فريـدة.. وأصبعها العجيب

فريـدة.. وأصبعها العجيب
الحقيقة هي أن فريدة العجيبة وليس أصبعها فقط (ففريدة لها موهبة خاصة جدا! فهي تستطيع أن تتكلم مع كل
جزء من أجزاء جسمها بلغة لا يفهمها إلا هي.
عندما تمشط شعرها أمام المرآة في الصباح تحدث شعرها وتقول:
ـ أنا أحب أن أمشطك وأحب أن أراك تلمع وأعرف عندما أرى لمعتك أنك في صحة جيدة وأنك قوي وجميل.
فيرد عليها شعرها:
ـ أنا أيضا أحبك أن تمشطيني ولكنك عندما تشديني وتدخليني في ذلك الرباط المطاطي القاسي وتجعلين مني ذيل حصان أتضايق جدا وأظل طوال النهار ونحن في المدرسة أشعر بأنني محبوس ومخنوق.
تعده فريدة أنها عندما تريد أن يظل شعرها بعيدا عن وجهها فإنها لن تشده بالرباط القاسي ولكن بشريط لطيف. وتقول:
ـ أعدك ألا أضعك في ذلك الرباط المطاطي الذي تكرهه أبدا!
وعندما تفرّش فريدة أسنانها تقول لها أسنانها:
ـ شكرا لأنك تعتنين بي وتدافعين عني ضد التسوس.
فتضحك فريدة وتقول:
ـ من فضلك.. من فضلك لا تتكلمي مثل إعلانات التليفزيون عن معجون الأسنان. فتضحك أسنانها كذلك. وتسمع أم فريدة ضحكات ابنتها صادرة من الحمام فتهز رأسها وتبتسم, ولا تعلم لماذا تضحك فريدة وهي تفرش أسنانها كل صباح?
عندما تدخل فريدة لتستحم يضحك جسمها كله ويقول:
ـ أنت تدغدغيني.. هذه الفرشاة التي تستعملينها لها شعرات كثيفة تدغدغني. كفى.. كفى!
لكن فريدة لا تكف ويظل جسمها يهتز ويضحك حتى ينظف تماما ويصبح لونه ورديا ورائحته ذكية.
أحيانا يظل جسم فريدة صامتا ولا يضحك ولا يتكلم طيلة الحمام, ويكون ذلك لأن فريدة لا تأكل الخضراوات والفاكهة, فيعلم جسمها أنها لا تهتم به, ولا تقدم له المساندة, والمساعدة التي يحتاج إليها حتى ينتصر في حربه ضد المكيروبات.
في يوم حدث شيء مختلف بعض الشيء. كانت فريدة نائمة عندما أحست بخبط ونقر يجيء إليها من داخل أصبع يدها اليمنى فقالت لنفسها:
ـ ربما هو يرتب غرفته.
ولكن بعدها بيومين حدث نفس الشيء. فسألت فريدة أصبعها:
ـ ماذا تفعل بي في منتصف الليل?.. تخبط وتنقر. إن ذلك يؤلمني.
لكن الأصبع لم يرد واكتفى بأن قال:
ـ سوف أسكت.. حاضر.. لا تنزعجي.
ومر وقت طويل لم يكن أصبع فريدة يؤلمها إلا أحيانا عندما تضغط عليه بالقلم وهي تكتب أو عندما تصدمه وهي تلعب. ولكن الألم لم يكن غير محتمل ثم إن فريدة بنت شجاعة لا تشتكي مثلما يفعل بعض الأطفال, فإذا أصابها ألم تستطيع أن تتحمله. لكنها في يوم خبطت أصبعها هذا خبطة قوية من دون قصد, وهي تجري وراء أخيها أحمد الذي كان قد أخذ منها قلمها وهو يضحك ويجري به هنا وهناك في البيت. ساعتها سمعت فريدة أصبعها يئن من الألم:
ـ آه.. آه كم أنا موجوع!
فتركت فريدة أحمد يجري بالقلم وجلست تنصت مرة أخرى فسمعت الأصبع يكرر في صوت متألم:
