اكتشاف البحار

اكتشاف البحار

في قصيدة كتبها الشاعر الانجليزي كولوريدج بعنوان (البحار التائه) يقول فيها:

الماء, الماء في كل مكان.

ولكن لا توجد نقطة واحدة يمكن أن نشربها.

وهو هنا يؤكد على عدم فائدة هذه المحيطات من المياه التي كانت تحيط بملاحه التائه, ولكنه بالتأكيد قد أخطأ الهدف, فالبحار هي أهم وأكبر وأغلى مصدر طبيعي للأرض التي نعيش عليها, فهي تزوّدنا بالبترول والغاز والغذاء وطرق التجارة كما أنها أيضا أكبر معمل علمي عرفته البشرية.

ولكن البحار حتى الآن لم تأخذ حظها الكامل من الدراسة ولا من العناية أيضا, فعلى سبيل المثال نلاحظ أن الشعب المرجانية حول العالم كلها مهددة بالخطر من التلوث ومن حوادث اصطدام السفن بها, فواحد في المائة فقط منها هو الذي يتمتع بالحماية ضد التخريب, مقارنة بنسبة 6% من الأرض. إن بضع ساعات من الاهمال يمكن أن تدمر شعبا مرجانية تكوّنت على مدى ملايين السنين.

وحتى بداية هذا القرن كانت البحار واسعة ومتاحة لمن يريد أن يستخدمها لأي غرض, وقد استطاع الفينيقيون القدامى الوصول إلى أعماق جزر المحيط الهادي وكان هدفهم أن يبنوا سفينة تستطيع أن تقاوم الزمن والعواصف حتى يجوبوا بها بحار العالم, وقضى بحارة الشعوب الأخرى حوالي ألف سنة في محاولة تقليد هذه السفينة, ولم يتحقق هذا الأمر إلا في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر على يد البرتغاليين والإسبان الذين اكتشفوا العالم الجديد, وبعد أن عرف العالم أن الأرض كرة مستديرة وليست مسطحة كما كانت تقول الكتب القديمة, انفتحت كل طرق التجارة وأصبحت السفن تصل إلى كل مكان في العالم, واكتسبت البحار أهمية استراتيجية وعسكرية, وترتب على ذلك أيضا ظهور القراصنة وتجارة العبيد, وقد انتهت تجارة العبيد تقريبا, أما خطر القراصنة فمازال موجودا.

ميدان الحروب

في القرن العشرين تحولت البحار إلى ميدان للنزاعات والحروب, ودارت على سطح مياه المحيط الأطلنطي واحدة من أكبر المعارك الحربية في الحرب العالمية الثانية, ومنذ انتهاء الحرب وهناك 17 قضية كبيرة ونزاعا حادا حول البحار تشهدها محكمة العدل الدولية, وسوف يزداد هذا العدد في العقد القادم, وقد كانت السيطرة على البحار بما فيها من غذاء ووقود هي سبب كل النزاعات الدولية.

ويقال إن التلوث والسياسة أحدثا تدميرا كبيرا في البحار في الربع الأخير من القرن الماضي أكثر مما حدث في ملايين السنين.

كولمبس من الصفر... إلى الصفر

يقول الشاعر الإنجليزي ت.س.إليوت إننا نعود كما بدأنا, وينطبق هذا القول على البحار كريستوفر كولمبس الذي بدأ من الصفر, ثم أصبح بطلا قبل أن يعود إلى الصفر مرة أخرى, وكولمبس هو أشهر مكتشفي البحار على الإطلاق, فهو الذي اكتشف أمريكا, ولكن المشكلة أن هذه القارة لم تكن خالية, لذلك فإن سكانها الأصليين لا يعترفون بمكتشف يحمل هذا الاسم, كما أن اسم أمريكا لم يطلق على هذه الأرض الجديدة إلا في عام 1509 أي بعد اكتشافها بأكثر من مائة عام. ولكنها نسبت إلى أميرجيو فيسبيشي الإيطالي الذي طاف بشواطئ هذه الأرض ورسم أول خريطة لها, لم تكن الخريطة دقيقة, ولكن الاسم بقي.

لقد اكتسب كولمبس ثراء كبيرا, اعتمد في معظمه على الذهب المسروق من الهنود وعلى تجارة العبيد. وهناك الآن حملات داخل أمريكا لمحاولة إلغاء الاحتفال بيوم كولمبس الذي يعد عيدا قوميا في بعض الدول الأمريكية, وفي الحقيقة فإن بطولته وشهرته لم تدوما طويلا أثناء حياته وبسبب غضب ملك إسبانيا عليه مات منسيا في عام 1506.

