قدوتي العلمية

قدوتي العلمية
        

رسوم: ممدوح طلعت

المغربي

          هذا الرجل.. كانت حياته الترحال.. والرياضيات.. والطب.

          اسمه غريب.. ينادونه.. «السموآل».. لكن شهرته هي «المغربي» لا يعرف أحد متى ولد، لكن مسقط رأسه كان في مدينة «طاس» التي أنجبت الكثير من رجال الفقه والعقيدة.

          ولد «السموآل» في أسرة يهودية، لأب عاشق العلم.

          - حياتنا هنا انتهت، سنرحل إلى الشرق، ونبحث عن وسيلة أخرى للرزق.

          كان الأب «يحيى بن عباس المغربي» واحدًا من رجال العلم والحكمة، وأراد أن يسافر إلى مدن الشرق العربي كي يلتقي بأهل الحكمة، والمعرفة، وطالت الرحلة من المغرب، إلى تونس، فمصر، ولم تتوقف إلا في مدينة بغداد، ملتقى العلماء.. وهناك أشهر الأب إسلامه وتبعه ابنه، الذي بدأ يتردد على مجالس العلماء الذين اندهشوا من سرعة استيعابه لعلوم الرياضيات، خاصة الجبر، وأيضًا في الطب، وكان صاحب موهبة غريبة، قال أحد الأساتذة يومًا:

          - نحن، الأساتذة، لم تكن لدينا مثل هذه الموهبة.

          كان لـ «السموآل» قدرة على عمل العديد من المعادلات الحسابية، ومسائل الجبر، داخل دماغه، دون أي استعانة بأوراق، أو أقلام، وردد أستاذه «القيرواني»:

          - يا إلهي.. لقد بلغ من الصناعة الجبرية الغاية القصوى.

          وعندما تخرّج في المدرسة الكبرى ببغداد، قرر الانتقال إلى الموصل، ليعمل في التدريس، وبدأ في تأليف الكتب، والرسائل العلمية.

          وجاء كتابه «الباهر في الجبر» واحدًا من أهم المراجع العربية في هذا الشأن.. كان ذكاؤه الحاد قد مكنه من استيعاب كل النظريات، والكتابات السابقة عليه.

          وفي الموصل، تمكن من تأليف الكثير من كتب الجبر، والطب، لدرجة أن مؤلفاته العلمية وصلت إلى خمسة وثمانين كتابًا، منها «الباهر في الجبر» و«رسالة في التحليل والتركيب» و«رسالة الموجز المعنوي في الحساب»، وكتاب حول «إعجاز المهندسين».

          ومن مؤلفاته في مجال الطب: «المفيد الأوسط في الطب»، «نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب»، كما كشف «المغربي» كذب الدعاوى اليهودية في التوراة، في كتابه «كتاب إتمام اليهود».

          وعلى الرغم من كل هذه المؤلفات العديدة المتنوعة، فإن كتابه «الباهر في الجبر» يعد درة أعماله، حيث وضع فيه براهين لم تكن موجودة من قبل.

          ورسم فيه الكثير من أشكال هندسية لم تكن مرسومة في علم الهندسة لدى العلماء الذين سبقوه، حتى العالم الإغريقي فيثاغورث نفسه.

          وفي الكتاب استطاع «المغربي» أن يستخرج ما أسماه بالمجهولات، سواء في الجبر ومسائله العديدة، أو في براهين هندسية استعان بها لتفسير المجهولات، وإخراجها من خلال البراهين.

          استقر الرجل في الموصل زمنا طويلاً، ثم قال لزوجته الشابة:

          - حان وقت الرحيل، فالمرء إذا بقي طويلاً في المكان نفسه، صدأ عقله.

          ومثلما رحل مع أبيه يومًا من المغرب إلى بغداد، فالموصل، صحب أسرته الصغيرة من الموصل إلى أذربيجان.

          وفي مدينة المراغة بأذربيجان، استقر به المقام.. واستكمل تأليف الكتب، ومنها «التبصير في علم الحساب»، «الكافي في حساب الدرهم والدينار».

          واستطاع «المغربي» أن يكتب في علم الاقتصاد، قبل أن يلمع هذا العلم في أوربا بقرون عديدة، ووجد «المغربي» في مأواه الجديد المزيد من الراحة للتأليف العلمي، والكتابة.

          لكن، فجأة، لحق به المرض، وهو لم يقدم كل ما عنده.

          وعلى الرغم من آلام المرض، فإن «السموأل» استطاع أن يحفظ القرآن الكريم، وأن يقرأ تفاسيره وأن يلم بصحيح الأحاديث.

          وفي عام 1175 ميلادية مات «المغربي» عن عمر يناهز السابعة والخمسين.

 


 

محمود قاسم