الألوان تخدع أحيانا

الألوان تخدع أحيانا

الزهرة الجميلة باهرة مدهشة مثيرة للإعجاب, يمكنك تأملها في سرور دون أدنى إحساس بأي خطر, وليس معنى ذلك أن كل جمال يكون دائما مصدرا للحبور والراحة, فقد يكون الجمال وسيلة للتمويه والتخفي وقد يكون قاتلا أحيانا. وإليك بعض أسرار أسماك تستخدم الجمال سلاحا للفتك بضحاياها.

إذا أتيح لك استخدام أجهزة غوص في أعماق البحر لوجدت نفسك في حدائق جميلة باهرة مليئة بالشعب المرجانية ذات الألوان المتعددة بالغة الجمال, وبين نباتات تهتز في كل اتجاه مع تموج الماء وأسماك ملونة من كل نوع تجوب هذه الأماكن الساحرة, قد تتخيل أنك تشاهد أنواعا غريبة من الطيور الملونة تجول بين غابات من الأشجار الأكثر غرابة. تمتع بهذه الفتنة الساحرة كيفما شئت ولكن كن حذرا إذا أردت أن تقترب من الأسماك الجميلة أو تهاجمها, لأن لديها من المفاجآت الدفاعية ما قد يؤلمك أو يصيبك بالصدمة أو ينقل إليك سموما لا شفاء منها.

ولكي تتصور مدى التنوع الهائل في عالم الأسماك, عليك أن تعرف أنه من عدد 12 ألف جنس من أجناس الكائنات الحية على الأرض أو في الماء تحصل الأسماك على نصيب ضخم هو 4 آلاف نوع على الأقل تعيش في المناطق المرجانية القريبة من شواطيء البحار في تنوع شديد الثراء.

وفي كل منطقة تحت سطح البحر تعيش كائنات متآلفة تعتمد على بعضها البعض في الغذاء, في بيئة متجددة تحافظ على نفسها بنفسها, حيث تجد كائنات البحر المفتوح تعيش متآلفة مع كائنات القاع ومع تلك التي تعيش في الحفر. فالأسماك آكلة العشب تعيش مع تلك التي تأكل كل ما يقابلها في طريقها ومع الأسماك الأخرى التي تتغذى باللحوم, مثل راعية المرجان وملتهمة القشريات والقناصة. وتجد الكائنات التي تنشط في النهار مع الضوء الضعيف الآتي من سطح الماء تعيش مع الكائنات الليلية التي تتحرك هنا وهناك في الظلمة التامة, وتلك التي تحب التجول في مجموعات مع تلك التي تحب العزلة والوحدة بعيدا عن الجميع.

كل شيء في القاع يسير في هدوء إلا إذا تعلق الأمر بالحصول على الغذاء أو التكاثر أو ببساطة المحافظة على النوع, فعندئذ يندلع الصراع الشرس شديدا. وخلال تطور امتد ملايين السنين كان البقاء للأصلح حيث تكاثرت أنواع من الكائنات البحرية تملك أسلحة فتاكة للدفاع عن نفسها. وتستخدم الكائنات البحرية ألوانها المتنوعة ساحرة الجمال وحركاتها وأشكالها كنوع من الخدع الحربية أو للتخفي أو أحيانا للاتصال ببعضها البعض.

وتتكون مجموعة الألوان التي تتأنق بها الأسماك من صبغات صفراء وحمراء فاتحة أو سوداء داكنة, وتوجد تلك الصبغات في خلايا متخصصة في الجلد. وتتوافر لدى بعض الأسماك صبغات بللورية لامعة بيضاء أو أخرى تعطي بريقا معدنيا. أما بقية الألوان المهمة التي تحتاج إليها الأسماك لتكملة مجموعتها اللونية, مثل الأزرق والأخضر, فإن الأسماك تحصل عليها عن طريق انعكاس الأضواء على أجسامها. لكن بعض الأسماك التي تعيش في بحار المنطقة الاستوائية تصنع بنفسها, عن طريق خلايا الجلد, صبغات زرقاء. وتتغير ألوان تلك الصبغات تبعا لعمر السمكة, فالسمكة عند البلوغ تحصل على ألوان خاصة وكذلك السمكة في موسم وضع البيض. لكن المفاجأة يحتفظ بها نوع خاص من الأسماك التي تشبه الحرباء في قدرتها على تغيير ألوانها فورا حسب الظروف التي تعيش فيها.

