصراف...

وفجأة بدأ يتلاشى الشيخ ويعود إلى داخل (آلة العظماء) وترك سمسوم وهو يشعر بالزهو والافتخار...

 

 


 

تقي الدين