ـ هناك شيء يؤلمني جدا.
وعندما نظرت فريدة إلى أصبعها بتمعن وأخذت تتلمسه حتى تواسيه اكتشفت أن هناك بالفعل شيئا مختلفا في هذا الاصبع. لقد بدا لها أصبعها وكأنه ابتلع كرة بنج بونج صغيرة جدا. ولم يكن مثل هذا قد حدث لفريدة من قبل. فقد كانت تعرف معنى أن يصيب أنفها الزكام وكان ذلك يحدث عندما لا تأخذ ما يكفيها من فيتامين (سي)وعندما تتعرض للهواء البارد وعرفت أنها من الممكن أن تكشط الجلد في ساقها أو ذراعها عندما تلعب أو تقع لكنها أبدا لم يصبها ألم يبدو وكأنه يكبر داخل أصبعها.
قررت فريدة أنها في حاجة إلى مساعدة أمها. فجرت إلى غرفة الكتب وكانت الدكتورة هدى, أم فريدة ساهرة تعمل وراء الكمبيوتر لكن لما دخلت فريدة على أمها وهي تصيح:
ـ ماما.. أنظري إن أصبعي هذا يقول إنه موجوع جدا. وأنا أظن أنه ابتلع كرة بنج بونج صغيرة.
تركت أم فريدة عملها, ونظرت جيدا إلى الأصبع, ولكنها لم تر أي شي يستدعي الانزعاج, فربتت على شعر فريدة وقالت:
ـ فريدة, أحيانا عندما نمسك بالقلم ونحن نضغط عليه بشدة يحدث أن ينشف الجلد في تلك المنطقة ويصبح صلبا بعض الشيء وتبدو أصابعنا وكأنها ابتلعت كرة صغيرة. وعلى كل حال سوف نذهب إلى الطبيب لو اشتكى أصبعك مرة أخرى.
لكن أصبع فريدة لم يشتك لا تلك الليلة, ولا الليلة التالية. لكن بعد أسبوع كانت فريدة تلعب في حوش المدرسة وخبطت أصبعها في كتاب كبير كانت تحمله تلميذة في طريقها إلى المكتبة, وراح أصبع فريدة يئن من الألم. ولكنه سرعان ما سكت. عندما عادت فريدة إلى المنزل يومها. وحان وقت عمل الواجب ذهبت فريدة إلى أمها التي كانت في المطبخ تعد سندويتشات العشاء وقالت لها:
ـ لقد آلمني أصبعي جدا اليوم وقد اكتشفت أني كنت مخطئة عندما ظننت أنه ابتلع كرة بنج بونج. إن المشكلة الحقيقية هي أن أصبعي قد ظهر فيه نتوء صغير.
ضحكت الدكتورة هدى, واعتقدت أن فريدة تتعب من الإمساك بالقلم, وأنها تود لو كانت تستطيع عمل الواجب المنزلي على الكمبيوتر, أو أنها تود لو لم يكن هناك واجب من الأصل يضطرها إلى الإمساك بالقلم. لكن عندما تكرر الأمر أكثر من ثلاث مرات قررت الأم أخذ فريدة إلى الطبيب.
ـ نظر الطبيب إلى أصبع فريدة وقال:
ـ هيه.. اشرحي لي كيف يؤلمك هذا الأصبع بالضبط.
فقالت فريدة وهي تضحك في سرها من سؤال الطبيب الغريب:
ـ هو يؤلمني لأنه موجوع.
فسألها الطبيب:
ـ وكيف عرفت أنه موجوع?
فقالت:
ـ لأنني عندما أضغط عليه وأنا أمسك بالقلم أو عندما أخبطه دون قصد وأنا ألعب يصرخ ويقول آه.. آه.. النتوء.. النتوء فسألها الطبيب في صوت جاد جدا وهو يتفحص الأصبع ويضغط عليه قليلا حول النتوء.
ـ وهل يقول غير آه.. آه?
فكرت فريدة قليلا وقالت:
