وداعًا للرُّعب

وداعًا للرُّعب

رسوم: أحمد الخطيب

ذهب سامر لزيارة صديقه عماد, وأخذ معه بعض القصص التي قام باستعارتها من مكتبة المدرسة. استقبله صديقه أحسن استقبال وفرح لرؤيته. وجلسا يتسامران. ما إن مرّت دقائق قليلة حتى علا صوت شقيقي عماد من الغرفة المجاورة. نشب بينهما شجار وراحا يتعاركان. لم يتحرّك عماد, بل راح يقلّب صفحات أحد الكتب. لم يُحدّث صاحبه ولا صاحبه حدّثه. أراد سامر أن يتصرف صديقه قبل أن يُلحق أحد شقيقيه الأذى بالآخر فسأله:

- ألن تفعل شيئًا حتى تحل هذه المشكلة?

أغلق عماد الكتاب بعصبية ونادى بصوت مرتفع شقيقيه طالبًا منهما أن يحضرا في الحال, فحضرا على الفور. كان الصغير باسم في السادسة من عمره, بينما كان سمير في السابعة. سألهما عماد:

- لِمَ هذا الشجار بينكما الآن?

أجاب باسم وهو ينظر بحسرة إلى اللعبة التي بين يدي شقيقه سمير وقال:

- لقد أخذ السيارة مني واليوم دوري في اللعب بها. دعه يُهدها إليّ.

احتدّ سمير وأجاب:

- لم ألعب بها البارحة ولم يكن يلعب بها عندما أخذتها. ما إن أمسكتها حتى حاول أن ينتزعها مني.

اليوم دوري في اللعب بها وبالأمس كان دوره...لا يحق له أن يستمتع بها اليوم. أجاب باسم بحدّة وهو على وشك أن يبدأ عراكًا مع سمير. انفعل سمير وراح يتكلم كلامًا غير مفهوم وهو يبكي ويرفع صوته, ويتمسك بالسيارة رافضًا التنازل عنها بحجة أن باسم يريد إغاظته فقط. غضب عماد وصرخ بهما مهددًا:

- إن لم تتوقفا عن الشجار فورًا, طلبت من الغول (أبي كيس) الحضور ليأخذكما. غيّر عماد صوته ليبدو مُخيفا وهو يتمتم:

- احضر يا غول (أبو كيس).

صدرت صيحات الهلع من الصغيرين وأخذا يرتجفان ويرجوان شقيقهما أن يُسامحهما ويطلب من الغول ألا يحضر.

انزعج سامر وقال مُعاتبًا صديقه:

- ما هذا الكلام السخيف يا عماد? لماذا تُخيفهما?

ابتسم عماد وتابع الفصل الأخير من مسرحية الرعب التي قام بتأليفها وإخراجها. وقال: إنه ضخم ولديه خمسة أنوف, يخطف الصغار الذين لا يطيعون الكلام. لكنه لن يحضر أبدًا إذا تصالحتما وعدتما إلى اللعب بهدوء تام...مفهوم???

سكن الصغيران شيئًا فشيئًا, وعادا إلى غرفتهما بسرعة. صرخ سامر على الفور:

- لابد أنك جننت...هل تؤمن بوجود الغول أبي كيس??

ضحك عماد ساخرًا وقال:

- يا للسخافة. وهل تظن ذلك? أنا أخيفهما فقط, أما لاحظت كيف عاد الهدوء إليهما? سيتفقان مجددًا ويستأنفان اللعب.

- أنت تقوم بإدخال الرعب في قلبيهما وترسيخ فكرة مخيفة في مُخيلتهما قد تنغّص عليهما إحساسهما بالأمان. أجابه سامر.

- لا تكترث للأمر. غدًا يكبران وينسيان.

- لا أعتقد ذلك, سيفكران بالغول كلما أساءا التصرف وسيشعران بالتوتر حتى لو لم تكن موجودًا لتؤنبهما.

- أنت تبالغ...إنهما شقيقاي وأنا أحبهما وأعني بهما أثناء غياب أمي وأبي, وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعلهما يستمعان فيها إليّ.

- هل أنت متأكد???سأله سامر بروية.

أجابه عماد وقد نفد صبره: ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني? ها? تفضل أخبرني.

فكر سامر قليلاً قبل أن يُجيب أنه سيطلب من سمير أن يحترم دور شقيقه أو يطلب منهما أن يتشاركا في اللعب.

صمت عماد وقد تغيّرت ملامح الشقاوة من عينيه وقال: هل كنتُ أنا سيئًا إلى هذه الدرجة?

هزّ سامر رأسه موافقًا وقال: أبو كيش شيء...ش..شنيع...يا شديقي...

ضحك عماد قليلاً ثم قال نادمًا: سأصحح خطئي حى أزيل فكرة أبي كيس من رأسيهما إلى الأبد...سأفعل ذلك في المساء.

- بل الآن وفورًا...قال سامر آمرًا ثم تابع:

- وإلا سأخبرهما أن الغول ما هو إلا أنت.

 


 

سناء شباني