وهناك العديد من الأقوال التي تؤكد أنه لم يكن المكتشف الأول, فقد قام الفينيقيون بالوصول إلى هذه الشواطئ في فجر التاريخ, وقام الفيكنج وهم من سكان أوربا الشمالية بهذا الأمر أيضا بعدهم بألف سنة.

الشراهة للبهار

لقد كان السبب الرئيسي وراء رغبة أوربا لاكتشاف البحار هي شراهتها للقطن والحرير والبهار والأحجار الثمينة والتحف النادرة الموجودة في أسواق الشرق. ولكن طرق التجارة التقليدية كانت تمر دائما من خلال مدن العالم الإسلامي الذي لم تكن علاقته طيبة بأوربا المسيحية بسبب الحروب الصليبية ثم سقوط الأندلس. وقد كانت رحلات التاجر الإيطالي ماركو بولو إلى الصين دافعا قويا لكل من إسبانيا والبرتغال للبحث عن طرق تجارية بديلة لا تمر بالعالم الإسلامي, وكان الملك هنري البحار ملك البرتغال هو أشهر من قام بتمويل رحلات الاكتشاف. كسب منها ثروات كثيرة, ورغم أن لقبه هو البحار فهو لم يبحر مرة واحدة, بل إنه كان يخشى الاقتراب من البحر.

لقد قام هؤلاء البحارة بمواجهة أخطار جسيمة, فحتى بعد أن تغلبوا على خوفهم من وجود وحوش أسطورية, وأثبتوا أن الأرض كرويه كان هناك الخوف الدائم من الضياع في البحار أو الذهاب إلى أرض تقابلهم بالعداء, كما لم تكن الخرائط أيضا بالدقة الكافية, وكان بحارة السفن الذين يشاركون القبطان فرح الاكتشاف إذا ما طال بهم الطريق وبعدوا عن الأهل يتمردون ويستولون على السفينة ويتحولون إلى قراصنة, ولا ننسى المشاكل الدائمة في الحصول على المؤن الكافية من الطعام, وانتشار الأمراض, فالبحار ماجلان الذي طاف حول العالم مات قبل أن يشاهد خط النهاية وأكمل بحارته الرحلة دونه.

وقد أدى اكتشاف البحار أيضا إلى العديد من الاكتشافات العلمية, والكابتن كوك وتشارلز دارون هما أشهرمثال على ذلك, فقد ذهبا إلى الجزر المنعزلة وجمعا عينات نادرة من النباتات والحيوانات التي كانت نواة لنشأة المتحف الطبيعي في إنجلترا, كما استوحى دارون من رحلاته البحرية واكتشافاته نظرية النشوء والارتقاء.

من أين يأتي الماء?

كانت الأرض مغطاة بالجليد منذ حوالي 4 بلايين عام, ثم بدأ الماء في التبخر, وتساقطت الأمطار فتكونت الأنهار, وسقط المطر في أحواض الأرض العميقة فتكونت المحيطات, المحيط حديث العمر نسبيا لأنه تكون من 20 مليون سنة فقط, وهناك دورة مائية مستمرة يتبخر فيها الماء ويسقط على هيئة أمطار وهي حوالي نصف مليون متر مكعب من الماء سنويا تتبخر من سطح المحيط ثم تعود الى الأرض من جديد.

عصر الاكتشافات

  • 1418 أرسل أمير البرتغال هنري البحار أول سفينة لاكتشاف العالم. وهكذا بدأ عصر الاكتشافات الأوربية.
  • 1492 وصل كريستوفر كولمبس إلى أمريكا.
  • 1497-1498 اكتشف البحار البرتغالي فاسكو دي جاما طريقا إلى الهند.
  • 1519-1522 بعثة إسبانية بقيادة فرناند ماجلان استطاعت أن تطوف حول العالم.
  • 1768-1779 البريطاني جيمس كوك كان أول من عبر القطب المتجمد الجنوبي.
  • 1831-1836 رحلة العالم تشارلز دارون التي كانت أساسا لوصوله لنظرية التطور.
  • 1934م كان عالم الحيوان الأمريكي وليم بارتون هو أول إنسان يشاهد البحار العميقة.
  • 1953 العالم الفرنسي أوجست بيسكار وابنه استطاعا الوصول إلى أعماق المحيط بواسطة غواصة صغيرة.
  • 1958 كانت الغواصة السوفييتية نواتيلس أول من عبرت تحت جبال الثلج في القطب الشمالي.
  • 1978 أطلقت أمريكا أول قمر صناعي لاكتشاف حركة البحار واسمه سي سات.
  • 1995 قامت اليابان بتصميم الغواصة كايكوالتس التي تستطيع أن ترسو على قاع المحيط وتشاهد نشأة الحياة به.

 


 

محمد سيف




الكرة الأرضية من غير البحار قد تكون كثيرة الألوان ولكنها بلا حياة











كريستوفر كولمبس, مات حزينا ومنسيا