الفرح

الفرح

رسوم: رونـــــــي سعــــــيــد

أمين فتى في العاشرة من عمره ويسكن أمين مع أبيه وأمه, في بيت جميل, قربه نبع ماء, وتحيط به أشجارخضراء.

ذات صباح, أشعلت أم أمين النار في الموقد, وصنعت كعكات شهيات, ثم أعدّت الفطور, ونادت ابنها:

ـ الفطور جاهز, يا حبيبي.

كان الفتى جائعا, ينتظر نداء أمه, فلما سمعه, أسرع يلبيه في باحة البيت, قرب الموقد, جلس أمين وأمه يتناولان الطعام.

راح أمين يتناول الطعام بسرعة, ويقول: ما أطيبه!

ثم قطف إجاصة كانت تتمايل, على غصن, أمامه, وقال: ما ألذّها! ولما انتهى ربّت على بطنه, وقال: الحمد لله.

خمدت النار, وصارت جمراتها رمادا.

غادرت الأمّ الباحة إلى داخل البيت, وهي تقول لابنها:

ـ اغسل يديك ووجهك بماء الينبوع, والعب بهدوء.

لاعب الهواء الرماد, فأطار أشياء منه أصاب بعضها عينيّ أمين.

غضب الفتى, وبدأ يضرب الرماد بكفّيه, فطارت منه اشياء كثيرة.

أغمض الفتى عينيه, ثم فتحهما مرات عديدة. حرقته عيناه, فراح يفركهما بكفّيه الوسختين. أحسّ ألما, ودمعت عيناه, فركض صوب النبع.

نظر في الماء الصافي, رأى وجهه ملونا, رآه أسود رماديا, فصرخ غاضبا:

ـ أوه.., ماذا فعلت, يا نبع!? سوّدت وجهي.. أود لوأخنقك.

ركض أمين صوب الحقل المجاور. جمع تراباً ملأ كفّيه به, وراح يضعه في فتحة يسيل ماء النبع منها. ولكنّ الماء كان أقوى, فظلّ يزيح التراب جانبا, ويزيل بقاياه, ويجري.

ازداد غضب أمين, فملأ كفيه بالتراب من جديد وسد الفتحة, شد بكل قوته, وصرخ:

ـ أنا أقوى منك... ابق محبوساً في الداخل.

(بقبق) الماء لحظات, وسكت. ضحك أمين, لكنّ مفاجأة حدثت بسرعة. أحسّ أمين بكفّيه ترتفعان, وبالماء ينتصب مثل عمود, ويرشّ وجهه. بقي الماء يرش وجهه, وهو لا يدري ماذا يفعل.

ثم التفت الى الوراء, فرأى أمّه تنظر إليه ضاحكة, وسمعها تسأله:

ـ ماذا فعلت!?

فركض نحوها. تمسّك بثوبها, وقال: سوّد النبع وجهي..., وبلّل ثيابي... انظري ماذا فعل بي!

أمسكت الأم ابنها من يده, وقادته إلى الماء, وقد عاد صافيا, وقالت له: انظر إلى وجهك.

رأى وجهه, فصاح, وهو يصفق: أوه... عدت حلوا, بيّضْتها, يا نبع, في هذه المرة.

فقالت الأم: ألم تعرف ما حدث بعد يا أمين? ماء النبع لم يسوّد ولم يبيّض... النبع أراك الحقيقة في المرّتين.

هزّ أمين رأسه, وقال متعجباً: كيف يكون وجهي أسود رماديا مرة ونظيفا حلوا مرة أخرى!?

سكت لحظة, ثم ضرب الهواء بقبضته, وقال: خاف النبع أن أخنقه.. فغيّر رأيه.

جلست الأم قرب النبع, ودعت ابنها إلى الجلوس قربها. ولما جلس أشارت إلى الموقد, وقالت:

ـ اللعب بالرماد جعل وجهك أسود رمادياً, فأراك النبع الحقيقة فغضبت. أردت حبس مائه. لكنه لم يغضب, بل لاعبك.

فصاح أمين: بلى, رشّ وجهي, وبلّل ثيابي.

احتضنت الأم ابنها, وقالت:

ـ لاعبك فغسل وجهك, وأزال آثار الرماد عنه.

تساءل أمين: كيف لم أنتبه!?

فأضافت الأم: وهذا يعني أنه بادل عملك السيئ بعمل جميل.

حك أمين ذقنه بسبابته, وراح يحدّق في مياه النبع الصافية.

ضحكت الأم, وقالت: ولما نظرت إليه, بقي يقول الحقيقة. لم يغضب منك, ويعاديك, بل أراك وجهك بعد أن تم غسله.

ضحك أمين, ووقف.لوّح للنبع بيديه الاثنتين, وقال:

ـ أنا أحبك, يا نبع, وأحبّ أن تلاعبني دائما.. ولن أخنقك أبدا.

لمعت صفحة الماء تحت أشعة الشمس, فقفز أمين, مد يده كأنه يريد مصافحة الماء, وصاح:

ـ أمي, أمي, النبع يبتسم, النبع يضحك لي, النبع فرح يا أمي!

ابتسمت الأم, وقالت: النبع دائما فرح يا بني, ويسقي الفرح للجميع يا بني.

قفز أمين وصفق, وهتف: وأنا.

حضنته الأم, وقالت: ويجعل الناس فرحين, يا حبيبي.

أفلت أمين, وركض يلوّح لأصدقائه القادمين, وهو يقول: ونحن, يا أمي.

 


 

عبد المجيد زراقط