أبو محمود.. الحلوى يصنعها بيده.. ويحملها على رأسه

أبو محمود.. الحلوى يصنعها بيده.. ويحملها على رأسه

بعد ظهر كل يوم يحضر أبو محمود إلى ساحة البلد حاملا على رأسه صينية الحلوى الكبيرة وبيده طاولة. يضع الطاولة أولاً ثم يضع عليها الصينية ويستعد لبيع الحلوى الساخنة.

يبيع العم أبو محمود نوعين من الحلوى العربية, وهما (الصفوف) و(النمورة) أو ما يسمى (البسبوسة). يحب أهل البلد هذه الحلويات, لأن أبا محمود يحضّرها بطريقة مميزة,فهو يصنعها بيده ويطهوها في فرن البلدة, وبالتالي فهي لا تُصنع كالحلويات الأخرى في المصانع, ولا تضاف إليها المواد والألوان الصناعية.

لا يملك أبو محمود دكانا يبيع فيه هذه الحلوى, لذلك يجلس على الرصيف من دون أن يعيق مرور أحد أو أن يضايق أحداً. كذلك هو لا يملك عربة يضع عليها الحلوى ويتنقل بها.

ما حكاية هذه الحلواني? لماذا يفضل الجلوس على الرصيف? وكيف يصنع هذه الحلوى ومنذ متى? هذه الأسئلة دفعت اثنين من أصدقائنا للاقتراب من أبي محمود والتحدث إليه, وشراء الحلوى اللذيذة أيضا. الصديقان هما وائل وربيع. دعونا ننضم إليهما ونسمع قصة هذا الحلواني.

وائل وربيع جائعان

أنهى وائل وربيع دروسهما وتوجّها ليلعبا في حديقة المنزل, وبعد أن لعبا لساعة وأكثر شعرا بالجوع, ففكرا بشراء طعام يكون لذيذا ومغذيا ومنشطا, يساعدهما على استعادة نشاطهما ومتابعة اللعب. مرا من أمام بائع التورتة وفكّرا بشراء قطعتين منها, ولكنهما شعرا بأن الكريما الكثيفة التي تزينها ستكون دسمة جدا. دخلا إلى دكان صغير فوجدا جميع أنواع الويفر والشوكولا والبسكويت, ولكنهما تذكرا أن طبيب الأسنان حذرهما من عدم التهام هذه الأنواع لأنها تسبب تسوسا في الأسنان. فما العمل الآن?

بينما هما حائران لمحا العم أبا محمود يجلس في ركنه المعتاد في ساحة البلدة. تذكّرا ما قالته جدتهما عن حلوى العم أبي محمود, لقد قالت لهما إنها مفيدة وخفيفة ومصنوعة بعناية كبيرة, وكذلك فهي لا تحتوي على السمن والدهون, كما أن هذه الحلوى هي من المأكولات العربية القديمة جدا.

قصة الحلواني

ركض ربيع ووائل نحو الحلواني العجوز, ألقيا التحية عليه وقدّما له النقود قائلين: (نريد قليلا من الصفوف والنمورة إذا سمحت).

رحّب العم أبو محمود بالولدين مبتسما, وبينما هو يقطع لهما الحلوى سألاه: (من يطبخ هذه الحلوى يا عماه)?

فأجابهما: (أنا وزوجتي نطبخها في منزلنا ثم نحضرها إلى فرن البلدة حيث يصنع الخبز والكعك, ونحن نطهوها فيه لأن (صينية الصفوف والنمورة) كبيرة جدا ولا يتّسع لها فرن المنزل. بعد أن تنضج الحلوى أخرجها من الفرن, وأقطّعها بسكين خاصة إلى مربعات صغيرة, ثم تقوم زوجتي بإضافة (القطر) للنمورة, والقطر هو السائل الناتج عن غلي الماء والسكر, وهو يستعمل لتحلية المأكولات ويشبه إلى حدّ ما العسل. بعد أن نضيف القطر نزين النمورة أو البسبوسة بجوز الهند, أما الصفوف فهي لا تزين ولا يضاف إليها القطر, ولكن هناك من يحبّ أن يزيّنها بالفستق الحلبي والصنوبر).

أعطى الحلواني قطع الحلوى للولدين اللذين بقيا واقفين في مكانهما, فسألهما: (ما بكما لماذا لا تنصرفان? هل تريدان معرفة شيء آخر?), فأوضحا له أنهما يريدان أن يعرفا المزيد عن مهنة الحلواني العربي, وأن يعرفا كيف كان يعمل هذا الحلواني في قديم الزمان. فراح العم أبو محمود يتكلم عن هذه المهنة: (كان عمري 12 سنة عندما تعلّمت تحضير هذه الحلوى, ولأني كنت يتيماً وفقيرا فقد قرّرت أن أبيع الحلوى وأشتري بثمنها ما يلزم عائلتي. وهكذا صرت أبيع لأهل البلدة وأذهب إلى البلدات المجاورة أيضا, وصارت هذه مهنتي التي رافقتني طوال حياتي منذ عمر 12 سنة حتى عمر 65 سنة. أنا أشعر بأنني لا أستطيع الاستغناء عنها وأن هذه الحلوى هي صديقتي المخلصة. إن جميع من احترفوا هذه المهنة كانوا يصنعون الحلوى في منازلهم, إذ لم تكن في البلاد مصانع آلية وأفران كهربائية, ولا سيارات لنقل الحلوى من بلدة إلى أخرى بل كنا ننقلها بأنفسنا مشيا على الأقدام).

حادثة طريفة

طلب وائل من العم أبي محمود أن يخبره عن حوادث طريفة حصلت معه, فأخبره الحادثة التالية: (في إحدى المرات كنت أحمل الصينية على رأسي وتتبعني زوجتي بطنجرة القطر, سبقتها إلى الفرن ورحت أنتظر قدومها, ولكنها تأخرت كثيرا, وبعد قليل سمعت رجلا يناديني ويقول: (أسرع إلى هنا... لقد وقعت زوجتك في الساقية!). كان ذلك في فصل الصيف, والساقية في هذا الفصل تجفّ من الماء, فحمدت الله على هذا, وإلا لكانت زوجتي غرقت أو جرفتها مياه الساقية إلى البحر. ركضت إليها فوجدتها مبللة بالقطر من رأسها حتى قدميها, وهي تقف مذهولة مما يجري, والطنجرة مرمية في قعر الساقية. حمدنا الله أنها لم تقع على رأسها, بل وقعت وبقيت واقفة.

الضرر الوحيد كان أن الطنجرة انسكبت عليها. أخرجناها من الساقية, فذهبتْ إلى البيت لتغتسل وترتاح, ولكنها عادت بعد ساعة تقريبا إلى الفرن بطنجرة قطر جديدة, فتابعنا تحضير الحلوى كالمعتاد, وبقينا نضحك كلما تذكرنا انزلاقها في الساقية والقطر الذي راح يقطّر من ثيابها وشعرها, لقد أحببنا طوال عمرنا هذه الصنعة وتحملنا من أجلها كل المتاعب).

 


 

بسمة الخطيب





يقطع (الصفوف) التي يدل اسمها على شكلها





أم محمود تزين (النمورة) بجوز الهند بعد أن أضافت لها القطر





يحمل الحلوى على رأسه من الفرن الى ركنه المعروف في ساحة البلدة





إنها حقا تبدو شهية





وائل وربيع يشتريان الحلوى