ـ نعم قبل أن يبدأ في الصراخ أحيانا يقول في هدوء: (فريدة أنت لا تهتمين بي) وكنت أظن أن الاهتمام به يعني أن أقص أظفاري واغسل يدي قبل الأكل وبعده.
فنظر لها الطبيب وهو يرفع حاجبيه في دهشة وقال:
ـ فريدة أنت تريدين أن تفهميني أنك تتحدثين مع أصبعك فعلا?
فكرت فريدة قليلا ثم قالت:
ـ أنا أتحدث مع شعري كثيرا, وكذلك مع قدمي, وأنفي, وأسناني, وجسمي وأنا أتحمم, لكنني لا أتحدث مع أصابعي بنفس القدر.
فقال الطبيب وهو يضحك ولا يصدق:
ـ إذن قولي لأصبعك أننا سوف نفتحه فتحة صغيرة حتى نخلصه من هذا النتوء الذي لم يحك لك أصبعك كيف احتفظ به كل هذا الوقت من ورائك, واسأليه كذلك لماذا لم يحك لك كيف كبر هكذا, نظرت فريدة للطبيب وقالت:
ـ لا.. لن أقول له شيئا فلكل منا الحق في أن يحتفظ لنفسه ببعض الأسرار.
وفي اليوم الذي حدده الطبيب ذهبت فريدة مع أمها إلى المستشفى ودخلت حجرة العمليات الباردة السخيفة وأعطت ذراعها لطبيب التخدير في هدوء. ربط الطبيب جلدة مبرومة حول ذراع فريدة حتى تظهر عروقها بوضوح. ولما شعرت فريدة بذراعها يختنق بسبب تلك الأنبوبة, وقبل أن تقول شيئا, كانت قد راحت في نوم عميق.
وبالطبع لم تشعر فريدة بالعملية, ولكنها عندما أفاقت كان أصبعها ملفوفا في عمامة ضخمة من الشاش وكان يبكي ويقول:
ـ ضحكتي علي! لماذا لم تقولي لي أنهم سوف يأخذون مني النتوء التي احتفظت به كل هذا الوقت?
فقالت فريدة في حزم:
ـ انك تتحدث وكأنك اخترعتها. هي شيء يحدث لكثير من الناس عندما تنسى أعصابهم أن لها أطرافا, وأن أطراف الأعصاب يجب ألا تكبر وحدها دون أن تستشير المكان الذي تنمو فيه. وأنا لم أخبرك بالعملية لأنك لم تقل لي من البداية أنك تعلم أن اطراف أعصابك نسيت أنك أصبع صغير ولا تحتمل أن يكبر بداخلك أي نتوء.. يؤلمك فيؤلمني فتتألم أمي لألمي وأبي وأخي وكل من يحبونني.
حزن أصبع فريدة فهي تظلمه بكلامها فراح يشرح:
ـ أنا لست طبيبا يا فريدة ثم كيف كنت سأعلم أن هذه الكرة الصغيرة التي كانت تسليني كثيرا ولا أشعر بها إلا عندما تضغطين أنت علي بالقلم, أو عندما لا تحترسين في اللعب, وتخبطينني, كيف كنت سأعلم أنه ليس من المفروض أن تكبر هكذا?
ندمت فريدة قليلا لأنها نهرت أصبعها على ما لا ذنب له فيه. الحقيقة أن لا أحد له ذنب في هذه المسألة, لا هي ولا جسمها ولا أصبعها فنظرت إلى أصبعها نظرة حانية وقالت:
ـ أنا آسفة.. لقد غضبت منك لأني تصورت أنك كنت تحتفظ لنفسك بالأسرار ولا تبوح لي. هيا نم واسترح وسوف آكل كل أكلي وآخذ الكثير من الفيتامين حتى تتعافى وتصبح قويا كما كنت. سوف يأخذ هذا بعض الوقت, ولن ترجع كما كنت في التو واللحظة لكني أعدك أني سأفعل كل ما في وسعي حتى تشفى تماما.
ونامت فريدة ونامت يدها إلى جانبها وابتسم أصبعها وهو يتذكر حكاية النتوء هذه.
 

 
 
 
 
 
 

سمية رمضان