الإسلام حضارة.. هيثم صبري

الإسلام حضارة.. هيثم صبري
        

رمضان كريم.. شهر العبادات والعادات الأصيلة

          حالة من السعادة والبهجة تغمر قلوب المسلمين كافة في شهر رمضان الكريم، فهو شهر يجسد كل معاني الصبر والطاعة والمودة من أجل رضا الله سبحانه وتعالى. وإذا كانت فرحة المسلم مصدرها الشعور بالاقتراب من الله عز وجل، والانشغال في العبادة، والابتعاد عن المعاصي، فإن فرحته لا تكتمل إلا حين يرى أخاه المسلم وهو بجواره يؤدى نفس الفرائض، ويشاركه الابتهالات والدعاء حبا في الله وأملاً في الجنة ، كما أنه يصوم ويفطر على ما رزقه الله من الطيبات.

          قال الرسول صلى الله عليه وسلم: مَنْ لمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّور والعملَ بهِ فليسَ لله حاجَةٌ أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه ، أي من لم يترك قول الكذب والعمل به فلا فائدة من صيامه، ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: (كمْ مِنْ صَائِم ليسَ له من صيامِه إلا الجوع والعطش)، فالصيام ينقّي القلب، وعلى المسلم أن يلتزم بالأخلاق الطيبة والسلوك القويم في شهر رمضان.

          ومن المهم أن نتذكر أنه على المسلم أن يتصف بالأخلاق الحميدة دائمًا وأن يستغل شهر رمضان لتدريب النفس على هذه الأخلاق.

          ولكن هل سأل أحدنا نفسه: كيف يستقبل إخواننا المسلمون هذا الشهر في البلاد المجاورة، أو حتى في البلدان البعيدة؟ فلكل دولة عادات في شهر رمضان المبارك تميزها عن غيرها من البلدان، هذه العادات المختلفة تعكس ثقافة البلد وحضارته.

موائد الرحمن

          تعتبر موائد الرحمن من مظاهر إحياء هذا الشهر الفضيل التي تتشابه في معظم بلاد الإسلام، فمنذ أزمنة بعيدة وموائد الرحمن تحتل مكانة كبيرة لدى الناس، فهي مظهر طيب من مظاهر التكافل الاجتماعي، حيث يتسابق أهل الجود لإقامة هذه الموائد طوال أيام الشهر الكريم، ومدها بأطيب الأطعمة والأشربة لإفطار الصائمين من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، حتى لا يكاد يخلو حي أو قرية أو مدينة من المدن الإسلامية من هذه الموائد التي يتطوع بها القادرون تقربًا إلى الله سبحانه في شهر الرحمة والمغفرة. وهذه الموائد الرمضانية لها تاريخ طويل يرجع إلى عصور إسلامية سابقة، ويروى أن أحمد بن طولون حاكم مصر ومؤسس الدولة الطولونية هو أول من رأى في شهر رمضان مناسبة كريمة لاستثمار الفضائل، فأمر بدعوة أغنياء وحكام الأقاليم في أول يوم من رمضان ووزعهم على موائد الفقراء والمحتاجين كي ينفقوا عليها.

أطعمة شهية

          من المشروبات التي عرفها المسلمون قمر الدين، وهي في الأصل تسمى أمر الدين، نسبة إلى بلدة بالشام، كما عرفوا الياميش والخشاف والمرطبات، حيث اعتاد الناس تناولها عند إطلاق مدفع الإفطار، وقد دلت الأبحاث على استحسان هذه العادة صحياً، لأن المرطبات أو الماء المحلى بالسكر تمتصه الأمعاء في نحو خمس دقائق فيرتوي الجسم الذي لوعه العطش وتزول عنه أعراض نقص السكر أثناء فترة الصيام. وقد حض إسلامنا على تناول الأطعمة دون الإسراف فيها، وبدا ذلك واضحا في الآية الكريمة التي يقول الله تعالى فيها: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا .

رمضان في المغرب

          يبدأ استعداد المغاربة لاستقبال شهر الصوم في وقت مبكر، ويستعدون له بالصيام في شهر شعبان الذي يبشرهم بهلال رمضان. وما إن يدخل الشهر الكريم حتى تنطلق الألسنة بالدعاء إلى الله لكي يجعل هذا الشهر بداية الخير ونقلة في حياة المرء، فتجد الناس يتبادلون الأدعية فرحين بالضيف الكريم الذي يغير حياتهم رأسا على عقب ويتبادل الناس الزيارات في الأسبوع الأول من رمضان، حاملين أطيب الأماني في شهر الإيمان والرحمة. أما مائدة الإفطار فتتكون لدى المغاربة من شربة الحساء (الحريرة) وهي الأكلة الرئيسية، و(الزلابية)، والتمر والحليب والبيض.

عادات دمشقية

          قبل حلول شهر رمضان بيوم أو يومين في دمشق يخرج الناس في جماعات من الأصدقاء إلى مناطق الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمقسم والمنشار والغياض. وتفرش كل جماعة جانباً من مكان مطل على مناظر الخضرة والمياه. وفي حين تنهمك النسوة في إعداد الطعام يلتف الشباب حول شاب يقوم بأداء أغنية الميجانا أو العتابا وأبو الزلف، وبعض الأغاني الشعبية.

رمضان في فلسطين

          لشهر رمضان في فلسطين مذاق خاص، فبالرغم من الضنك والمعاناة والجراح والآلام تجد الناس في تواصل وتواد وتراحم، وتمتد الأيدي لتمسح دموع الأيتام وترعى أسر الشهداء والأسرى، وتقوم جماعات من الناس بعيادة المرضى في المستشفيات وتقديم هدايا رمزية لهم، وتزداد صلة الأرحام، كما تنتشر الولائم والإفطارات الجماعية في المساجد . وقبل حلول رمضان بيوم أو يومين تحضر النساء جرات فخار ، ويصنعن الجبن والشعيرية، كما يقدم أهل الخير للفقراء قبل حلول شهر رمضان ما يحتاجون إليه من طحين وعدس وفول، كما أن أهل بعض القرى الفلسطينية يخرجون زكاتهم في بداية الشهر حتى يتمكن مستحقوها من شراء ما يحتاجون إليه.

          وإذا كان المسلمون في فلسطين يحرصون على صلة الرحم خلال ذلك الشهر الكريم فعلى كل فتى مسلم أن يتعلم من أخوته ومن دروس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، دروس التراحم والتوكل على الله وترك المعاصي، فالصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو أيضًا امتناع عن معصية الله.