الحرف الضائـع

الحرف الضائـع

(لقد أتقنت جميع الحروف الآن...ماعدا حرف الزاي... كم تدرّبت عليه, لكنه يبدو عسيراً... حرف الياء كان صعباً كذلك, لكنني تمكنت لاحقاً من إتقانه, ما العمل يا ترى?)

كان مازن يفكّر وهو في طريق عودته إلى المنزل من درس الحاسوب, إن هذه الدورة الحاسوبية هدية من والديه بمناسبة تفوّقه, موزعة بين تعلم الطباعة والتسلية ببرنامج النوافذ الشائق.

تعلم مازن طباعة الحروف المكتوبة أمامه على الشاشة دون أن ينظر إلى لوحة المفاتيح, الأمر الذي أدهش أصدقاءه, وسرعان ما يتبدد هذا العجب عندما يكشف السر: (إن كل اصبع يكلف مهمة الضغط على حروف معينة متجاورة, عدا اصبعي الإبهام, فهما مسئولان عن زر المسافة الفاصلة بين الكلمات).

كان مازن متقدماً على أقرانه في المجموعة, ينال كل التشجيع من الأستاذ كامل, لا ينافسه سوى زميله سعيد, ولم يكن قد تبقى على نهاية فترة التدريب أكثر من أسبوع, بعدها تقام حفلة يكرّم فيها الأوائل في مهارة الطباعة, ومازن يطمح إلى جائزة المعهد, إنه الأول في المدرسة, ولابد أن يحافظ على مستواه هنا أيضاً, لكن كيف وحرف الزاي يقف عقبة أمام ذلك?

أوى مازن باكراً إلى فراشه, جالت في فكره خواطر عدة, الحاسوب, أصحابه, العشاء اللذيذ, تذكر أنه تناول الموز, رأى كلمة الموز ترتسم أمامه بأحرف فسفورية كعقارب الساعة وسط الظلام, أخذت الكلمة تكبر وتكبر حتى كادت تلامس السقف, ثم لمع حرف الزاي وتوهّج توهجاً عظيماً. ما هذا? صاح مازن وغطى عينيه بكفّيه بضع ثوان, ثم أعاد النظر إلى (موز) التي خفّ وهجها قليلاً, سمع صوتاً يقول:

- أنــا حــرف الزاي, ألا تــراني يا مازن?

- بلى, كنت مضيئاً جداً!

فقال الزاي بنبرة حزينة:

- نعم, مضيء هنا فقط, لكنني خلاف ذلك في الحاسوب.

- هل أنت حزين لذلك?

- أجل... ليتك تعرف ما الذي يجري كل يوم في برنامج الطباعة!

فسأل مازن بفضول:

- ما الذي يحصل?

- كل الحروف سعيدة بهالاتها الصفراء, إنني أجد نفسي وحيداً هناك بلا هالة تدل على إتقانك طباعتي, لذلك غادرت المنزل وجئت إليك.

- غادرت منزلك?

- أجل... إن الحروف كلها صارت الآن تسخر مني, حتى حرف الياء الذي لم يمض على إتقانك له زمن طويل, كانت الحروف في السابق تعطف عليّ وتتمنى أن أتقدم لأصبح مثلها, لكنني بقيت على حالي فازدادت الأمور سوءاً, هل تكرهني يا مازن?

- كيف أكرهك? هذا غير ممكن.

- لماذا تقصّر بحقّي إذن? هل يسرّك إهمال حرف أساسي من حروف اسمك... (مازن)?

- لا, أبداً... ولكن...

وقبل أن يكمل جملته قاطعه حرف الزاي وهو يتوهّج بشكل متقطع متوتّر:

- ليس فقط اسمك, ولكنك تجدني في كلمات عدة:

الزمن, مزمار, زهور, زر, زخات المطر, وغيرها الكثير من الكلمات المهمة, فهل تستغني عن هذه الكلمات حتى تستغني عني?

- يا...

وانفجر حرف الزاي باكياً حتى كاد نوره ينطفئ, فناداه مازن:

- يا حرف الزاي! لا تختف, لن أسمح لك بالتلاشي.

لكن الزاي كان قد اختفى, واختفت معه كلمة (موز) وقد حلّ بدلاً منها نور الصباح, جلس مازن وفرك عينيه وهو يتأمّل ما حوله... الموز, الزاي والتوهــّج, تبسم ابتسامة خفيفة, تناول إفطـاره سريعاً وانطلق إلى المعهد التعليمي, جلس أمام الشاشـــة وبدأ يطبـع ويطبع, دقة, ثبات, سرعة, هاهي شاشة الحروف تطــل بـعـد التمرين, الحروف كلها مضيئة, من الألف إلى اليـاء, لكـن أكثرهــا توهجاً هو الزاي, وبدا مبتسمـاً سعيداً, لا يسمعه سوى مازن وهو يقول له: (شكراً يا صديقي!).

 

 


 

علياء الداية