لمجرد بث الرعب

قد يجذبك جمال بعض الأسماك السامة للاقتراب منها ومحاولة صيدها, وتكون النتيجة ما لا يحمد عقباه. فذلك الجمال الباهر وسيلة تمويه تدافع بها الأسماك عن نفسها حتى يصعب على أعدائها التعرف عليها وسط تشكيلة الألوان المتعددة في الشعب المرجانية والنباتات البحرية وكائنات البحر الكثيرة, أو قد تكون وسيلة تمويه لتتربص في مكانها فلا تراها الفرائس التي تتغذى عليها. ولدى أسماك القاع أنواع كثيرة من مجموعات الأسلحة الدفاعية مثل الأشواك والكلابات والإبر والحواف الحادة مثل نصل السيف, تستخدمها لتخويف من يهاجمها ولإضعاف إصرار أعدائها على الهجوم عليها. وتكون أسماك النجم وهي من فصيلة النجميات ملحومات الفكوك ذات حماية إضافية بواسطة ما يشبه الصندوق العظمي تحت الجلد, وتلجأ أيضا لحماية نفسها بإفراز مواد سامة. وتماثلها من الناحية السمية الأسماك القاضمة التي تتحول إلى كرة دفاعية مليئة بالمواد اللاسعة بمجرد تلامسها مع الماء. أما بالنسبة لعقارب البحر المخيفة فإن لديها غددا سامة متجمعة على أطراف زعانفها أو أشواكها الأخرى.

لمجرد الاستعراض

يعتبر ثلاثة أرباع الأسماك التي تعيش على الشطآن البحرية العميقة أسماكا نهارية مثل أسماك الملاك وهي من الشلقيات التي تتميز بكبر زعانفها الصدرية وبعظم أجسامها, والأسماك الجراحة وهي تتغذى على علق البحر أو على الكائنات عديمة الفقاريات. وتلعب الألوان دورا مهما لدى تلك الأسماك التي تعيش في المياه الإقليمية, فتلك الألوان هي التي تتيح لها التعرف على مكان ومدى قدرات منافسيها خلال التسابق على الدخول إلى وكر للتكاثر أو للتغذية. وللاستعراض أثناء فترة التكاثر يصبح لدى الذكر ألوان براقة تشع حيوية.

وفي حالة عدم توافر الخبرة الكافية لمواجهة المهاجمين القناصين تتوافر لدى بعض الأسماك حيل مختلفة مثل مجرد وجود بقعة مثل الشامة فوق الزعانف تأخذ شكل العين, ومثل البقع الملونة الشبيهة بالعيون الموجودة على ريش بعض الطيور, فيخطيء العدو المهاجم تقدير الموقف ويظن تلك البقعة عينا فيهاجم السمكة من اتجاه آخر فتراه السمكة بعينها الحقيقية فتهاجمه أو تتراجع بعيدا عنه حسب قوة العدو الذي تواجهه.

مجرد كمائن

لدى غالبية الأسماك البحرية التي تعيش بين الشعب المرجانية في الأعماق بالقرب من الشواطيء وتتغذى على اللحوم في أوقات أكثر ملاءمة لمطاردة ضحاياها تمتد من الشفق حتى الفجر. وتكتسي أغلب تلك الأسماك باللون الأحمر الذي يصعب اكتشافه تحت الماء خاصة عندما يكون النور ضعيفا. وتؤدي البقع والخطوط الموجودة على بعض الأسماك لتزيينها, دورا مهما في التخفي, حيث تسبب تشويشا لشكل السمكة داخل الغابة المرجانية الغنية بالألوان, حتى تصبح الأسماك غير مرئية حيث تقيم في كمائنها في انتظار الفريسة. ولدى بعض الأسماك ذات العيون الكبيرة أجزاء كثيرة لخطف ونهش الفرائس من الفريسة الصغيرة حتى الأسماك الضخمة مثل سمك (المارو) الضخم الذي يصل طوله إلى مترين, وهو سمك لذيذ الطعم, ومثل سمك (البياض). ولدى هذه الأسماك آكلة اللحوم شفة جبارة متحركة تساعدها على نهش والتهام الفريسة.

نصيحة أخيرة, لا تظن أن مثل هذه الأسماك الخطيرة لا توجد إلا في مناطق بعيدة عن المنطقة العربية, حيث لا يخلو البحر الأحمر مثلا من أنواع سامة بالغة الخطورة, في حالة لمسها أو أكلها. فهناك سمكة (الديك) التي توجد وراء رأسها مجموعة زعانف ملونة, و(الجيلي فيش) الشفافة التي تعكس اللون الأزرق, وسمكة (التلسكوب) الطويلة الرفيعة, ذات أسنان مكشوفة في الفك, تعكس اللون الأزرق وعينها زرقاء. وهناك بعض ثعابين البحر السامة ذات اللون الأصفر المائل إلى الأزرق وعلى جسمها خطوط عرضية.

 

 


 

عزت عامر





سمكة درة البحر (ببغاء)





سمكة نجم مضلعة





سمكة بياض دموية





سمكة قاضمة .. تفاصيل للعين والأشواك





سمكة عنز الماء