الإمبراطور الرحيم

الإمبراطور الرحيم

رســـــوم: محمد نـادي

في اليابان, أرض الأباطرة العظماء, كان يعيش في قديم الزمان, نينتوكو, الإمبراطور السادس عشر بين أباطرة اليابان. وكانت أول مآثر نينتوكو حينما تم تنصيبه إمبراطوراً أنه قام بتوزيع أراضي البلاد على رعاياه بالعدل.

وبعد أن فعل ذلك بسنوات, وعم الخير الوفير, حدث أن جفت أراضي البلاد كما لم يحدث لها أبدا من قبل, وظهر التشقق على سطح تربتها حيث كانت تنمو من قبل وسط وفرة من الماء أعواد الأرز التي لا تحصى. أما الآن مع جفاف الأرض, فلم تعد تسمع موسيقى الضفادع التي كانت تنبعث من الحقول القريبة حينما تستيقظ الضفادع من نومها بعد غروب الشمس.

ذات صباح, أحس نينتوكو, بما يعانيه شعبه حينما وصل الجفاف إلى الأرض العشبية المحيطة بقصره. وفي مساء ذات اليوم صعد إلى حيث توجد أعلى شرفة لقصره, ونظر حوله في كل الاتجاهات, وكانت تلك هي الساعة التي عادة ما يغلي فيها الناس الأرز ليتعشوا, ولكنه لم ير أي خيط من خيوط الدخان يتصاعد من الفوهات العلوية للبيوت.

خلف الإمبراطور, كانت زوجته تجلس متربعة على الأرض, مرتدية سترة من الحرير زرقاء اللون وتنورة طويلة بيضاء, وكان لها شعر أسود طويل ينسدل على ظهرها. نظر إليها الإمبراطور بعد أن كان قد رأى تلك البيوت التي لا ينبعث منها أثر للحياة, وقال لها وهو يكاد يبكي من الحزن:

ـ يا لمأساتك يا بلادي! إلى هذه الدرجة يصيبك الفقر اليوم!

وحينها جازف أحد أعوانه بمصارحته:

ـ موسم الزراعة الأخير لم يكن على ما يرام, والشعب يعيش عيشة بؤس وقحط.

فزاد حزن الإمبراطور لما سمعه من معاونه, وقال:

ـ إنني لفي أشد الأسى لذلك.

ثم إنه ما لبث أن تمالك نفسه وقال:

ـ لا أريد أن يدفع الناس الضرائب لمدة ثلاثة أعوام, وسنوفر لكل من لا يعمل, ومن أصابه ضرر, عملاً يليق به في مجالات العمل المختلفة.

حينما وصل إلى مسامع الناس ما قرره الإمبراطور بكوا من الفرح. وقراراته تلك تم تنفيذها بدقة متناهية, وبذلك عمل الجميع, وتم توزيع ما تبقى مخزنا في صوامع البلاد من الخيرات عليهم بالتساوي.

في تلك الأثناء, التي كانت البلاد تعاني فيها من المجاعة, كان قصر الإمبراطور في حاجة لإجراء بعض الإصلاحات فيه, لكن الإمبراطور منع معاونيه من إجراء أي إصلاحات في قصره حتى ينصلح حال شعبه.

نجح الإمبراطور في تجميع جهود الناس لإنشاء أكثر من سد وخزان ليستعان بمائها في فترات الجفاف, ولإنشاء أكثر من قناة ليجنب رعاياه أخطار الفيضانات متكررة الحدوث.

بعد ثلاثة أعوام, رأى الإمبراطور الأرض العشبية المحيطة بقصره آخذة في الاخضرار مجددا, ففرح قلبه واستبشر خيراً أن أزمة بلاده قد حان وقت انفراجها. وفي ذات مساء صعد الإمبراطور مجددا إلى أعلى شرفة بقصره, ورأى ريشات من الدخان تتصاعد من فوهات البيوت في تلك الساعة التي عادة ما يغلي فيها الناس الأرز ليتعشوا, ولم يتمالك حينها نفسه من الفرح, وهتف: (لقد أصبحت غنيا, لقد أصبحت غنيا..), فسألته زوجته عما يعنيه, فأجابها: (أن يكون الشعب غنيا, نكون نحن أغنياء لغناه, ذلك أن الشعب هو قاعدة البلاد).

ولمدة ثلاثة أعوام أخرى لم يطلب الإمبراطور ضرائب من أحد ليعوض الشعب عما قاساه من حرمان, لكن الشعب هذه المرة هو الذي أصر على دفع الضرائب. ولشعور رعايا الإمبراطور الكريم بسعادتهم به أرادوا أن يظهروا له اعترافهم بالعرفان, ولرغبتهم في التأكيد على منزلته الإمبراطورية بنوا له قصرا كبيرا لا يزال شاهدا على هذه الحكاية حتى اليوم.

 

 


 

حسام علوان